البيروقراطية تعرقل الاقتصاد الجزائري.. انتقادات دولية وإصلاحات حكومية
24 أبريل 2025
أشاد آخر تقرير للبنك الدولي بالخطوات التي يسير عليها الاقتصاد في السنوات الأخيرة، وبالخصوص بعد تسجيل أرقام مشجعة في مجال الصادرات خارج المحروقات، إلا أنه حذر في الوقت ذاته من استمرار البيروقراطية التي تحد من المبادرة الاقتصادية وتعرقل استقطاب المستثمرين سواء كانوا أجانب أو محليين، فما هي الإجراءات التي يجب على الحكومة الجزائرية اتخاذها لتذليل العقبات أمام مختلف المتعاملين الاقتصاديين؟
باتت التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية في السنوات الأخيرة تحمل ملاحظات إيجابية بشأن الاقتصاد الجزائري مقارنة بما سبق، إلا أن استمرار هذا التقييم الايجابي يتطلب اليوم معالجة الظواهر السلبية التي تدعو هذه المؤسسات لحلها
وباتت التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية في السنوات الأخيرة تحمل ملاحظات إيجابية بشأن الاقتصاد الجزائري مقارنة بما سبق، إلا أن استمرار هذا التقييم الايجابي يتطلب اليوم معالجة الظواهر السلبية التي تدعو هذه المؤسسات لحلها، وفي مقدمتها البيروقراطية التي تظل حقيقة مرة لا يجب إنكارها.
انتقاد
أشاد تقرير صادر عن البنك الدولي نشر في 18 أفريل/نيسان الحالي بما حققته الجزائر في مجال الاقتصاد في السنوات الأخيرة، لذلك حمل التقرير عنوان "كيف تصنع الجزائر اقتصادًا ديناميكيًا للمستقبل"، غير أن التقرير ذاته أشار إلى أنه "وعلى الرغم مما تحقق من تقدم، لا تزال الجزائر تواجه تحديات في الإنتاجية والبيروقراطية".
وقال أستاذ المالية والبنوك بجامعة المسيلة عبد العزيز صلاح الدين لـ" الترا جزائر" إن "تقرير البنك الدولي عكس واقعًا متعدد الأبعاد حول الاقتصاد الجزائري، فقد أشار إلى نقاط قوة لا يمكن إنكارها، ولفت في الوقت ذاته الانتباه إلى بعض التحديات التي تستحق المعالجة، ومن هذا المنطلق، فإن ما ورد في التقرير لا يمكن اعتباره نقدًا سلبيًا بقدر ما هو تقييم موضوعي لمسار اقتصادي في طور التحول".
أستاذ المالية والبنوك بجامعة المسيلة عبد العزيز صلاح الدين لـ" الترا جزائر": تقرير البنك الدولي عكس واقعا متعدد الأبعاد حول الاقتصاد الجزائري، فقد أشار إلى نقاط قوة لا يمكن إنكارها، ولفت في الوقت ذاته الانتباه إلى بعض التحديات التي تستحق المعالجة
وذكّر صلاح الدين أنه "خلال السنوات الأخيرة شهد الاقتصاد الجزائري خطوات مهمة نحو تعزيز الاستقرار الكلي، ومن أبرز مظاهر هذا التحسن ما تحقق على مستوى التحكم في نسب التضخم رغم الظروف العالمية الصعبة، والحفاظ على احتياطيات الصرف في مستويات مطمئنة، إلى جانب تعزيز إيرادات الدولة بفضل تسيير قطاع المحروقات، وكذا الانفتاح التدريجي على قطاعات جديدة كالزراعة والصناعات التحويلية".
وبيّن أستاذ المالية والبنوك أن التقرير لم يغفل الإشارة إلى وجود تحديات قائمة وفي مقدمتها البيروقراطية التي تبقى عقبة هيكلية أمام تجسيد الإصلاحات على أرض الواقع"، مبينا أن "البيروقراطية لا تفهم هنا كعائق تقني فقط، بل كموروث مؤسساتي ونمط تفكير متجذر يحتاج إلى تحديث شامل يمس التشريعات والهيكلة الإدارية والثقافة المهنية لمسار نحو التحول الاقتصادي الشامل لا يكتمل ألا بمرافقة إصلاحية إدارية تسيير بنفس وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، وهو ما أشار إليه التقرير بطريقة بناءة".
