اقتصاد

زيادات أجور الجزائريين في 2026.. بين العدالة الاجتماعية واستدامة الميزانية

30 سبتمبر 2025
الجزائر
أسماء بهلولي
أسماء بهلولي صحافية من الجزائر

تتجه الأنظار هذه الأيام نحو مشروع قانون المالية لسنة 2026، المنتظر أن يُعرض قريبًا على طاولة مجلس الوزراء، لما يحمله من تأثير مباشر على حياة الجزائريين وميزانياتهم الشخصية، لا سيما في جزء الأجور.

المواطن العادي لا يهمه كثيرًا إن جاءت الزيادة عبر رفع النقطة الاستدلالية أو الأجر القاعدي أو الإعفاءات الضريبية، بقدر ما يهمه أن يكون الأجر آخر الشهر كافيًا لتغطية ضروريات الحياة

بعد سنوات من الزيادات التي وُصفت بأنها جزئية وغير كافية، لا تزال القدرة الشرائية للعديد من الأسر تعرف تراجعًا مستمرًا بسبب ارتفاع الأسعار. لذلك، أصبح السؤال الذي يتردد في الشارع الجزائري: "كم ستكون زيادة الرواتب هذه المرة؟"

المواطن العادي لا يهمه كثيرًا إن جاءت الزيادة عبر رفع النقطة الاستدلالية أو الأجر القاعدي أو الإعفاءات الضريبية، بقدر ما يهمه أن يكون الأجر آخر الشهر كافيًا لتغطية ضروريات الحياة. فالموظفون في القطاع العام ينتظرون قرارًا يعيد لهم بعض التوازن المفقود، بينما يخشى العاملون في القطاع الخاص أن يجدوا أنفسهم خارج أي إصلاح مرة أخرى، وهو ما يفتح نقاشًا واسعًا حول المساواة والعدالة في الأجور بين الجزائريين.

وسط هذه الترقبات، يضع خبراء الاقتصاد وأعضاء البرلمان مجموعة من السيناريوهات على الطاولة، تتباين بين ما هو ممكن ماليًا وما هو ضروري اجتماعيًا. السؤال المطروح: ما هي الصيغة التي ستختارها الحكومة؟

4 طرق تقنية لزيادة الأجور

ولفهم السيناريوهات المحتملة، يرى الخبراء أن هناك أربع صيغ أساسية يمكن للحكومة أن تعتمد عليها في مراجعة الأجور.

وفي تصريح لـ"الترا جزائر"، أوضح الخبير الاقتصادي عثمان عثمانية أن هناك عدة طرق تقنية لزيادة الأجور، تتمثل في:

  • رفع الأجر القاعدي.
  • زيادة النقطة الاستدلالية.
  • توسيع المنح والتعويضات.
  • الإعفاء من الضريبة على الدخل.


وأكد عثمانية أن هذه الصيغ تمنح الحكومة أدوات متعددة لرفع الرواتب، غير أن لكل واحدة منها انعكاسات مختلفة على العدالة الاجتماعية وعلى توازنات الميزانية.

وأشار إلى أن الصيغة الأكثر ترجيحًا في المرحلة المقبلة هي رفع النقطة الاستدلالية، لأنها آلية أكثر مرونة وتسمح بتوزيع الزيادة بشكل متناسق على جميع موظفي القطاع العام، كما تتيح للحكومة التحكم بشكل أدق في نسب الزيادة، بما يحقق عدالة أكبر بين مختلف الفئات الوظيفية.

الخبير الاقتصادي عثمان عثمانية:  القطاع الخاص أصبح أكثر نضجًا في السنوات الأخيرة، حيث عزز من جاذبيته للكفاءات عبر تحسين بيئة العمل وزيادة تنافسيته

وأضاف أن أثر هذه الزيادة سيكون ملموسًا بشكل خاص لدى الموظفين الذين تقل أجورهم عن 30 ألف دينار، بحكم أنهم معفيون أصلاً من الضريبة على الدخل، ما يعزز مباشرة قدرتهم الشرائية.

وبخصوص القطاع الخاص، نفى الخبير الاقتصادي أن يشكل هذا الإجراء نوعًا من التهميش، مبررًا ذلك بمرونة هذا القطاع وقدرته على ضبط أجوره وفق احتياجات السوق. كما أن الوضع الحالي لسوق العمل، الذي يعرف وفرة في اليد العاملة من خريجين وعاطلين، يمنحه قدرة على الاستقطاب بسهولة.

