قدّمت الحكومة مؤخرًا المخطط الوطني للسلامة الصحية للأغذية، الذي يمتد حتى عام 2030، بهدف ضمان استهلاك الجزائريين لأطعمة صحية لتجنّب المشاكل الهضمية والتسممات الناتجة عن بعض العادات الغذائية السيّئة التي دخلت المطبخ الجزائري.
مشاركة 11 قطاعًا وزاريًا في المخطط الوطني وجمع بيانات تساعد في اتخاذ قرارات مناسبة لتحسين العادات الغذائية لدى الجزائريين
مع ذلك، يظلّ التساؤل قائمًا: ما مدى قدرة هذا المُخطط ( 2024-2030) على نشر ثقافة غذائية صحية في ظلّ المغريات التي تفرضها عادات الأكل ونمط الاستهلاك في الجزائر؟
لأول مرة، قدمت وزارة الصحة في 18 كانون الأول/ ديسمبر الماضي المخطط الوطني للسلامة الصحية للأغذية الذي يمتدّ حتى عام 2030. وتمّ إعداده بالتنسيق مع 11 قطاعًا وزاريًا، وبمساندة من المنظمة العالمية للصحة.
مُغريات الأكل
يهدف المُخطط إلى تعزيز السياسات والإطار التنظيمي في مجال السلامة الصحية للأغذية، إضافة إلى إضفاء الطابع الرسمي على أنظمة تقييم المخاطر والمراقبة والتنبيه وتطويرها. كما يسعى إلى تعزيز قدرات التفتيش والرقابة، وزيادة كفاءة مخابر المراقبة، بالإضافة إلى تنفيذ مخطط تواصلي يتضمن حملات تحسيسية وتوعوية لرفع الوعي العام بأهمية السلامة الصحية للأغذية.
وصف أخصائي التغذية كريم مسوس هذا المخطط بأنه "خُطوة لحماية صحة المستهلك"، مؤكدًا أن هدفه الأول هو الحفاظ على صحة المواطن، حيث يساعد في تعزيز سلامة الغذاء بما يضمن صحة أفضل للجزائريين.
وأضاف مسوس في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّ هذه العملية "قد تُسهم في سد الثغرات الموجودة في مجال التغذية التي تؤدي إلى مشاكل صحية للمستهلك، من خلال التركيز على المنتجات الغذائية سواء كانت حيوانية أو نباتية، مما يجعلها غذاءً وقائيًا يحمي من عدة أمراض العصر مثل السرطان، وأمراض القلب والشرايين، والسكري".
بسبب عدم احترام معايير السلامة الصحية للأغذية، تسجّل الجزائر أرقامًا مقلقة فيما يتعلق بالتسمم الغذائي، حيث بلغ عدد حالات التسمم في عام 2024 أزيد من 11 ألف حالة تسمم، سواء كانت جماعية أو فردية على المستوى الوطني، وكان أغلبها في فصل الصيف.
فقد تمّ تسجيل 1614 حالة تسمم خلال الفترة الممتدة من حزيران/ يونيو إلى آب/ أغسطس من العام الماضي.
النّمط الغذائي
لأجل ضمان سلامة الأغذية التي تشكل جزءًا أساسيًا من الأمن الغذائي، إذ تسعى القطاعات الوزارية إلى إحداث التغيير المنشود في النمط الغذائي، بالإضافة إلى حماية الأغذية من المخاطر البيولوجية والكيميائية التي قد تنشأ في مختلف مراحل السلسلة الغذائية، من الإنتاج وصولًا إلى المستهلك.
سجّلت الجزائر العام الماضي أزيد من 11 ألف حالة تسمم غذائي
وبخصوص ذلك أوضح أنّ تغيير النمط الغذائي في الجزائر أمر ضروري، حيث يتناول المواطن وجبات غير متوازنة، خاصة مع انتشار محلات الأكل السريع.
ولفت أخصائي التغذية إلى ضرورة أن يساعد المخطط في تصحيح النظرة حيال أهمية الأطعمة والوجبات الصحية خصوصا أمام تفشي الأمراض المرتبطة بالأكل في مقابل تغير طرأ على نوعية الأكل في حدّ ذاته.
البيانات لدعم قرارات الغذاء الصحي
يُعتبر الغذاء غير الصحي، بحسب رئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي، كمال صنهاجي، من العوامل الرئيسية المساهمة في الإصابة بالأمراض، إلى جانب تأثير التغيرات المناخية والخطر الوبائي المرتبط بها، وآثاره الناجمة على الأفراد.
وفي إطار هذا المخطّط؛ أكد البروفيسور صنهاجي على أهمية جمع البيانات التي تساعد في اتخاذ قرارات سياسية مناسبة في مجال الأمن الغذائي، في علاقتها بالأمراض المرتبطة بالتغذية السيئة، مثل أمراض السكري والسمنة وغيرها من الأورام السرطانية.
وعلى هاذ الأساس؛ تُعزّز مشاركة 11 قطاعًا وزاريًا في هذا المخطط، العمل على تجميع المعطيات اللازمة لتحسين العادات الغذائية لدى الجزائريين.
ونظرًا للمخاطر التي يسببها الأكل غير الصحي على الصحة العامة في البلاد، فإن نجاح هذا المخطط، رغم كونه مبادرة حكومية ورسمية، يتطلب أيضًا مساهمة من المستهلك بشكل خاصّ.
ماذا نأكل؟
دور المواطن أحد عوامل نجاح هذه الخطوة، مثلما تقول المختصة في التغذية وسيلة بن موسى في تصريح لـ" الترا جزائر" لافتة إلى أنّ المواطن يملك حقّ الاختيار في تناول الأكل والمنتج الذي يريده.
وأشارت في السياق أنّ عادات الجزائريين تعرف زخما من حيث التنوع في الأكل لكنه في الغالب غير مدروس أو بالأحرى غير متوازن لغياب المعلومة الصحية في علاقة بالغذاء وهو ما نلاحظه، على سبيل المثال في شهر رمضان.
وبالرغم من ذلك فإنّ مسؤولية التوعية والتحسيس يقع على سُلطة القرار، إذ يمكن للقطاعات الوزارية أن تعمل على إفشاء عدة حملات توعوية تتخلّلها ندوات بداية من المدارس والجامعات ودور الشباب وأيضا الإعلام من بوابة ترسيخ فكرة الغذاء الصحي، والوقاية من الأمراض النّاتجة عن عادت الأكل غير المتوازن، والتي أصبحت تهدّد الصحة العمومية.