أحدثت تعديلات مشروع قانون المالية لسنة 2025 جدلًا واسعًا بين غرفتي البرلمان، لتكشف عن خلاف بين نواب المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة، ففي سابقة أثارت انتقادات البعض، لجأ رئيس الغرفة العليا إلى المحكمة الدستورية للفصل في الخلافات بدلاً من تفعيل اللجنة المتساوية الأعضاء، وهو ما اعتبره بعض نواب الغرفة السفلى تقليصاً لصلاحياتها، بالرغم من أنّها تُمثّل المشرّع الأساسي في البلاد.
صادوق: ما حدث يمثّل انتقاصًا من دور المجلس الشعبي الوطني باعتباره الجهة التشريعية الأولى في البلاد
تمحورت الخلافات حول مواد تتعلّق بفرض الضرائب والغرامات وتعديل تعريفات قسيمة المركبات بمختلف أنواعها، حيث استند مجلس الأمة في رفضه لهذه التعديلات إلى نص المادة 147 من الدستور لتبرير موقفه، وهو ما بنت عليه المحكمة الدستورية حُكمها الصادر الخميس 21 تشرين الثاني/ نوفمبر والقاضي بعدم دستورية التعديلات.
وبينما أكد خبراء قانونيون مشروعية هذا المسار الدستوري، حذّر البعض من النشطاء السياسيين من تداعياته على مبدأ التوافق بين غرفتي البرلمان.
مواد محلّ خلاف الغرفتين
في السياق، وجّه عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، أحمد بلجيلالي، مراسلة إلى رئيس المجلس، إبراهيم بوغالي، قدّم فيها شرحًا تفصيليًا حول رؤية النواب بخصوص المواد محل الخلاف بين الغرفتين.
وجاء في المراسلة، التي اطلعت عليها "الترا جزائر"، أنّ المادة 147 من الدستور تنصّ على:"لا يُقبل أي اقتراح قانون أو تعديل قانون يقدمه أعضاء البرلمان يكون مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية أو زيادة النفقات العمومية، إلا إذا كان مرفوقًا بتدابير تستهدف زيادة إيرادات الدولة أو توفير مبالغ مالية في فصل آخر من النفقات العمومية تساوي على الأقل المبالغ المقترح إنفاقها"
وعليه، فقد أُثير الجدل حول: المادة 23: تتعلّق بإخضاع نشاط النّقل بسيارات الأجرة للضريبة الجزافية بمعدل 5 بالمائة بدلاً من 12 بالمائة كما كان معمولًا به سابقًا.
وحظي هذا التعديل بقبول أغلبية النواب استجابة لطلبات العاملين في المجال، لكنه لم يأخذ بعين الاعتبار تعارضه مع المادة 147 من الدستور.
أمّا المادة 29: اقترحت رفع الحد الأدنى لمبلغ الضريبة الجزافية الوحيدة من 10 آلاف دينار إلى 30 ألف دينار. بما أنّ هذه المادة مقترح حكومي، فإنّ من حق المجلس قبولها أو رفضها. بينما جاء التعديل المقترح كان إلغاء هذه المادة المعدّلة، وليس إبقاءها كما هي مطبقة حاليًا.
لذلك، فإنّ إلغاءها لن يؤدّي إلى تخفيض الموارد العمومية، وبالتالي لا يتعارض مع الدستور.
وبالنّسبة للمادة 33: تتعلق برفع غرامة مالية يتحملها الموثقون والمحضرون القضائيون عند تحرير عقود خاضعة للتسجيل، من 500 دينار إلى 100,000 دينار. أحد التعديلات المطروحة على المادة هو حذف كلمة "يسلموه"، وهو تعديل يعني رفع المخالفة. وبحسب المراسلة، فإن هذا التعديل لا يتعارض مع المادة 147 من الدستور.
أما المادة 55: تتعلق بتعديل أحكام المادة 300 من قانون الطابع، وتشمل رفع تعريفات قسيمة السيارات السياحية والسيارات النفعية ذات قوة 10 أحصنة بخارية فأكثر. اقترحت اللجنة تعديل المادة 55 بالإبقاء على تعريفات القسائم الحالية للسيارات ذات قوة تتراوح ما بين 10 و15 حصانًا بخاريًا، كما هي واردة في الجدول الأخير للمادة 300 من قانون الطابع.
أما التعريفات الجديدة، التي جاءت بها الحكومة، فاقتُرح فرضها فقط على السيارات ذات قوة تفوق 15 حصانًا بخاريًا. ووفقًا للتعديل المقترح، فإنه لا يتعارض مع المادة 147 من الدستور، لأنه أبقى على القيم السابقة للتعريفات الواردة في المادة 300.
