اقتصاد

تراجع الصادرات خارج المحروقات في الجزائر يُثير القلق.. ما الأسباب؟

20 سبتمبر 2025
الصادرات خارج المحروقات
تراجع الصادرات خارج المحروقات في الجزائر (أرشيف)
عبد الحفيظ سجال
عبد الحفيظ سجالصحفي من الجزائر

بالرغم من المساعي الحكومية المعلنة لتحرير الاقتصاد الجزائري من هيمنة عائدات المحروقات، كشفت أرقام بنك الجزائر عن تراجع مقلق في صادرات البلاد خارج قطاع النفط خلال سنة 2024، بأكثر من مليار دولار مقارنة بسنة 2023.

يُعيد تراجع الصادرات غير النفطية التساؤلات حول فعالية استراتيجية فك التبعية للمحروقات

يُعيد هذا التراجع طرح أسئلة في علاقة بفعالية السياسات الاقتصادية المنتهجة، ومدى قدرة الاقتصاد الوطني على تنويع مصادر المداخيل بعيدا عن الجباية النفطية، خاصة في سياق المنافسة في الأسواق وتقلباتها العالمية. 

كشف التقرير السنوي لبنك الجزائر لعام 2024 تراجع عائدات الصادرات خارج المحروقات بأكثر من مليار دولار، فيما كانت الحكومة تطمح إلى رفعه إلى مستويات أعلى، بالنظر إلى اتخاذها عدة تدابير  لتحقيق ذلك، فما هي العوامل التي تقف وراء هذه النتيجة السلبية؟

واستطاعت الحكومة في السنوات الأخيرة تحقيق نتائج مشجعة بشأن الصادرات خارج المحروقات حتى وإن ما تزال هزيلة بالنسبة لبلد بحجم الجزائر، إلا أن التراجع المسجل العام الماضي يستدعي النظر في أسباب هذه الكبوة التي تقف في طريق بحث الحكومة عن تحرير اقتصاد البلاد من التبعية لتقلبات سعر برميل النفط.

انخفاض المداخيل

أشارت جداول إحصائية تضمنها التقرير السنوي للبنك المركزي أن صادرات الجزائر خارج المحروقات هوت في 2024 إلى 3.835 مليارات دولار بعدما كانت عند 5.058 مليارات دولار في سنة 2023 و5.978 مليارات دولار في 2022، و4.578 مليارات دولار في 2021، أي تهاويها بأكثر من مليار دولار عن العام الماضي، كما تعد الأقل حجما خلال السنوات الأربع الأخيرة.

رئيس قسم العلوم التجارية بكلية العلوم الاقتصادية التجارية وعلوم التسيير بجامعة قسنطينة 2 طلال عباسي  لـ"الترا جزائر": أهم ما في هذه الأرقام أنها تعطي الإحصاءات الحقيقية لأداء الاقتصاد الجزائري، وتفند ما كان يتداوله البعض بشأن حجم الصادرات خارج المحروقات

وما يستدعي الانتباه إلى هذا الرقم، كونه أسوء من قيمة الصادرات خارج المحروقات المحققة خلال فترة كورونا، حينما كان الطلب العالمي متراجعا ونسبة نمو الاقتصاد العالمي ضعيفة وإغلاق الحدود في كل الدول، مع ارتفاع كبير وقتها في تكلفة النقل الدولي للبضائع.

وقال رئيس قسم العلوم التجارية بكلية العلوم الاقتصادية التجارية وعلوم التسيير بجامعة قسنطينة 2 الدكتور طلال عباسي  لـ"الترا جزائر" إنّ أهم ما في هذه الأرقام أنها تعطي الإحصاءات الحقيقية لأداء الاقتصاد الجزائري، وتفند ما كان يتداوله البعض بشأن حجم الصادرات خارج المحروقات.

أشار عباسي إلى أنّ الانخفاض في الصادرات خارج المحروقات يعود إلى توجه الشركات  بنسبة كبيرة إلى تغطية السوق المحلي، بالنظر إلى تسجيل ندرة وارتفاع للأسعار في السوق المحلي ما جعل الصادرات تتراجع، والتي كانت في سلع محدودة وبالخصوص تلك الموجهة نحو السوق الإفريقية.

أسباب التراجع 

قدر الخبير الاقتصادي وحيد صرارمة في تصريح لـ "الترا جزائر" هذا التراجع بنسبة تقارب 24 بالمئة، مبيناأن المنتجات نصف المصنعة هي الخاسر الأكبر كونها تعد العمود الفقري الصادرات الجزائرية خارج المحروقات، حيث هبطت إلى 2.85 مليار دولار في 2024 مقابل 3.98 مليار دولار في 2024 بانخفاض يقارب 1.13 مليار دولار.