وليست المرة الأولى التي تنتقد تقارير دولية تأثير البيروقراطية على الاقتصاد الجزائري، ففي 2018 صنف تقرير لمنتدى الاقتصاد العالمي حول التنافسية والإنتاجية الجزائر في المرتبة 86 عالميا من مجموع 137 دولة، معتبرًا أن البيروقراطية والفساد يقوضان نمو الاقتصاد الجزائري.
ولفت عبد العزيز صلاح الدين إلى أن البيروقراطية تتجلى في مظاهر متعددة، مثل تعدد الوثائق المطلوبة لإطلاق مشروع استثماري أو تجاري، ومواجهة المستثمر لتكرار في الإجراءات بين الهيئات المختلفة حيث يطلب منه تقديم نفس الوثائق لعدة مصالح دون وجود نظام معلوماتي مشترك بين الإدارات، وهو ما يتسبب في ضياع الوقت وتباينًا في المعاملة خاصة إذا اختلفت التفسيرات بين موظف وآخر أو بين ولاية وأخرى، إضافة إلى تفاوت في تطبيق القوانين من إدارة إلى أخرى، وهو ما يحدث نوعًا من الغموض القانوني وعدم الاستقرار في البيئة التنظيمية.
وأوضح الأستاذ بجامعة المسيلة أن الانتقال بين مختلف المصالح الإدارية في بعض الأحيان يؤثر بشكل مباشر على آجال إنجاز المشاريع الاقتصادية، خاصة إذا كانت المؤسسة تعتمد على تمويل محدد الآجال أو ترتبط بآجال تنفيذ تعاقدية.
إقرار وتحرك
لا تنكر الحكومة الجزائرية جسامة تأثير البيروقراطية على تنفيذ خططها الاقتصادية والاجتماعية، فهذا الإقرار جاء من أعلى سلطة في البلاد، حيث قال الرئيس عبد المجيد تبون في تموز جويلية 2022 خلال لقاء تلفزيوني إن البيروقراطية تتمثل في "ممارسات سلطوية مشبوهة تراكمت على مدار 30 إلى 40 سنة, وهناك أشخاص متوغلون داخل الجهاز الإداري وأصبحوا تقريبا هم السلطة، ونحن لهم بالمرصاد".
وأوضح تبون وقتها بإن هناك قرارات "تدرس من طرف الحكومة ويصادق عليها مجلس الوزراء ثم يأتي من يعطل تطبيقها في الميدان".
هنا، لاحظ الدكتور عبد العزيز صلاح الدين أن السنوات الأخيرة شهدت إطلاق عدد من المبادرات الحكومية الرامية إلى تقليص البيروقراطية وتبسيط الإجراءات، من أبرزها اعتماد قانون الاستثمار الجديد الذي أسس لمبدأ الشباك الموحد، وتوسيع استخدام الرقمنة في بعض الخدمات، بالإضافة إلى تسهيل إنشاء المؤسسات الناشئة.
ويرى صلاح الدين أن "هذه الخطوات تظهر وجود إرادة إصلاحية، وقد بدأ بعضها ينعكس ميدانيا، خاصة في بعض القطاعات، ومع ذلك، تبقى النتائج متفاوتة حسب المناطق والقطاعات، مما يتطلب مواصلة التقييم والتعديل المستمر لتعزيز الأداء الإداري وترسيخ ثقافة الخدمة العمومية".
وهنا دعا أستاذ المالية والبنوك إلى اعتبار "ما ورد في تقرير البنك الدولي دعوة داعمة للإصلاح أكثر منه ملاحظة سلبية، وتأكيد على أن الجزائر تمتلك الإمكانيات وتخطو خطوات واثقة، لكنها تحتاج إلى ترسيخ ثقافة إدارية مرنة ومرافقة للمسار التنموي الجديد بهدف بناء اقتصاد تنافسي وجاذب للاستثمار محليا ودوليا".