ولفت عثمانية إلى أن القطاع الخاص أصبح أكثر نضجًا في السنوات الأخيرة، حيث عزز من جاذبيته للكفاءات عبر تحسين بيئة العمل وزيادة تنافسيته. واعتبر أن أي زيادة في أجور القطاع العام ستدفع القطاع الخاص إلى تحسين عروضه للحفاظ على تنافسيته، ما يخلق ديناميكية إيجابية في سوق الشغل الوطني.

وأكد أن معالجة ملف الأجور لا يمكن أن تتم بشكل معزول عن الإصلاحات الاقتصادية الأوسع، مثل تحديث المنظومة الجبائية وتوسيع الاقتصاد المنتج وخلق مناصب شغل نوعية. فزيادة الرواتب، في نظره، يجب أن تسير بالتوازي مع رفع الإنتاجية وتحسين مناخ الاستثمار، حتى تكون مستدامة وتتحول إلى رافعة حقيقية للنمو بدل أن تتحول إلى عبء على الميزانية.

وختم الخبير تصريحه بالتأكيد على أن التحدي الأساسي يكمن في تحقيق التوازن بين العدالة الاجتماعية في الأجور من جهة، واستدامة المالية العمومية وتعزيز ديناميكية القطاع الخاص من جهة أخرى، بما يخدم استقرار الاقتصاد الوطني على المدى المتوسط والبعيد.

مطالب بمضاعفة الأجر القاعدي

غير أن هذا الطرح لا يقنع بعض ممثلي السلطة التشريعية. ففي تصريح لـ"الترا جزائر"، اعتبرت زكية بوقطوشة، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية والتجارة والتخطيط بالمجلس الشعبي الوطني، أن أي زيادة في الأجور، مهما كانت نسبتها أو صيغتها التقنية، تبقى غير كافية إذا لم يتم معالجة مسألة الأجر القاعدي الأدنى بشكل جذري.

وأكدت أن رفع الأجر القاعدي من 20 ألف دينار إلى 40 ألف دينار أصبح ضرورة اجتماعية واقتصادية لا تحتمل التأجيل، لأن كلفة المعيشة ارتفعت بشكل لافت، والقدرة الشرائية للجزائريين تراجعت خلال السنوات الأخيرة.

وأوضحت أن النقاش حول النقطة الاستدلالية أو المنح والتعويضات يبقى مهما، لكنه في النهاية يظل حلاً جزئيًا لا يجيب على التحدي الأكبر، وهو ضعف الأجر الأدنى المضمون. فمضاعفة الأجر القاعدي، وفق تقديرها، لا تعني فقط تحسين دخل الموظفين البسطاء، وإنما تمثل كذلك استثمارًا في الاستقرار الاجتماعي وتعزيز الانتماء المؤسسي للعمال.

زكية بوقطوشة: رفع الأجر القاعدي من 20 ألف دينار إلى 40 ألف دينار أصبح ضرورة اجتماعية واقتصادية لا تحتمل التأجيل، لأن كلفة المعيشة ارتفعت بشكل لافت، والقدرة الشرائية للجزائريين تراجعت خلال السنوات الأخيرة

وأضافت أن أي سياسة للأجور يجب ألا تقتصر على القطاع العام وحده، لأن حصر الزيادات في هذا الفضاء سيخلق فجوة جديدة ويعمّق الفوارق بين فئات المجتمع. ومن هذا المنطلق، ترى أن القطاع الخاص مطالب أيضًا بمراجعة سلم أجوره والالتزام بمبدأ المساواة بين الجزائريين، بما يضمن أن لا يتحول التوظيف في القطاع الخاص إلى خيار اضطراري للشباب، وإنما إلى بديل تنافسي يوفر دخلاً لائقًا وظروف عمل محفزة.

وشددت على أن العدالة الاجتماعية لا تتحقق فقط عبر رفع الأجور في المؤسسات العمومية، وإنما بترسيخ منظومة متوازنة تشمل القطاعين معًا. كما دعت إلى مرافقة هذه الزيادات بإصلاحات أعمق، مثل محاربة الاقتصاد الموازي وتوسيع القاعدة الجبائية، بما يتيح للحكومة توفير موارد إضافية لتمويل الإصلاحات الاجتماعية دون المساس باستدامة الميزانية.

وختمت بوقطوشة بالقول إن رفع الأجر الأدنى إلى 40 ألف دينار سيمثل خطوة تاريخية نحو استرجاع التوازن في سوق العمل، ويمنح العامل الجزائري شعورًا حقيقيًا بالكرامة الاقتصادية، وهو ما يشكل في النهاية الهدف الأسمى لأي إصلاح للأجور.