وأوضح الدكتور وحيد صرارمة أن أسباب انخفاض عائدات الصادرات خارج المحروقات في 2024 عديدة، منها انخفاض أسعار الأسمدة عالميا وتزايد المنافسة من دول رائدة كروسيا، وتراجع عائدات الاسمنت بسبب ارتفاع التكاليف النقل والمشاكل اللوجيستية، وكذا تراجع عائدات المواد الغذائية التي تراجعت بـ 35.5 بالمئة لتستقر عند 276 مليون دولار في 2024.

 الخبير الاقتصادي وحيد صرارمة في حديثه مع "الترا جزائر": الانخفاض في الصادرات خارج المحروقات صاحبه أيضا تراجع في الصادرات النفطية وفي معظم القطاعات، جرّاء عوامل مرتبطة بتقلبات الأسواق العالمية ودرجة نمو الاقتصاد العالمي ككل

وأشار صرارمة إلى أن السبب الأساسي لتراجع صادرات المواد الغذائية هو انخفاض عائدات صادرات السكر التي خسرت ما يقارب 161 مليون دولار جرّاء تقلب الأسعار في السوق العالمية، وضعف التنافسية لدى باقي المنتجات الغذائية التي لم تنجح في تعويض هذه الخسارة وبقت موجهة للسوق المحلية فقط.

وأضاف صرارمة إلى ما سبق ضعف مساهمة المواد الخام في الصادرات التي تبقى متواضعة وتقارب 600 مليون دولار فقط، نتيجة غياب استغلال صناعي واسع لها محليا، ونقص الاتفاقات طول الأمد مع الأسواق الخارجية التي تضمن تدفق متواصل لهذه المواد يجعلها في منأى عن المنافسة.

ولفت صرارمة إلى أن هذا الانخفاض في الصادرات خارج المحروقات يظل من حيث القيمة، ويجب الرجوع إلى الكميات لفهم الأسباب بشكل متكامل، لأن انخفاض  العائدات يمكن أن يكون مرتبطا بالأسعار في الأسواق العالمية.

وأضاف الخبير الاقتصادي ذاته أن الانخفاض في الصادرات خارج المحروقات صاحبه أيضا تراجع في الصادرات النفطية وفي معظم القطاعات، جرّاء عوامل مرتبطة بتقلبات الأسواق العالمية ودرجة نمو الاقتصاد العالمي ككل.

 

وأوضح :" لا يعتبر تسجيل تراجع في العائدات بمليار دولار رقما كبيرا في اقتصاد أي بلد، بالنظر إلى أن هذا الرقم يسجل دوريا في عدة دول، إلا أن ما استدعى الانتباه في الجزائر هو محدودية قيمة الصادرات غير النفطية".

وأضاف في السياق أنّ هذا التراجع سجل بالرغم من اتخاذ الحكومة عدة إجراءات لرفع الصادرات غير النفطية، فهل يستدعي الوضع مراجعة للخطط الحكومية.

طلال عباسي: عدم تحقيق نمو في قيمة الصادرات غير النفطية في 2024 لا يعني مطلقا أن الخطط التي اتخذتها الحكومة خاطئة وتحتاج إلى تغيير جديد

يرى الدكتور طلال عباسي أنّ عدم تحقيق نمو في قيمة الصادرات غير النفطية في 2024 لا يعني مطلقا أن الخطط التي اتخذتها الحكومة خاطئة وتحتاج إلى تغيير جديد، إنما الأمر يتطلب فقط مزيدا من الصبر لتنفيذ هذه الخطط لحصد نتائجها على المديين المتوسط والطويل.

ودعا عباسي إلى ضرورة أن يكون الاستشراف بشأن تطور الاقتصاد الجزائري في حدود المعقول، فعلى سبيل المثال الوصول إلى تحقيق عائدات بقيمة 30 مليار دولار من الصادرات غير النفطية في 2030 قد يكون مستحيلا، إن استمرت الوتيرة بهذا الشكل، كون معدل نمو القطاع غير البترولي يظل يسير بسرعة ضعيفة رغم توفر عامل التنافسية لدى المنتوج الوطني في السنوات الأخيرة، غير أن قيمة الصادرات وعدد الشركات النشطة خارج المحروقات يظل قليلا حتى اليوم.

