أزمة تتكرّر في شهر رمضان.. كيف تحوّل الموز إلى قضية اقتصادية؟
17 مارس 2025
تُطلّ أزمة الموز مُجدّداً في شهر رمضان بالجزائر، حيث يشهد السوق ارتفاعًا غير مُبرّر في الأسعار. وتكشِف بعض التقارير عن وُجود ممارسات مضاربة تؤثّر بشكل مباشر على استقرار السوق، ممّا يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي، كما تُثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذه القضية.
بحاري يعقوب لـ" الترا جزائر" : رغم توفر الكميات الكافية تشهد الأسعار انفلاتًا غير مبرر مما يشير إلى أنّ المشكلة لا تتعلق بنقص التوريد بل بخلل في التوزيع والمضاربة المفتعلة
داخل مستودع مظلِم على أطراف العاصمة، حيث تتراص صناديق الموز في أكوام شاهقة، وقف أحد التجار يُراقب هاتفه بتوتر شديد في انتظار إشعار بوصول "البضاعة" إلى السوق دون مشاكل.
لم يكن يعلم هذا التاجر أنّ أعين الرقابة كانت تتابع كل حركة، وأن شحنته - التي كان يُخطّط لبيعها بسعر مضاعف - لن تجد طريقها إلى المستهلك هذه المرة، بل سيكون مصيرها المُصادرة.
وفي إطار الرقابة على الأسعار؛ تمّ تحديد أنّ أي كيلوغرام من الموز يتجاوز سعره 220 دينارًا سيخضع لإجراءات الحجز. وقد تمّ تنفيذ هذه الخطوة في سوق "الحطاطبة" بتيبازة، غرب العاصمة، في اليوم الثامن من شهر رمضان.
تكرّر المشهد ذاته خلال شهر رمضان، ولكن على نطاق أوسع، حيث نفّذت الجمارك الجزائرية بتاريخ 16 مارس/آذار الجاري واحدة من أكبر عمليات الحجز في ميناء عنابة. فقد تم ضبط 34 حاوية محملة بـ 800 ألف كيلوغرام (800 طن) من الموز، كان مستوردون ينوون تخزينها داخل الميناء بهدف خلق ندرة مفتعلة ورفع الأسعار في الأسواق.
وتعدّ هذه الخطوة جزءاً من حملة واسعة النطاق أطلقتها السلطات الجزائرية لمكافحة المضاربة في المواد الغذائية، خصوصاً تلك التي تشهد طلباً مرتفعاً خلال شهر رمضان.
ومنذ بداية شهر رمضان، أطلقت وزارة التجارة الداخلية بالتنسيق مع مصالح الأمن حملة موسعة ضد المضاربة في الموز.وقد أسفرت الحملة عن حجز كميات ضخمة كانت موجهة للبيع بأسعار مرتفعة.
ارتفاع الأسعار
يحصل المستوردون على الموز بسعر 130 ديناراً للكيلوغرام، إلا أنّ بعضهم يفرض أسعاراً تصل إلى 400 دينار على التجار، الذين يبيعونه بدورهم بأسعار مضاعفة، ما أدى إلى ارتفاع ثمنه في الأسواق إلى أكثر من 600 دينار للكيلوغرام.
ورغم الإجراءات المتّخذة، يستمرّ تكرار سيناريو أزمة الموز كل رمضان، حيث يشهد استهلاكه زيادة ملحوظة، مما يجعله سلعة مثالية للمضاربة. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تعود أزمة الموز كل عام رغم الحملات الرقابية؟ ومن هم المستوردون الذين يسيطرون على خيوط هذه اللعبة؟
من يتحكّم في سوق الموز؟
كشف رئيس الفيدرالية الوطنية لأسواق ووكلاء الجملة للخضر والفواكه، بحاري يعقوب، أنّ عدد مستوردي الموز في الجزائر ارتفع إلى 160 مستوردًا، حيث يتم استيراد كميات تصل إلى 320 ألف طن سنويًا، وهي كمية تكفي لتغطية احتياجات السوق الوطني بالكامل.
ورغم ذلك، تشهد الأسعار انفلاتًا غير مُبرّر، مما يشير إلى أنّ المشكلة لا تكمن في نقص التوريد، بل في خلل في التوزيع والمضاربة المفتعلة.
وأضاف بحاري أن بعض المستوردين يفرضون أسعارًا مرتفعة على التجار، ما أدى إلى وصول سعر الكيلوغرام إلى 900 دينار في بعض الأسواق، رغم عدم توفر كميات كبيرة منه في أسواق الجملة.
وأوضح بحاري أنّ المستوردين يبيعون الموز بسعر 450 دينارا، لكنهم يجبرون التجار على الفوترة بسعر لا يتجاوز 220 دينارا، ممّا يخلق اضطرابا في السوق ويفتح المجال أمام المضاربة، هذا الأمر جعل الموز عاملا مؤثّراً على أسعار فواكه أخرى مثل الفراولة والتفاح.
وعليه أصبح الموز من المواد الأساسية في استهلاك الجزائريين، ويتركز معظم مستورديه خاصة في العاصمة والبليدة وتيبازة، أين يستقر نشاط عملية التوريد في الجزائر.
منظمة حماية المستهلك تتلقى عشرات التبليغات عن ارتفاع أسعار الموز خصوصًا خلال شهر رمضان
يتم جلب الموز بشكل أساسي من الإكوادور، حيث تستغرق الشحنات حوالي 25 يومًا للوصول. وفي هذا السياق، اقترح بحاري يعقوب تنويع مصادر الاستيراد والتوجه نحو دول أقرب مثل مصر، التي توفر الموز بأسعار أقل وتكاليف شحن منخفضة، مما قد يساهم في استقرار السوق.
كما شدّد بحاري على أنّ الحل الرئيسي يكمن في الرقمنة، لضبط عمليات الاستيراد والتوزيع ومنع التلاعب بالفواتير. وأكد أنّ رئيس الجموهورية قد شدد مرارًا على ضرورة مكافحة المضاربة في مختلف السلع، داعيًا إلى فرض شفافية أكبر في استيراد وتوزيع الموز لضمان استقرار الأسعار.