الكلمات المفتاحية

أدوية

البحث عن الأدوية في الجزائر.. إلى متى؟

يُصادف المتصفح لمواقع التواصل الاجتماعي من حين لآخر نداءات للبحث عن أدوية مفقودة في الصيدليات بالجزائر، وذلك بالرغم من تأكيد وزارة الصحة في أكثر مرة اتخاذها التدابير اللازمة لاحتواء أي ندرة بتوفيرها الكميات اللازمة، خاصة وأن تأمين علاج كثير من الأمراض بات يتم محليا دون الحاجة إلى الاستيراد.


وزارة المالية (صورة: أرشيف)

في مواجهة العجز المالي.. الحكومة تلجأ إلى أموال المؤسسات العمومية وسط مخاوف من العواقب

تتضمّن أحكام مشروع قانون المالية 2026 تدابير تمنح الحكومة هامشًا أوسع في استغلال أموال المؤسسات العمومية المملوكة للدولة، إلى جانب تسهيل حصولها على تمويل من البنك المركزي، ما أثار تحفظات عدد من النواب والخبراء الاقتصاديين.


تهرّب ضريبي بأكثر من 61 مليار دولار.. هل تنجح الإصلاحات بالجزائر؟

خسائر الضرائب في الجزائر بلغت أكثر من 61 مليار دولار .. هل تُنقذ "المصالحة الجبائية" الخزينة؟

مع اقتراب نهاية كل سنة، يعود السؤال القديم نفسه ليشغل بال الجزائريين: لماذا تبقى مليارات الدينارات ضائعة خارج الخزينة العامة رغم الجهود الحكومية؟.


النفط الجزائري.jpg

صفقات أكتوبر 2025.. الجزائر في صدارة الاستثمارات النفطية العالمية

تصدّرت الجزائر قائمة أكبر الصفقات والاستثمارات النفطية خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2025 مع كل من العراق والسعودية، وسط النشاط المكثف الذي شهده القطاع.

ب
أخبار

قرابة 6 ملايين زائر لصالون الكتاب ونحو تمديد أيامه في الطبعة القادمة

أُسدل الستار مساء اليوم على فعاليات الطبعة الثامنة والعشرين من صالون الجزائر الدولي للكتاب بحضور وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة ومحافظ الصالون محمد أقرب، إلى جانب شخصيات أدبية وفكرية وإعلامية بارزة.

بوقرة_1.jpg
رياضة

بوقرة يُعيد سليماني وبودبوز إلى "الخضر" وغياب بلايلي يُثير التساؤلات

أعلن مدرب المنتخب الوطني الجزائري المحلي (أ’) مجيد بوقرة، عن قائمة تضم 27 لاعبًا، تحسبًا للمواجهتين الوديتين المقررتين أمام المنتخب المصري في شهر نوفمبر الجاري بالقاهرة، ضمن برنامج التحضيرات لكأس العرب "فيفا 2025" التي ستحتضنها قطر من 1 إلى 18 ديسمبر المقبل.


العيدي عوداش
أخبار

المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للقضاة يقبل استقالة النقيب العيدي عوداش

أعلن المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للقضاة، اليوم السبت، عن انعقاد دورة استثنائية خُصصت لدراسة استقالة رئيس النقابة العيدي عوداش، التي أودعها رسميًا، ليُقرر المكتب قبولها وفقًا لأحكام القانون الأساسي، على أن تُعرض لاحقًا على الجمعية العامة الاستثنائية للمصادقة النهائية.

أمن الشلف
أخبار

توقيف تيكتوكر شهير في الشلف بشبهة تبييض الأموال وبث محتويات مخلة  

أعلنت فرقة مكافحة الجرائم السيبرانية بأمن ولاية الشلف عن توقيف مؤثر معروف بنشاطه عبر منصة "تيك توك" وتقديمه محتويات تثير جدلا بين رواد هذه المنصات.

الأكثر قراءة

1
أخبار

الجزائر تتصدر مورّدي الغاز لإيطاليا بإمدادات تفوق 14.3 مليار متر مكعب


2
أخبار

لهذا السبب..  أزمة جديدة في البرلمان الفرنسي حول العلاقات مع الجزائر


3
اقتصاد

البحث عن الأدوية في الجزائر.. إلى متى؟


4
أخبار

مُتابعة النفقات العمومية.. نائب يتحدث عن الرقابة المالية داخل البرلمان


5
أخبار

1800 طن من سمك البلطي الأحمر في الجزائر.. منصة رقمية جديدة لتسهيل التسويق