19-يناير-2025
ضبط تمويل جمعيات المجتمع المدني.. قيُود جديدة (صورة: أرشيف)

ضبط تمويل جمعيات المجتمع المدني.. قيُود جديدة (صورة: أرشيف)

وضعت السلطات تدابير مُشدّدة وضوابط محدّدة على تمويل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، تضمّنتها مسودة قانون الجمعيات الجديد الذي أحالته الحكومة إلى البرلمان لمناقشته.

التدابير الجديدة لمراقبة تمويل الجمعيات ترمي إلى منع استغلال الجمعيات في كل أشكال الفساد

وفَرضت هذه الإجراءات رقابة مالية على الجمعيات، بما فيها الجمعيات الخيرية، كما اشتملت قيوداً خاصة على تلقي تمويلات من الخارج.

وممّا جاء في المشروع؛ يخضع التمويل العمومي للمشاريع الجمعوية إلى إبرام عقد بين الجمعية وبين الهيئة العمومية المانحة، حيث لا يمكن أن يستفيد المشروع نفسه من أكثر من تمويل عمومي.

جمعيات النّفع العام

يُحدّد المشروع معايير وكيفيات منح الموارد المالية العمومية للمشاريع المقترحة من منظمات المجتمع المدني من قِبل الدولة والولاية والبلدية عن طريق التنظيم حسب الأولويات.

بالنّسبة للجمعيات التي تتمتع بطابع المنفعة العامة، مثل الهلال الأحمر الجزائري والكشافة الإسلامية الجزائرية، فسيتم تحديد شروط وآليات منحها الإعانات والمساهمات المالية وفقًا للمعايير المُحدّدة.

وبحسب الضوابط التي وردت في الوثيقة التي ستناقشها لجنة على مستوى الغرفة السفلى للبرلمان، تنصّ المادة 50 من مسودة قانون الجمعيات الجديد، بأنّه "يُمكِن للجمعيات ذات النّفع العام أن تستفيد من الأولوية في التمويلات وإعانات الدولة أو الولاية أو البلدية، وكل مساهمة تحدد شروط وكيفيات الاعتراف بطابع المنفعة العامة للجمعيات الوطنية عن طريق التنظيم".

وأنهى القانون الجديد طرق منح التمويل العمومي للجمعيات المعمول بها في السابق، "وتم اعتماد مقاربة تمويل المشاريع الجمعوية بدلاً من منح الإعانات يأتي في إطار ترشيد النفقات العمومية وإضفاء الشفافية عليها من جهة، وتشجيع الجمعيات على المبادرة بالمشاريع ذات الصالح العام من أجل مساهمتها في التنمية من جهة أخرى، وعليه سيتم تحديد شروط وكيفيات منح التمويلات العمومية لهذه المشاريع الجمعوية"، في وقت لاحق.

البرلمان الجزائري

 

هذا التوجُّه يسعى - بحسب الخبراء-إلى تشجيع الجمعيات على المبادرة بمشاريع تخدم المصلحة العامة وتساهم في التنمية، كما تمّ تفويض تحديد شروط وكيفيات منح التمويلات العمومية لهذه المشاريع إلى التنظيم المعتمد.

غير أنّ المتغيّرات الجديدة ضمن فحوى مشروع الجمعيات تستند إلى نموذج تمويل المشاريع بدلاً من منح الإعانات للجمعيات، وذلك في إطار تعزيز الشفافية في صرف الأموال.

وأكدت المادة 51 من هذه الوثيقة على أنّه "لا يُمكِن للجمعيات أن تقبل الهبات والوصايا من مصدر وطني إلا إذا كانت مطابقة للأهداف المعلنة في قانونها الأساسي".

نصّت المادة 51 على " منع قبول بأي حال من الأحوال قبول الأموال نقداً مهما كانت طبيعتها أو مصدرها"، كما أشارت بنود هذا النصّ القانوني لأهمية ضمان الشّفافية إلى أنّه "يجب أن تصبّ كل الهبات النّقدية مهما كانت قيمتها في الحساب البنكي أو البريدي الجاري للجمعية لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول الأموال نقدا مهما كانت طبيعتها أو مصدرها".

