في ظل أزمة خانقة في سوق السيارات، وتأخّر وصول الدفعات المستوردة العام الماضي بسبب إجراءات وصفت بالبيروقراطية، تأتي تعليمات من وزارة التجارة متجاهلة هذه الأزمة وتدعو الوكلاء إلى تسجيل حصصهم التي ينوون استيرادها هذا العام.
في الوقت الذي ينتظر فيه حوالي 28 ألف زبون رفع العراقيل الإدارية لتسلم مركباتهم، يتطلع آخرون إلى فتح حصص جديدة لاستيراد السيارات
هذا التعليمات، وإن كانت تبدو إيجابية بالنسبة للمتعاملين الاقتصاديين وخطوة للإفراج عن هذا الملف، إلا أن صدورها على رأس كومة من الأزمات، التي فجرتها أسئلة نواب البرلمان عن أسباب تأخير وصول "كوطة" 2023، وعن تعويض المستوردين والزبائن العالقين بسبب هذه التأخيرات، والإخلال بدفتر الشروط، كلّها تدل على تجاهل الحكومة لملف استيراد السيارات ومضيها قدمًا في الأزمة.
مع بداية عام 2025، دعت وزارة التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية، وكلاء السيارات المعتمدين لتسجيل حصصهم المرغوب في استيرادها للعام الجاري، عبر المنصة الرقمية الخاصّة باستصدار "شهادة الاحترام"، وهي الشهادة الضرورية للتمكن من نيل وثيقة التوطين البنكي لاحقًا.
هذه الخطوة التي ترى السلطات أنها تهدف إلى تحسين الشفافية والمراقبة بالسوق، أعادت فتح ملف حصص استيراد السيارات التي تظلّ غائبة منذ آخر حصة سنة 2023.
ويأتي ذلك في وقت يترقب المواطنون رفع العراقيل الإدارية التي أعاقت استلام سياراتهم المستوردة، ويتطلع الجميع إلى الحصص الجديدة كفرصة لتخفيف ضغوط ارتفاع الأسعار.. فهل ستنفرج أزمة السيارات خلال عام 2025؟
حصص السيارات لعام 2025
في خطوة تنظيمية هامة، دعت وزارة التجارة الجزائرية وكلاء السيارات المعتمدين إلى تسجيل الحصص المرغوب في استيرادها للعام 2025 عبر المنصة الرقمية الخاصة بشهادة الاحترام. وشمل القرار، الذي تم تنفيذه بداية الأسبوع الجاري، أي بتاريخ 13 جانفي/ كانون الثاني كافة مستوردي المواد الموجهة للبيع على الحالة والمواد الأولية، وليس فقط وكلاء السيارات.
وقد تم إيداع بيانات مفصلة حول حالة المخزون، الأصناف المستهدفة للاستيراد، أسعار كل صنف، وعدد الوحدات المطلوبة، بالإضافة إلى العدد الإجمالي للوحدات والسعر الإجمالي للاستيراد.
وتأتي هذه الخطوة، حسب القائمين عليها، في إطار تنظيم السوق وضمان إشراف دقيق على الاستيراد في الجزائر. ويعتبر مراقبون أن تسجيل تقديرات استيراد السيارات لعام 2025 يمثل مؤشرًا مهمًا على استعادة "كوطة" استيراد السيارات بعد غيابها طوال عام 2024، حيث تم تعليق عمليات الاستيراد نهائيًا مع نهاية العام الماضي، دون أن يتم رفع الموانع الإدارية التي تعيق استيراد بقية حصص سنة 2023 حتى الآن.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه حوالي 28 ألف زبون دفعوا 10 بالمائة من ثمن سياراتهم رفع العراقيل الإدارية لتسلم مركباتهم، يتطلع آخرون إلى فتح حصص جديدة لاستيراد سيارات، على أمل تمكينهم من شراء مركبة جديدة. فقد تجاوزت أسعار السيارات المستعملة في السوق المحلية كل الحدود، مما جعل التوزيع يزداد تعقيدًا، ليزيد من الضغوط على المواطنين الراغبين في شراء سيارات جديدة أو استلام سياراتهم المستوردة.
وفي إطار تعزيز النشاط الاستثماري في قطاع السيارات، تم الترخيص لاستيراد أكثر من 180 ألف وحدة سيارة خلال سنة 2023، بقيمة إجمالية بلغت 2.6 مليار دولار. ورغم هذا التحسن في الأرقام، لم تدخل السيارة الأرخص في السوق الجزائرية، وهي سيارة "ستارت" التابعة لعلامة "جيلي"، التي تباع بسعر 197 مليون سنتيم لحد الآن، وذلك بسبب تعقيدات إدارية تتعلق بالتوطين البنكي، حيث وصف الوكيل تلك الظروف بأنها "قاهرة".
في المقابل، تم تسويق سيارة أخرى من علامة "شيري" بسعر 199 مليون سنتيم، ما جعل هاتين السيارتين هما الوحيدتين اللتين تباعان بأقل من 200 مليون سنتيم بعد سنوات من غلق الاستيراد ووقف التصنيع المحلي.