وعملت الحكومة في السنوات الأخيرة على سن عدة تشريعات من شأنها التقليل من العراقيل البيروقراطية التي تقف حجر عثرة أما مختلف الاستثمارات الاقتصادية، فعدلت قانون الاستثمار وقانون النقد والصرف وتعمل على معالجة ملف العقار الفلاحي والصناعي، وتعمل على تعميم الرقمنة في جيمع المجالات.
وشكّل اجتماع مجلس الوزراء الأخير أحد المحطات لمكافحة مظاهر البيروقراطية، حيث درس الملفات التي وعد تبون بمعالجتها في لقائه الأخير مع المتعاملين البيروقراطية تتجلى في مظاهر متعددة، مثل تعدد الوثائق المطلوبة لإطلاق مشروع استثماري أو تجاري، ومواجهة المستثمر لتكرار في الإجراءات بين الهيئات المختلفة حيث يطلب منه تقديم نفس الوثائق لعدة مصالح دون وجود نظام معلوماتي مشترك بين الإدارات.
وبناءً على ذلك، أمر رئيس الجمهورية بتنصيب وتفعيل الشبّاك الوحيد في غضون شهر، والذي سكون عمله متعلقًا "بالفعل الاستثماري الخالص ولا علاقة له بالتسيير الإداري سواء كان مركزيًا أو لامركزيًا، حيث أن الهدف من وجوده هو تسهيل الاستثمار وتذليل كل الصعوبات والعقبات التي تقف في طريق المستثمرين لاسيما البيروقراطية، وعليه فهو مخول آليًا وقانونيًا بمباشرة ومتابعة كل العمليات ذات العلاقة بالاستثمار".
أستاذ المالية والبنوك بجامعة المسيلة عبد العزيز صلاح الدين: البيروقراطية تتجلى في مظاهر متعددة، مثل تعدد الوثائق المطلوبة لإطلاق مشروع استثماري أو تجاري، ومواجهة المستثمر لتكرار في الإجراءات بين الهيئات المختلفة حيث يطلب منه تقديم نفس الوثائق لعدة مصالح دون وجود نظام معلوماتي مشترك بين الإدارات
وتضمن الأمر ذاته تنصيب هيئتين وطنيتين مكلفتين بالاستيراد والتصدير، بهدف " تحقيق النجاعة في التسيير وفق التصور والآليات الجديدة، وذلك بعد أن كان أعلن في وقت سابق انتهاء زمن الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية، باعتبارها أحد الآليات البيروقراطية التي عرقلت وصول المنتوج الجزائري إلى الأسواق العالمية.
أزمة ذهنيات
رغم أهمية التشريعات في مكافحة الفساد الإداري وتطويقه، إلا أن أستاذ المالية والبنوك بجامعة المسيلة عبد العزيز صلاح الدين أوضح لـ" الترا جزائر" بأن القضاء على البيروقراطية يبقى مرهونا بمدى القدرة على "تغيير الذهنيات الذي يعد جوهر الإصلاح الإداري، لأن إصدار قوانين جيدة لا يكفي لوحده إذا لم تطبق التشريعات بروح إصلاحية وبثقافة إدارية جديدة تقوم على الشفافية والمسؤولية والفعالية".
واعتبر صلاح الدين أن "التحدي الحقيقي ليس في تعديل النصوص القانونية بل في تقليص غياب الانسجام بين هذه النصوص وسلوك بعض القائمين على تنفيذها، إذ لا يزال البعض يتعامل بمنطق السيطرة أو الحذر المفرط، بدل منطق الخدمة وتسهيل المهام".
وبيّن الأستاذ ذاته أنه "لتحقيق هذا التحول الذهني يجب العمل على عدة مستويات، أولها تكوين الموظف العمومي وتأهيله باستمرار، ليكون على دراية بمستجدات القانون وتكنولوجيا الإدارة، واعتماد منظومة تقييم موضوعي للأداء تكافئ المجتهدين وتصحح الاختلالات، وإشراك المواطن والمستثمر في تقييم جودة الخدمة من خلال آليات رقمية شفافة، وتعزيز دور الإعلام والمجتمع المدني في دعم ثقافة المساءلة والمبادرة، دون المساس بمكانة الإدارة، بل دعمًا لها من أجل أداء أفضل".
الكلمات المفتاحية