تمويل الجمعيات.. الشفافية

كما يفرِض المشروع المراقبة المالية على مختلف الإعانات، إذ "يتعيّن على الجمعية الحصول على إشهاد بمطابقة الهية أو الوصية لأهداف الجمعية بصدره الوزير المكلف بالداخلية فيما يخص الجمعيات الوطنية والجمعيات ما بين الولايات".

ويعزُو المشروع هذه التدابير الجديدة والمشددة لمراقبة تمويل الجمعيات بحسب ديباجة مسودة القانون إلى " تفادي التجارب السيئة التي شهدتها الجزائر من جهة أخرى، لاسيما تلك التي إلى المأساة الوطنية خلال أواخر القرن الماضي، وجعل الجزائر في منأى عن الفتنة والعنف والتطرف وخطابات الكراهية، وكذا منع استغلال الجمعيات في كل أشكال الفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهذا طبقا للاستراتيجية الوطنية للوقاية من لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب".

اجتماع لجمعيات المجتمع المدني

وفي إطار مراقبة التمويلات الخارجية الموجّهة لدعم الجمعيات المحلية في الجزائر، ومنع أي توظيف محتمل لهذه الجمعيات واستغلالها من قبل أطراف اجنبية، فرض القانون الجديد الموافقة المسبقة السلطات على اي دعم وتمويل تحصل عليه الجمعيات في الجزائر، إذ نصّت المادة 52 " بأنه "يمكن للجمعيات أن تقبل الهبات والوصايا الواردة من الخارج وأن تستفيد من تمويل مشاريع من هيئات أجنبية أو جمعيات أجنبية أو منظمات دولية غير حكومية، شريطة يكون ذلك. مطابقا لأهداف الجمعية.

وتشترِط المادة 53 قبول الهبات والوصايا والتمويل المذكورين في المادة 52 أعلاه وبعد رأي الوزير المكلف بالشؤون الخارجية، بعد أن تحصل الجمعية على رخصة مسبقة من: الوزير المكلف بالداخلية فيما يخص الجمعيات الوطنية والجمعيات ما بين الولايات".

وفي السياق ذاته يضع القانون عدة شروط بشأن أية اتفاقيات شراكة تعقدها الجمعيات الجزائرية، مع جمعيات أجنبية أو منظمات دولية، حيث فرض عليها الحصول على موافقة وزارة الخارجية عبر وزارة لداخلية، أو حاكم الولاية، كما أخضع انضمام الجمعيات الجزائرية إلى أية منظمات غير حكومية إقليمية أو دولية، الى نفس الموافقات المسبقة.

كما تفرِض المسودة أن يكون للجمعيات نظام مالي، بما يتيح للسلطات مراقبة حساباتها المالية ورصيدها ومصادر تمويلها وطرق صرفها، إذ نصّت المادة 57 يجب على الجمعيات أن تعتمد قواعد محاسبة القيد المزدوج في مسك حساباتها.

مواد قانونية حول تمويل الجمعيات

المجتمع المدني والمعاملات المالية

يُلزِم القانون الجديد الجمعيات؛ فتح حساب بنكي لدى بنك معتمد في الجزائر، تتم من خلاله معاملاتها المالية، وتتلقى من خلاله التمويلات، كما يفرض عليها تعيين محافظ حسابات يدقّق حصيلتها المالية السنوية وذلك حسب المادة 58، وطبقاً للتشريع والتنظيم المعمول بهما، يدقق ويصادق على صحة حساباتها وعلى تقاريرها المالية السنوية.

يضع القانون عدة شروط بشأن أية اتفاقيات شراكة تعقدها الجمعيات الجزائرية، مع جمعيات أجنبية أو منظمات دولية

في الإطار ذاته؛ تتوفّر كل جمعية على حساب بالعملة الوطنية مفتوح لدى بنك معتمد بالجزائر أو حساب جاري بريدي كما يمكن لها أن تتوفر على حساب آخر بالعملة الصعبة.

