عادت الحمى القلاعية لتفتك بأبقار العديد من الفلاحين الجزائريين في عدة ولايات، في مشهد أصبح يتكرر من فترة إلى أخرى، بالرغم من الإجراءات المتخذة من قبل السلطات للوقاية من هذا الوباء، إلا أن كل ذلك لم يمنع من تسجيل إصابات جديدة هذه الأيام دفعت بالسلطات الولائية إلى غلق أسواق الماشية، الأمر الذي يعيد التساؤل عن أسباب تكرر تسجيل هذا الوباء الحيواني في الجزائر.
بالرغم من الإجراءات المتخذة من قبل السلطات للوقاية من هذا الوباء، إلا أن كل ذلك لم يمنع من تسجيل إصابات جديدة هذه الأيام دفعت بالسلطات الولائية إلى غلق أسواق الماشية
وفي السنوات الأخيرة، زاد عدد الأمراض التي أصبحت تصيب الثروة الحيوانية، مما قد يشكل تهديدا لها وتأثيرا على الخطط الحكومية لتحقيق الأمن الغذائي الذي تضعه ضمن أولوياتها، بالنظر إلى أن أي تراجع في حجم الثروة الحيوانية الجزائرية سيرفع تلقائيا حجم اللحوم المستوردة.
عودة
اضطرت عدة ولايات عبر الوطن إلى اتخاذ قرار غلق الأسواق الأسبوعية للمواشي، جراء عودة الإصابة بالحمى القلاعية لقطيع الأبقار والأغنام، ففي ولاية الجلفة المعروفة بتربية الأنعام وبأسواقها الأسبوعية التي يقصدها موالون وزبائن من مختلف ولايات الجزائر، أصدر والي الولاية قبل أكثر من أسبوع قرار بغلق السوق الأسبوعي للمواشي
وأوضحت السلطات الولائية أن القرار جاء استنادا إلى القوانين التنظيمية المتعلقة بحماية الصحة الحيوانية وضبط حركة المواشي، إضافة إلى تقارير المصالح البيطرية التي أكدت وجود بؤر محتملة لمرض الحمى القلاعية.
وينص القرار على غلق الأسواق ومنع تنقل الماشية سواء للذبح أو التربية بين مختلف مناطق الولاية، مع استثناء اللحوم الحمراء المذبوحة والمراقبة بيطريا.
وألزم القرار جميع المصالح البيطرية والجهات المختصة بمتابعة الوضع الصحي للحيوانات وتنفيذ التدابير الوقائية بشكل صارم.
ولا تعد الجلفة الوحيدة المعنية بهذا القرار، فقد شمل عدة ولايات أخرى كتيارت والمسيلة، والبيض، هذه الأخيرة التي رصدت 300 حالة إصابة بالحمى القلاعية على الأقل لدى الأغنام، مثلما أوضحه لـ"الترا جزائر" الطبيب البيطري نور محمد أمين الله.
تهاون
وأرجع نور العودة المتكررة لمرضى الحمى القلاعية في الجزائر في السنوات الأخيرة إلى التهاون المسجل لدى الموالين في تلقيح مواشيهم من الأبقار والمواشي، بالرغم من أن التطعيم ضد هذا المرض يقدم مجانا من طرف الدولة.
وبداية العام الماضي، أعلنت مديرة المصالح البيطرية بوزارة الفلاحة والتنمية الريفية ليلى رمضاني، عن تجنيد أكثر من 3 ألاف طبيب بيطري للقيام بعملية التلقيح ضد الحمى القلاعية، مشيرة إلى وجود حوالي 7 أنواع من هذا المرض يمكن للقاح واحد أن يستوفي التصدي لنوعين إلى 3 أنواع من الحمى القلاعية فيما توجد أنواع تتطلب لقاحا خاصا به.