ويعلق الجزائريون آمالا كبيرة على الحصص الجديدة لاستيراد السيارات، على أمل أن تساهم في إعادة الاعتبار للسوق المحلية وكسر الأسعار المرتفعة، وتخفيضها إلى مستوياتها التي كانت عليها في سنوات 2017 و2018.
وفي هذا السياق، تتزامن هذه الخطوات مع تحركات جادة لتوسيع صناعة السيارات محليا، حيث يستعد مصنع فيات في الجزائر لبدء تسويق سيارات "دوبلو" السياحية قريبًا، بالإضافة إلى ذلك، عقدت وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني لقاء مع وفد من شركة "جيلي" الصينية والذي التقى أيضًا شريكه المحلي، لمناقشة إمكانية الاستثمار المحلي وإعادة تحريك الإنتاج في مصنع "كيا" السابق في ولاية باتنة، في خطوة تهدف إلى تعزيز صناعة السيارات المحلية وفتح آفاق جديدة لتطوير هذا القطاع الحيوي.
معايير تحديد الكوطة
عند تحديد معايير اختيار الحصص الخاصة باستيراد السيارات، تأخذ السلطات الجزائرية عدة عوامل في الاعتبار لضمان توازن بين تلبية احتياجات السوق والحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني. من أبرز هذه المعايير الوضع المالي للاحتياطي النقدي للبلاد، والذي يعد عاملًا حاسمًا في تحديد القدرة على تمويل عمليات الاستيراد. كما يعد دور بنك الجزائر في مرافقة هذه العمليات من خلال توفير التسهيلات المالية اللازمة أمرًا أساسيا لضمان نجاح العملية دون التأثير سلبا على استقرار العملة الوطنية.
من جانب آخر، تعتبر قدرة السوق على استيعاب الكميات المستوردة من السيارات أحد المعايير المهمة في تحديد حجم الحصص. إذ يتم دراسة احتياجات السوق من المركبات بناء على مؤشرات الطلب والعرض، مما يساعد في تجنب حدوث نقص في المعروض أو تشبع غير مبرر للسوق. إلى جانب ذلك، يتم منح الأولوية للوكلاء ذوي الأقدمية والخبرة الطويلة في مجال استيراد السيارات، وهم الشركات التي تمارس النشاط منذ سنوات ولديها سجل حافل في توفير السيارات وخدمات ما بعد البيع.
كما يشمل التقييم أيضًا قدرة الوكلاء على تلبية متطلبات دفتر الشروط، الذي يفرض عليهم ضمان توفير قطع الغيار، خدمات ما بعد البيع، وضمانات تتعلق بجودة السيارات، ويعد رأسمال كل وكيل أحد المعايير الأساسية التي تحدد قدرته على تحمل تكاليف الاستيراد وتنفيذ الالتزامات المترتبة على هذه العمليات.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المالية والميزانية سابقا بالمجلس الشعبي الوطني، الهواري تيغريسي، في إفادة لـ "الترا جزائر" أن استيراد السيارات أصبح أمرًا ملحًا في الفترة الحالية لعدة أسباب، أولها كسر الأسعار المرتفعة في السوق المحلية وتوفير السيارات للمواطنين الذين يعانون من نقص في المعروض. وأضاف تيغريسي أن هذا الأمر يتطلب تنسيقًا بين مختلف القطاعات المعنية، من أجل الإفراج عن حصص استيراد لا تؤثر سلبًا على الوضع المالي للمدخرات بالعملة الصعبة.
وفي الوقت ذاته، يجب أن تتم العملية بطريقة تضمن توفير السيارات للمواطن بشكل سهل وميسر، إذ أن السيارة أصبحت ضرورة أساسية للتنقل بين مقرات السكن وأماكن العمل.
ويضيف تيغريسي أن استيراد السيارات لا يُعتبر بديلًا عن التصنيع المحلي، بل هو عملية تكميلية تدعم السوق في المرحلة الحالية، ويشدد على أن استيراد السيارات يجب أن يتراجع تدريجيًا مع ازدياد الإنتاج المحلي، حيث يمكن أن ينخفض حجم الاستيراد تدريجيًا مع ارتفاع عدد المركبات والعلامات المصنعة محليًا.
الهواري تيغريسي لـ "الترا جزائر": استيراد السيارات أصبح أمرًا ملحًا في الفترة الحالية لعدة أسباب، أولها كسر الأسعار المرتفعة في السوق المحلية وتوفير السيارات للمواطنين
لكن، وفقًا لتقييمه، لن يتوقف الاستيراد بشكل نهائي في الوقت الراهن، إذ يظل السوق بحاجة إلى التزويد بالمركبات المستوردة لفترة من الزمن حتى تصبح القدرة الإنتاجية المحلية كافية لتلبية احتياجات السوق بشكل كامل. ومن هنا، يعد التوازن بين الاستيراد والتصنيع المحلي أمرًا ضروريًا لضمان توافر السيارات بأسعار معقولة وتلبية احتياجات المواطنين دون التأثير سلبًا على الاقتصاد الوطني.