أين الرقابة؟
يُثير استمرار أزمة الموز في الجزائر العديد من التساؤلات حول الأسباب رغم الجهود الرقابية المبذولة. وتكشف بعض التقارير عن ارتفاع غير مُبرّر في الأسعار، بينما تتكشف ممارسات مضاربة تؤثر على استقرار السوق.
في هذا السياق، يستعرض المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، فادي تميم، أبرز ملامح هذه الأزمة والتحديات التي تواجهها السلطات في التصدي لها.
وكشف المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، أنّ المنظمة تتلقى يوميًا عشرات التبليغات حول ارتفاع أسعار الموز بشكل غير مبرر، خاصة في شهر رمضان.
وأوضح تميم أنّ الموز لم يشهد أي زيادات عالمية في الأسعار، كما أن تكاليف النقل بقيت مستقرة، مما يثير الشكوك حول الجهات التي تتحكم في السوق.
وأضاف أن المتلاعبين يعتمدون على فواتير قانونية لا تعكس الأسعار الحقيقية، مما يجعل من الصعب إثبات التلاعب.
كما أشار إلى أنّ بعض مستوردي الموز وأصحاب غرف التبريد يفرضون أسعارًا مرتفعة على تجار الجملة، الذين رغم عدم كونهم السبب الرئيسي، يساهمون في تفاقم الأزمة بقبولهم هذه الممارسات.
بعض مستوردي الموز وأصحاب غرف التبريد يفرضون أسعارًا مرتفعة على تجار الجملة
ومع استمرار حملات التفتيش، فإنها تركز في الغالب على مراجعة الفواتير، بينما تكمن المشكلة الحقيقية في الأسعار المخفية التي يتم التعامل بها سرًا.
ورغم كل الجهود المبذولة، يبقى الموز مثالًا صارخًا لاستغلال بعض التجار لحاجات المستهلكين لتحقيق أرباح غير مشروعة.
فقد أصبح الموز ليس مجرد فاكهة استوائية، بل قضية اقتصادية أوسع، حيث تتحكم قلة قليلة من المستوردين والتجار في تدفق السلع وخلق الأزمات.
وفي ظل هذه الوضعية، يطرح السؤال: هل ستنجح الدولة في كسر هذه الحلقة المغلقة عبر الرقابة الرقمنة، وإعادة هيكلة سوق الاستيراد؟ أم أنّ المضاربين سيجدون طرقًا جديدة للتحايل مع اقتراب كل رمضان؟ الإجابة ستتضح قريبًا مع بدء تسويق الشحنة المحجوزة، حيث تنوي السلطات تحويلها إلى مجمع "أغروديف" العمومي لبيعها للمواطن بسعر عادل. إما أن تنخفض الأسعار، أو أن تعود المضاربة من نافذة أخرى.
الكلمات المفتاحية