الطبيب البيطري نور محمد أمين الله لـ "الترا جزائر": بعض الموالين يساهمون في انتشار الحمى القلاعية، كونهم لا يصرحون لدى مديريات الفلاحة بإصابة قطعانهم بالحمى القلاعية
وحسب البيطري نور محمد أمين الله، فإن بعض الموالين يساهمون في انتشار الحمى القلاعية، كونهم لا يصرحون لدى مديريات الفلاحة بإصابة قطعانهم بالحمى القلاعية، من خلال عدم تقديم الأعراض الكاملة التي تظهر على مواشيهم، وذلك جرّاء الخوف من تنفيذ قرار حجز الأغنام والأبقار المصابة التي تستدعي خضوعها إلى علاج، أو توجيهها للذبح لتطويق المرض.
وأشار نور إلى أن التلقيح هو الحجر الأساس للوقاية من الإصابة بهذا المرض الذي يتمثل في تأثير الفيروس على المواشي، مبينا أن أعراض الحمى القلاعية تتمثل في تقرحات على مستوى الثدي واللسان والفم وحتى في الأرجل التي تجعل الماشية غير قادرة على المشي بشكل عادي.
ولفت نور إلى أن عدد الموالين الذين يقومون بتلقيح مواشيهم قد تراجع بشكل ظاهر في السنوات الأخيرة مقارنة بالسابق، بحجة ادعائهم أن التلقيح يعيق تسمين أغناهم وأبقارهم، ويمنع عنها الإنجاب، وهي أفكار مغلوطة، حيث أن تأثير اللقاح يكون فقط على الماشية الحامل والتي يمنع عنها أساسا تلقي اللقاح المضاد للحمى القلاعية، وهو إجراء لا يقوم ولا ينصح به البيطري في هذه الحالة.
ليس الوحيد
في السنوات الأخيرة، أصبحت الماشية الجزائرية عرضة لعدة أمراض، فإضافة للحمى القلاعية التي أصبحت خطرا يهدد القطيع في كل عام، تأثرت الأبقار الجزائرية في الأشهر الماضية بمرض الجلد العقدي المعدي الذي تسبب في نفوق عديد العجلان في ولايات عديدة، بالنظر إلى أنه كان ضمن الأمراض التي لا يتم التلقيح ضدها مسبقا.
وتسجل المصالح الفلاحية أيضا من فترة إلى أخرى إصابة بطاعون المجترات الصغيرة الذي يستهدف الأغنام، ويتسبب في خسائر فادحة للموالين.
وأرجع الطبيب البيطري محمد أمين الله نور إلى بروز هذه الأمراض في السنوات الأخيرة عند المولين بالدرجة الأولى إلى عدم مراقبة تحرك الأغنام والأبقار من منطقة إلى أخرى، والتي تتطلب الحصول على وثيقة صحية من البيطري المعالج تؤكد أن أي قطيع ينقل عبر شاحنة ما أن هذه المواشي صحية.
تسجل المصالح الفلاحية أيضا من فترة إلى أخرى إصابة بطاعون المجترات الصغيرة الذي يستهدف الأغنام
لكن بعض البيطريين الخواص يمنحون هذه الوثيقة دون القيام بالفحص اللازم للماشية، حيث يتسبب هذا الانتقال العشوائي في نقل عديد الفيروسات من مكان لآخر، لذلك نلجأ إلى قرارات تطويق الأوبئة، وفق قانون يتضمن وضع دائرة المرض، ثم تضاف له دائرة التلقيحات، ثم دائرة عدم التنقل، بهدف الحد من الإصابات، وفق ما أوضحه نور محمد أمين الله.
وبيّن الطبيب البيطري ذاته أن هذه الأمراض تتسبب في ارتفاع أسعار الماشية، بالنظر إلى أن الموال يحاول تعويض الخسائر التي تكبدها بسبب نفوق بعضها، وكذا جرّاء عدم تحقيقه لأي عائدات خلال فترة غلق الأسواق.
من المؤكد أن لا أحد ينكر الجهود المبذولة للتقليل من الأوبئة التي تستهدف الثروة الحيوانية الجزائرية، بالعمل على توفير اللقاح المضاد لها مجانا للمربين والموالين ، إلا أن عودة المرض في مدة ليست بالطويلة يشير إلى أن المخططات المتبعة قد لا تكون ناجحة بالقدر المطلوب، الأمر الذي يحتاج على الأقل النظر بجدية في أسباب هذا الخلل.