وبناءً على المادة 59، يُلزم مشروع قانون الجمعيات بـ" إبلاغ السلطات المعنية بهوية محافظ الحسابات المعين لديها، بالإضافة إلى حساباتها البنكية أو البريدية الجارية".

كما يتعيّن على محافظ الحسابات المعين لدى الجمعية أن يُبلغ السلطات المختصة عن أي مخالفة تتعلق بحسابات الجمعية أو إيراداتها أو مصاريفها، وأيضًا عن أي خرق لأحكام المواد 51 و52 و53.وفي حال "وجود أي شبهة تتعلق باستغلال الجمعية في تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب، يُطلب من المحافظ إبلاغ السلطات المختصة فورًا".

الرقابة

أضافت الوثيقة الخاصة بقانون الجمعيات الجديد أنّه "يتعين على الجمعية التبليغ للسلطات العمومية المانحة للأموال العمومية عن أي مخالفات تتعلق باستخدام هذه الأموال من قبل الجمعية".

ووفقًا لمسودة قانون الجمعيات الجديد، يتعيّن على هذه التنظيمات إبلاغ السلطات المختصة، مثل الهيئات الحكومية المانحة للأموال العمومية، إذا تمّ تسجيل أي مخالفات في طريقة استخدام الأموال التي تم منحها لها.

وبخُصوص الأسباب وراء هذه الإجراءات يرى المختص في القانون عبد السلام بن حمودة، بأنها ترمي إلى "إحلال الشفافية وضمان أنّ الأموال تُستخدم بالشكل المخصص لها وبما يتوافق مع القوانين".

وأضاف بن حمودة في إفادته لـ" الترا جزائر" بأنّ هذه التدابير تستهدف منع الاستغلال غير المشروع للتنظيم، كما يُساعد الإبلاغ في الحد من أي محاولات لاستخدام الأموال في أغراض غير قانونية أو غير أخلاقية.

وحول هذه الضّوابط لفت المختص إلى أنّها تُعزّز المساءلة داخل الجمعيات من خلال التأكد من أنّ القائمين على إدارة الأموال يتصرفون بمسؤولية ووفقًا للمعايير المحددة.

وتُعدُّ هذه الأساليب في نظر بن حمودة خُطوة لـ"حماية الأموال العمومية، وبالتالي يجب أن يتمّ استخدامها بحذر وبطريقة عادلة لضمان عدم تضييعها أو إساءة توظيفها".

جمعية خيرية (الصورة:المرصد الوطن للمجتمع المدني)

مبادرة الجمعيات

النّقاشات حيال هذا القانون في بداياتها، كون أنّ اللجنة التي ستدرس الوثيقة على مستوى البرلمان بدأت في التحضير لاستقبال مقترحات جمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وآراءهم حول هذا القانون، لكن هناك بعض المخاوف بشأن أن يحدّ هذا القانون من المبادرة المدنية (الجمعوية).

يُشير الباحث في العلوم السياسية فريد بوعزة في إفادته لـ"الترا جزائر" بأنّ ذلك "ما يضمن استخدام الأموال بطريقة تتماشى مع الأهداف المعلنة في برامج كل جمعية دون أن تحيد عنها أو تستعملها لأغراض مغايرة لما هو مطروح في مهمتها في الميدان".

وبالإضافة إلى أنّ القانون سيضمن الشفافية والمساءلة المالية؛ قال الأستاذ بوعزة إنّ هذه التدابير يمكن أن تُسهم في تقليل "مواطِن الفساد داخل هذه المنظّمات".

ولكن في المقابل من ذلك، قد يُواجه هذا القانون بعض الانتقادات من قِبل منظمات المجتمع المدني، حسب بو عزة، إذ قد يُنظر إلى بعض بنوده على أنّها تقييد للحريات المدنية وتحدّ من قدرة هذه المنظمات على العمل بحرية، خصوصًا في ظلّ الاعتماد على التمويل من الخواص لدعم العديد من الأنشطة الاجتماعية والخيرية والإنسانية.