مشروع قانون المناجم في طريقه للتمرير.. مخاوف المعارضة تتوسع من "رهن الثروات الوطنية" و"التبعية للخارج"
تصاعد الجدل السياسي في الجزائر حول مشروع قانون المناجم الجديد، وسط تزايد مطالب المعارضة بسحبه وفتح نقاش وطني موسع حوله، في مقابل دفاع حكومي مستميت يؤكد أن القانون يهدف إلى تطوير قطاع حيوي ظل لسنوات دون استغلال أمثل.

ثروة من القُمامة.. جمع البلاستيك وجه آخر للاقتصاد الدائري
في أطراف المُدن وزوايا الشوارع، يتحرّكون بصمت، يجمعون ما يرمى في القمامة من بلاستيك، ويُحوّلونه إلى مورد. إنّهم جامعو البلاستيك، "أبطال الظلّ"ّ الذين يُسهمون يومياً في حماية البيئة من التلوث، وبين أكياس النّفايات وعبوات المياه الفارغة، تبدأ قصصهم.

فرنسا تفقد 20 بالمائة من حصتها السوقية في الجزائر.. ورونو وهران تتحسر على ضياع 120 مليون يورو
تشهد العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا مرحلة غير مسبوقة من التوتر، انعكست بشكل واضح على التبادل التجاري بين البلدين، حيث بدأت باريس تشعر فعليا بفقدان حصصها السوقية في الجزائر.

تغييرات مصيرية في مسار كيليا نمور تحضيراً لأولمبياد 2028.. وخط الرياضة يسير مع الفن والتأثير
أعلنت البطلة الأولمبية الجزائرية كيليا نمور عن مرحلة جديدة في مسيرتها الرياضية، تتمثل في تغيير ناديها ومدربها استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية المقررة في لوس أنجلوس عام 2028، حيث ستخوض هذا التحدي الكبير تحت الراية الجزائرية.

قضية منع الصحفي رؤوف حرز الله من السفر تتفاعل.. منظمات حقوقية تندد ووزير الاتصال يلجأ للقضاء
أكدت منظمة شعاع الحقوقية أن قرار منع الصحفي الجزائري عبد الرؤوف حرز الله من السفر، دون إشعار رسمي أو إجراءات قضائية معلنة، يعدّ انتهاكاً صارخاً للضمانات القانونية والدستورية التي تكفل حرية التنقل وحقوق المواطنين الأساسية.

دومينيك دوفيلبان يهاجم "الخطاب الحربي" لبرونو روتايو ضد الجزائر.. ويشيد بجورجيا ميلوني
انتقد رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، بشدة الخطاب العدائي تجاه الجزائر الذي تبناه بعض السياسيين الفرنسيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو ريتايو، محذرًا من العواقب الخطيرة لهذا النهج الذي وصفه بـ"الخطاب الحربي" وغير الواقعي.

إصلاح نمط تكوين الدكتوراه.. هل هي خُطوة لتصحيح المسار الأكاديمي؟
تنجه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إحداث تغيير جوهري في نمط التكوين في طور الدكتوراه، من خلال اعتماد نموذج "مضاف الدكتوراه"، الذي يهدف إلى ربط التكوين بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.