30-نوفمبر-2024

(تصوير: بلال بن سالم/Getty)

شهد صالون الجزائر الدولي للكتاب الذي اختتمت طبعته الـ27 منذ أيام زيارات مليونية، مما يؤكد حسب متابعين اهتمام الجزائريين بالإنتاج الفكري المطبوع، والذي قد يجعل من السوق المحلية جديرة بالاهتمام من قبل متعاملين محليين وأجانب في وجود عدد كبير من المستهلكين، فهل ولوج اقتصاد الكتاب والنشر في الجزائر استثمار مربح حقًا؟.

بعث العدد الكبير من الزوار لمعارض الكتاب في الجزائر سنويًا نقاشًا بشأن علاقة الجزائري بالكتاب وحركية قطاع النشر

ويبعث العدد الكبير من الزوار لمعارض الكتاب في الجزائر سنويًا نقاشًا بشأن علاقة الجزائري بالكتاب، وحركية قطاع النشر ومستوى نموه، وبالخصوص بعد التراجع اللافت لعدد المكتبات في المدن الكبرى.

مرة أخرى

الطبعة الماضية لصالون الجزائر الدولي للكتاب، جذبت  ملايين الزائرين، في إحصائية أصبحت تتكرّر كل عام، ولم تعد تشكل الاستثناء، بالرغم من عدم تحقيق هذه العدد من الزوار في معارض دولية معروفة وعتيقة في العالم.

وقال محافظ صالون الجزائر الدولي للكتاب محمد إيقرب في بيان إن الطبعة الـ 27 سجلت "رقمًا قياسيًا" يقدر بـ "4 ملايين و300 ألف زائر، مع تسجيل الذروة يوم الجمعة 15 نوفمبر بلغت 863 ألف زائر".

وأشار إيقرب إلى "إقبال منقطع النظير لجمهور القراء، تم تسجيله منذ أول يوم من الصالون، حيث استقبلت مختلف أجنحة العرض وقاعات المحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية وجلسات البيع بالتوقيع جمهورًا نهما متطلعًا للمطالعة قدم من مختلف ولايات الوطن ويمثل مختلف الشرائح العمرية".

وشهدت الطبعة الـ26 لصالون الجزائر الدولي للكتاب تسجيل 3.3 مليون زاير، ما يعني أن طبعة هذا العام شهدت ارتفاعًا في عددالزوار بـمليون شخص، وهي زيادة لافتة تستدعي إعادة النظر في سوق الكتاب بالجزائر وخصائصها، وبالخصوص في ظلّ الشكاوى التي تصدر عن بعض دور النشر التي تتحدث عن تراجع المقروئية في الجزائر، مما تتسبب في غلق عدة مكتبات، حسب متابعين لحركة النشر في الجزائر.

عامل محفّز

بالنظر إلى عدد زوار معارض الكتاب في الجزائر، يظهر أن الاستثمار في هذا القطاع يحتاج التجربة والمغامرة، وهو ما قام به الصحفي نجم الدين سيدي عثمان الذي أسس قبل عامين دار نسمة للنشر التي تستهدف حاليًا إصدار كتب لصحفيين، ليرووا قصصهم المهنية ووجهات نظرهم بشان مختلف المجالات، وفق ما قال صاحب مؤلف كتاب "تين شوكي".

وأكد سيدي عثمان أن وضع دار نسمة للنشر في تطور، بالنظر إلى أنه عند الانطلاق كنا قد سجلنا بعض الخسارة المالية، إلا أن هذا  الحال قد تغير هذا العام إذ يمكن القول إن الاستراتيجية التي اتبعتها  مكنتها من أن تستدرك هذه الخسارة، وتصبح اليوم في وضع مالي مستقر دون أيّة خسائر، متوقعًا أن تحقق مؤسسته أرباحا وتحسنًا في إيراداتها في السنوات المقبلة.

ولفت سيدي عثمان إلى أن هذا التطور في أداء دار النشر ظهر أيضًا في تجربتها بصالون الجزائر الدولي لهذا العام التي كانت أحسن من السنة الماضية، من خلال نفاذ بعض النسخ المعروضة  في الصالون عن آخرها، حيث تتوجه المؤسسة لإصدار طبعات جديدة لها.