نواب يحذّرون.. صلاحيات البرلمان على المحك
اعتبر رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، أن لجوء مجلس الأمة إلى المحكمة الدستورية للإخطار بشأن مواد قانونية محل خلاف بين الغرفتين، بدلاً من تفعيل اللجنة المتساوية الأعضاء، يمثّل تقليصًا آخر لصلاحيات الغرفة السفلى للبرلمان، التي تُعد المشرع الأساسي في المؤسسة التشريعية للبلاد.
وأوضح صادوق في تصريح لـ"الترا جزائر" أن نواب المجلس الشعبي الوطني كانوا يفضلون تفعيل اللجنة المتساوية الأعضاء بين غرفتي البرلمان للتوصل إلى صيغة توافقية بشأن المواد المختلف عليها في قانون المالية لسنة 2025، عوض اللجوء إلى المحكمة الدستورية، التي وإن كانت الخيار الأسهل، فإنها تستثني دور الغرفة السفلى في النقاشات والتوافقات التشريعية.
وأضاف صادوق أنّ قرار المحكمة الدستورية قانوني ولا يمكن الطعن فيه، حيث أسقطت تعديلات المواد المختلف عليها، مشيرا الى أن هذا القرار سيكون نهائيًا وغير قابل للطعن.
بالمقابل حذّر المتحدّث من أنّ لجوء مجلس الأمة إلى الإخطار بهذه الطريقة يُعدُّ سابقة خطيرة، إذ جرى تجاهل الغرفة السفلى ولم يتم تفعيل اللجنة المتساوية الأعضاء، كما كان معمولا به في السابق عند وجود خلافات حول قوانين معينة بين نواب الغرفتين.
وأشار صادوق إلى أنّ هناك ثلاث مواد قانونية ضمن قانون المالية محلّ الإخطار من قبل النواب، وهي بحسب القراءة القانونية التي أجراها نواب المجلس الشعبي الوطني، لا تخالف المادة 147 من الدستور، بينما توجد مادة واحدة فقط يُعتقد أنها تتعارض مع بنود الدستور.
وأشار صادوق في السياق ذاته: "ما حدث يمثّل انتقاصًا من دور المجلس الشعبي الوطني، الذي يُفترض أنه الجهة التشريعية الأولى في البلاد، كان يمكن تفادي هذا الإجراء بتفعيل اللجنة المتساوية الأعضاء كما جرت العادة، لضمان توافق بين الغرفتين واحترام الأطر الديمقراطية".
إخطار المحكمة الدستورية قانوني
بالمقابل، قدّم الخبير الدستوري موسى بودهان قراءة قانونية بشأن خطوة رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، بإخطار المحكمة الدستورية حول المواد محل الخلاف بين غرفتي البرلمان، موضحًا أن هذا الإجراء يعكس التزام الهيئات التشريعية بدستور وقوانين الجمهورية.
وأوضح بودهان، في تصريح لـ"الترا جزائر"، أنّ تفعيل ضوابط وآليات الدستور وإخطار المحكمة الدستورية بشأن المواد المختلف عليها بين غرفتي البرلمان يعد إجراءً قانونيًا يتماشى مع متطلبات مبدأ الفصل بين السلطات الذي أقره دستور نوفمبر 2020.
وأكد أنّ الخطوة التي بادر بها رئيس الغرفة العليا للبرلمان، صالح قوجيل، قانونية تمامًا وليست تجاوزًا لصلاحيات الغرفة السفلى للبرلمان.
وأضاف الخبير أنّ المادة 193 من الدستور تحدد الجهات المخولة بإخطار المحكمة الدستورية، وتشمل رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الأمة، رئيس المجلس الشعبي الوطني، الوزير الأول أو رئيس الحكومة، وكذلك 40 نائبًا من المجلس الشعبي الوطني أو 25 عضوًا من مجلس الأمة.
وأشار بودهان إلى أنّه، فور تلقي المحكمة الدستورية الإخطار، تبدأ التداول في جلسة مغلقة وتصدر قرارها في ظرف 30 يومًا من تاريخ الإخطار. وفي الحالات الطارئة، وبطلب من رئيس الجمهورية، يمكن تقليص هذه المدة إلى 10 أيام، وفق ما تنص عليه المادة 194 من الدستور.
وبيّن المتحدث أنّ المحكمة الدستورية كانت ملزمة بالنظر في مدى توافق المواد المثيرة للجدل، مثل تلك المتعلقة بالغرامات الجزافية وقيمة الضرائب، مع نص المادة 147 من الدستور، وأصدرت قرارًا ملزمًا لا يمكن الطعن فيه.
كما أوضح أن إخطار المحكمة الدستورية من قبل رئيس مجلس الأمة والوزير الأول لا يتعلق بحالة الدفع بعدم الدستورية، بل بخلاف دستوري بين السلطات. أما الدفع بعدم الدستورية فيُرفع إلى المحكمة الدستورية عبر إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة.
وفي هذا السياق، تلقت المحكمة خلال السنتين الماضيتين 35 إحالة وأصدرت بشأنها قرارات نهائية.