البيروقراطية تعرقل الاقتصاد الجزائري.. انتقادات دولية وإصلاحات حكومية
أشاد آخر تقرير للبنك الدولي بالخطوات التي يسير عليها الاقتصاد في السنوات الأخيرة، وبالخصوص بعد تسجيل أرقام مشجعة في مجال الصادرات خارج المحروقات، إلا أنه حذر في الوقت ذاته من استمرار البيروقراطية التي تحد من المبادرة الاقتصادية وتعرقل استقطاب المستثمرين سواء كانوا أجانب أو محليين، فما هي الإجراءات التي يجب على الحكومة الجزائرية اتخاذها لتذليل العقبات أمام مختلف المتعاملين الاقتصاديين؟

نهاية "ألجكس" وإصلاح التجارة الخارجية في الجزائر.. هل هي خُطوة كافية؟
في خُطوة تهدف إلى إعادة رسم ملامح المشهد التجاري في البلاد، أقدم الرئيس عبد المجيد تبون على تفكيك منظومة "ألجكس" التي طالما وُصفت بـ "البيروقراطية وعرقلة التصدير.

النفط تحت 70 دولارًا للبرميل.. أي تبعات على الاقتصاد الجزائري؟
واصل سعر النفط الانخفاض هذا الأسبوع تحت 70 دولارا للبرميل، ليلمس الحدود الدنيا التي غادرها منذ أربع سنوات، وهو وضع جعل منتجي النفط ومن بينهم الجزائر يترقبون كل تغيرات في قيمته جراء الوضع الاقتصادي العالمي المضطرب هذا الأيام، وكذا بسبب تأثير انخفاض الأسعار على الاقتصاد الكلي للبلاد وخططها المستقبلية سواء الإنمائية أو الاجتماعية.

رغم الفوز.. شباب قسنطينة يغادر كأس "كاف" من الدور نصف النهائي
أقصي شباب قسنطينة في الدور نصف النهائي لكأس الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم، رغم فوزه يوم الأحد، في مباراة الإياب أمام نهضة بركان بنتيجة 1-0 ، بملعب الشهيد حملاوي بقسنطينة.

أول مشاركة لأبناء الجالية في مسابقة وطنية تربوية
كشف كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية بالخارج، سفيان شايب، عن مشاركة متميزة لأبناء الجالية الجزائرية بالخارج في أول مسابقة مدرسية من نوعها ينظمها المجلس الشعبي الوطني بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية.

إدراج كلمة جزائرية في قاموس لاروس الفرنسي الشهير
أدرجت دار النشر الفرنسية الشهيرة "لاروس"، الكلمة الجزائرية "كراكو" (Karakou) ضمن الطبعة الجديدة من قاموسها الشهير، المرتقب صدوره في 21 أيار/ماي 2025، وذلك ضمن قائمة تضم 150 مفردة جديدة.

حجز 3 ملايين يورو قادمة من الجزائر في مطار باريس.. اكتشاف صادم يغيّر مجرى التحقيق
كشفت تحقيقات السلطات الفرنسية عن معطيات صادمة، بخصوص قضية مصادرة نحو 3 ملايين يورو ومبالغ بالفرنك السويسري خلال صيف 2024 بمطار شارل ديغول (رواسي) بباريس، على متن رحلتين قادمتين من الجزائر.