وحسب سيدي عثمان، فإن الكتاب شبه المدرسي مربح، لكن الأمر يكون صعبًا لما يتعلق بالإصدارات الأدبية، حيث يكون تسويقه والإقبال عليه مرتبطًا فقط  بعناوين مميزة

 وأضاف  سيدي عثمان " نحن نؤمن في مؤسستنا بقاعدة خسارة مؤقتة لربح دائم..حقيقة الجزائري لا يقرأ  لكنه في الوقت ذاته يدرك لمن يقرأ، لذلك نعمل على استقطاب الكتب الجيدة في نسمة".

وبدورها، أشارت دار ساجد للنشر يمينة برحايلية في حديثها لـ"الترا جزائر" أن مؤسستها التي يزيد عمرها عن ست سنوات استطاعت التكيف مع متطلبات السوق الجزائرية، والاستمرار في نشاطها، وذلك بالمزاوجة بين الهدف التثقيفي التعليمي والغاية التجارية لتطوير هذا الاستثمار بدخول مجال التوزيع الذي يظل أكثر مردودية من الناحية المالية مقارنة بإصدار الكتب.

وأوضحت برحايلية إلى أن استثمار تأسيس دار نشر ينطلق من  مبلغ 600 ألف دينار على الأقل، وهو الحد الأدنى لإنشاء مؤسسة من هذا النوع، لكن هذه القيمة ترتفع إلى مليون دينار إذا ما كان المستثمر يرغب في تأسس مؤسّسة حقيقية للنشر بإدارة وموظفين، مضيفة أن هذه المغامرة ستكون ناجحة وأقل إنفاقًا كلما كان مقر دار النشر من ملك المستثمر، فعدم توفر هذه الخاصية تجعل  التكاليف ترتفع بشكل قياسي، بالنظر لالتهاب أسعار الإيجار في الجزائر.

صعاب

كشف سيدي عثمان  أن جعل قطاع النشر محل جذب للمستثمرين يستوجب من وزارة الثقافة العمل على دعم الناشرين الجادين، لأن الدعم الحالي يظل غير كاف، إضافة إلى أن تطوير الاستثمار في هذا القطاع يظل يحتاج إلى مرافقة   حقيقية من قبل الوصاية لدور النشر ذات الإصدارات الجيدة.

ودعا صاحب دار نسمة للنشر إلى  مراجعة نظرة الوزارة للمستثمرين في قطاع الكتاب، حيث تظل معاملات الترخيص لممارسة هذا النشاط شبيهة بأي نشاط تجاري آخر، والذي لا يمكن القيام به في حال ما لم يتحصل صاحب المشروع على سجل تجاري لا يختلف عن باقي النشاطات التجارية الأخرى.

ومن الصعاب التي تزيد من تعقيد الاستثمار في الكتاب هو غلاء أسعار الورق، ما يعني آليا زيادة في تكاليف أي إصدار، لافتًا إلى أن هذه الأسعار ارتفعت  بشكل ملحوظ بعد صالون الدولي للكتاب، وهو ما جعل المؤسسة تقتنيه بالأسعار الجديدة، إضافة إلى  الضرائب المفروضة على الناشر  الذي ما يزال يعامل كأي تاجر آخر، وفق من تحدثوا لـ"الترا جزائر".

أما مديرة دار ساجد للنشر فتبين أن من أهم الصعاب التي تواجه المستثمر في هذا القطاع هو أن الإقبال على اقتناء الكتب ضعيف، داعية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تجعل من ميدان النشر قطاعا جديرًَا بالاهتمام والمتابعة لأن الاستثمار في الكتاب يختلف عن باقي الاستثمارات الأخرى.

يبقى الاستثمار في الكتاب مغامرة صعبة لكنها قابلة للنجاح والربح المطلوب رغم التحولات التي يعرفها المجتمع

 وفي ظل غياب إحصاءات دقيقة وشاملة حول  قطاع النسر والكتاب في الجزائر سواء بعدد المؤسسات النشطة في هذا المجال وعائداته، يبقى الاستثمار في الكتاب مغامرة صعبة لكنها قابلة للنجاح والربح المطلوب رغم التحولات التي يعرفها المجتمع من الوسائل المطبوعة إلى الرقمية.