وحيد صرارمة: تهدف  الحكومة إلى تحقيق 30 مليار دولار كعائدات من الصادرات غير النفطية، وهو ما يتطلب تسريع غير عادي في وتيرة الإصلاح والاستثمار، خاصة بعد دخول مشاريع المناجم وإنتاج الحديد حيز الإنتاج والتصدير 

ومن جانبه، قال الدكتور وحيد صرارمة  إنّ "الحكومة ليست مطالبة بتغيير خططها الاقتصادية لنزول عائدات الصادرات خارج المحروقات في سنة بمليار دولار، لكنها قد تحتاج إلى إعادة تصحيح للمسار، وبذل جهد أكثر في بعض المحاور مثل تعزيز بيئة الأعمال، وتقليل أساليب البيروقراطية وتحسين المناخ الاستثماري، وتبسيط الإجراءات الجمركية والضريبية للمصدرين، ودعم القدرة التنافسية ليس بالدافع المالي إنما بتشجيع الابتكار والجودة ومواءمة المنتجات المحلية مع المعايير المعتمدة في الأسواق العالمية".

ويرى صرارمة أن وضع الحكومة هدف تحقيق 30 مليار دولار كعائدات من الصادرات غير النفطية يشي بوجود طموح عالٍ جدا لديها، وهو ما يتطلب تسريع غير عادي في وتيرة الإصلاح والاستثمار، خاصة بعد دخول مشاريع المناجم وإنتاج الحديد حيز الإنتاج والتصدير مستقبلا، مع العمل على تسريع وتيرة إنتاج الهيدروجين الأخضر، وربط العديد من اتفاقيات التبادل الحر والدعم المستمر للمستثمر ين في القطاعات غير النفطية للوصول إلى معدل نمو بـ35 بالمئة سنويا.

ويعتقد صرارمة أن تحقيق هذا الهدف هو تحدٍّ كبير للحكومة لكنه غير مستحيل، لأن الجزائر تتوفر على  طاقات كبيرة جدا قادرة على كسب الرهان، والذي يجب أن يدعم بتنشيط كبير للدبلوماسية الاقتصادية لتحقيق هذه الهدف.

خطوات إضافية

يدعو الخبير الاقتصادي وحيد صرارمة إلى ضرورة تنويع الأسواق التي تستهدفها المنتجات غير النفطية لرفع الصادرات خارج المحروقات، بالبحث عن أسواق جديدة، مذكرا في هذا الإطار بأن المعرض التجارة البينية الأفريقية المنظم منذ أيام كان فرصة سانحة لتسهيل دخول السلع الجزائرية إلى أسواقا جديدة، خاصة وأن المنتوج الجزائري أصبح يحظى بسمعة جيدة اليوم أفريقيا وعربيا.

وينصح صرارمة بإعطاء الأولوية لقطاعات معينة لتعزيز حجم الصادرات غير النفطية، وذلك بالتركيز على المجالات التي تملك الجزائر فيها ميزة نسبية، كتلك المتعلقة بالمواد الخام التي تتطلب أن تصبح مصنعة بدرجة معينة حتى تكون قيمتها المضافة اكبر، وكذا الصناعات التي تتطلب طاقة باعتبار أن الجزائر مصدر للطاقة.

الجزائر مطالبة بالانضمام إلى تكتلات في شرق وجنوب افريقيا للمساهمة في زيادة تدفق السلع الجزائرية إلى دول القارة السمراء، مع العمل على زيادة الصادرات في قطاعات الحديد والصلب والسيراميك والمواد الغذائية والأجهزة الكهرومنزلية، والمنتجات الصيدلانية

وأوضح في الإطار ذاته أنّ تكاليف الإنتاج تكون أقل مما يجعل المنتجات الجزائرية أكثر تنافسية، إضافة إلى المنتجات الزراعية باعتبار المحاصيل الجزائرية  أكثر عضوية وأقل استخداما للمواد الكيماوية، وهي ميزات تسمح  بغزو أسواق أوروبية ودول متقدمة أخرى، وهذا دون نسيان بعض المنتجات كالكيماويات والبتروكيمايات والبلاستيك والمطاط الصناعي والمنتجات الصيدلانية والزجاج.

ويرى الدكتور طلال عباسي أن الحكومة بدأت بالفعل في اتخاذ تدابير لزيادة حجم الصادرات خارج المحروقات، منها منها حل "الجكس" التي كانت عقبة أمام التصدير بسبب البيروقراطية والمعاملات مع المصدرين، والانضمام إلى منطقة التبادل الحر الأفريقية التي تسهل دخول المنتوج الوطني إلى عدة دول دون رسوم جمركية أو برسوم مخفضة إضافة إلى الالتحاق الرسمي لشبكة نظام الدفع والتسوية الإفريقي الموحد "PAPSS"

ودعا عباسي إلى الانضمام إلى تكتلات في شرق وجنوب افريقيا للمساهمة في زيادة تدفق السلع الجزائرية إلى دول القارة السمراء، مع العمل على زيادة الصادرات في قطاعات الحديد والصلب والسيراميك والمواد الغذائية والأجهزة الكهرومنزلية، والمنتجات الصيدلانية.

 

الكلمات المفتاحية

أدوية

البحث عن الأدوية في الجزائر.. إلى متى؟

يُصادف المتصفح لمواقع التواصل الاجتماعي من حين لآخر نداءات للبحث عن أدوية مفقودة في الصيدليات بالجزائر، وذلك بالرغم من تأكيد وزارة الصحة في أكثر مرة اتخاذها التدابير اللازمة لاحتواء أي ندرة بتوفيرها الكميات اللازمة، خاصة وأن تأمين علاج كثير من الأمراض بات يتم محليا دون الحاجة إلى الاستيراد.


وزارة المالية (صورة: أرشيف)

في مواجهة العجز المالي.. الحكومة تلجأ إلى أموال المؤسسات العمومية وسط مخاوف من العواقب

تتضمّن أحكام مشروع قانون المالية 2026 تدابير تمنح الحكومة هامشًا أوسع في استغلال أموال المؤسسات العمومية المملوكة للدولة، إلى جانب تسهيل حصولها على تمويل من البنك المركزي، ما أثار تحفظات عدد من النواب والخبراء الاقتصاديين.


تهرّب ضريبي بأكثر من 61 مليار دولار.. هل تنجح الإصلاحات بالجزائر؟

خسائر الضرائب في الجزائر بلغت أكثر من 61 مليار دولار .. هل تُنقذ "المصالحة الجبائية" الخزينة؟

مع اقتراب نهاية كل سنة، يعود السؤال القديم نفسه ليشغل بال الجزائريين: لماذا تبقى مليارات الدينارات ضائعة خارج الخزينة العامة رغم الجهود الحكومية؟.


النفط الجزائري.jpg

صفقات أكتوبر 2025.. الجزائر في صدارة الاستثمارات النفطية العالمية

تصدّرت الجزائر قائمة أكبر الصفقات والاستثمارات النفطية خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2025 مع كل من العراق والسعودية، وسط النشاط المكثف الذي شهده القطاع.

ب
أخبار

قرابة 6 ملايين زائر لصالون الكتاب ونحو تمديد أيامه في الطبعة القادمة

أُسدل الستار مساء اليوم على فعاليات الطبعة الثامنة والعشرين من صالون الجزائر الدولي للكتاب بحضور وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة ومحافظ الصالون محمد أقرب، إلى جانب شخصيات أدبية وفكرية وإعلامية بارزة.

بوقرة_1.jpg
رياضة

بوقرة يُعيد سليماني وبودبوز إلى "الخضر" وغياب بلايلي يُثير التساؤلات

أعلن مدرب المنتخب الوطني الجزائري المحلي (أ’) مجيد بوقرة، عن قائمة تضم 27 لاعبًا، تحسبًا للمواجهتين الوديتين المقررتين أمام المنتخب المصري في شهر نوفمبر الجاري بالقاهرة، ضمن برنامج التحضيرات لكأس العرب "فيفا 2025" التي ستحتضنها قطر من 1 إلى 18 ديسمبر المقبل.


العيدي عوداش
أخبار

المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للقضاة يقبل استقالة النقيب العيدي عوداش

أعلن المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للقضاة، اليوم السبت، عن انعقاد دورة استثنائية خُصصت لدراسة استقالة رئيس النقابة العيدي عوداش، التي أودعها رسميًا، ليُقرر المكتب قبولها وفقًا لأحكام القانون الأساسي، على أن تُعرض لاحقًا على الجمعية العامة الاستثنائية للمصادقة النهائية.

أمن الشلف
أخبار

توقيف تيكتوكر شهير في الشلف بشبهة تبييض الأموال وبث محتويات مخلة  

أعلنت فرقة مكافحة الجرائم السيبرانية بأمن ولاية الشلف عن توقيف مؤثر معروف بنشاطه عبر منصة "تيك توك" وتقديمه محتويات تثير جدلا بين رواد هذه المنصات.

الأكثر قراءة

1
أخبار

الجزائر تتصدر مورّدي الغاز لإيطاليا بإمدادات تفوق 14.3 مليار متر مكعب


2
أخبار

لهذا السبب..  أزمة جديدة في البرلمان الفرنسي حول العلاقات مع الجزائر


3
اقتصاد

البحث عن الأدوية في الجزائر.. إلى متى؟


4
أخبار

مُتابعة النفقات العمومية.. نائب يتحدث عن الرقابة المالية داخل البرلمان


5
أخبار

1800 طن من سمك البلطي الأحمر في الجزائر.. منصة رقمية جديدة لتسهيل التسويق