09-ديسمبر-2024
بنك الجزائر

(الصورة: فيسبوك)بنك الجزائر

رفعت البنوك الجزائرية في السنوات الأخيرة من مستوى خدماتها الرقمية الإلكترونية مقارنة بما كان سالفا، مما يؤكد نية الحكومة في تعزيز نظام الرقمنة في الخدمات المالية، وهو ما يفتح الطريق لإطلاق بنوك رقمية مستقبلا، بالنظر إلى أن هذا النوع من المؤسسات المالية يبقى غائبا عن الجزائر رغم صدور تشريعات خاصة به منذ العام الماضي.

منذ صدور القانون النقدي والمصرفي رقم 23-09 العام الماضي، كان واضحا أن الحكومة الجزائرية ترغب في خوض غمار تأسيس بنوك رقمية، بالإشارة إلى هذا النوع من المؤسسات المالية في الجزائر لأول مرة

ورغم ضرورة ولوج الجزائر عالم البنوك الرقمية لتفادي التأخر الذي سجلته البلاد في مجال الدفع الالكتروني قبل أن تستدرك ذلك مؤخرا، يظل التساؤل مطروحا بشأن نوعية وأهمية الإضافة التي ستقدمها هذه البنوك للمنظومة المالية في الجزائر.

تشريع تنظيمي

منذ صدور القانون النقدي والمصرفي رقم 23-09 العام الماضي، كان واضحا أن الحكومة الجزائرية ترغب في خوض غمار تأسيس بنوك رقمية، بالإشارة إلى هذا النوع من المؤسسات المالية في الجزائر لأول مرة، إلا أن صدور النظام  المحدد لشروط الترخيص لاعتماد وممارسة نشاط البنك الرقمي في العدد 77 من الجريدة الرسمية يؤكد أنها تريد خوض هذه المغامرة في أقرب وقت.

ويعرّف النظام 24-04 الذي وقعه محافظ بنك الجزائر البنك الرقمي بأنه "كل بنك يقدم خدمات ومنتوجات مصرفية، حصريا عبر قنوات أو منصات أو دعائم رقمية، بالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة، أي تكنولوجيات الإعلام والاتصال والتكنولوجيا المالية، في إطار ممارسة أنشطته"، لكنها تخضع أيضا للشروط نفسها الخاصة بتأسيس بقيمة البنوك والمؤسسات المالية الأخرى.

وحسب النظام ذاته، فلا يسمح للبنك الرقمي بفتح وكالات من غير تلك المسماة بـ"الرقمية" المشتغلة "آليا" بصفة كلية.

ويقدّم طلب الترخيص بتأسيس بنك رقمي إلى رئيس المجلس النقدي والمصرفي، مرفوقا بالملف المطلوب بالنسبة للبنوك التقليدية إضافة إلى ملف تكميلي.

وبعد الحصول على الترخيص بالتأسيس من طرف المجلس النقدي والمصرفي، يتم تقديم ملف الطلب إلى محافظ بنك الجزائر مع إرفاق تقرير يتضمن تقييم جميع عناصر البنية التحتية الأساسية والنظم التكنولوجية وأمن المعلومات ودرجة فعالية تلك النظم وقدرتها على دعم أنشطة البنك بكل أمان, وضمان استمرارية النشاط.

ويعد هذا التقرير وجوبا من قبل مكتب خارجي مستقل له مراجع مؤكدة في هذا المجال، وفقا للنظام.

ويمكن للبنوك الرقمية ممارسة كل العمليات المنصوص عليها في القانون النقدي والمصرفي، لاسيما تلقي الأموال من الجمهور وعمليات القرض والعمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية ووضع جميع وسائل الدفع تحت تصرف الزبائن وإدارة هذه الوسائل.

ويُمنع البنك الرقمي من منح قروض للمؤسسات الكبرى باستثناء القروض المستحقة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي أصبحت مؤسسات كبرى.

يُمنع البنك الرقمي من منح قروض للمؤسسات الكبرى باستثناء القروض المستحقة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي أصبحت مؤسسات كبرى

وتعفى البنوك الرقمية من هذه الشروط  بعد مرور خمس سنوات من تاريخ بداية مزاولة نشاطها، بشرط الحصول على ترخيص من بنك الجزائر وأن ترفع رأسمالها إلى ما لا يقل عن 150 بالمائة من الحد الأدنى لرأسمال البنوك الرقمية.

ويمنع النظام الجديد على أي هيئة غير مرخصة بصفة بنك رقمي أن تستعمل اسما أو تسمية تجارية أو إشهارا، أو أي عبارات من شأنها أن تحمل الاعتقاد على أنها معتمدة بهذه الصفة.

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة تبسة الدكتور عثمان عثمانية لـ"الترا جزائر" إن "هذا النظام هو توضيح لما نص عليه القانون النقدي والمصرفي لسنة 2023، والذي أتاح لأول مرة إمكانية إنشاء بنوك رقمية، فهو يحدد مختلف جوانب هذا النوع من البنوك التي أصبح تأسيسها في الجزائر أمرا ممكنا، من حيث المفهوم والوظائف وشروط التأسيس".

ولاحظ الدكتور عثمانية أن  التشريع الجديد بيّن أن "هذا النوع من البنوك يقوم بوظائف البنوك التقليدية نفسها، من قبول الودائع وتقديم القروض وتوفير أدوات الدفع، وتقديم خدمات الصيرفة الإسلامية أيضا".

جزائري بالكامل

شدّد القانون الجديد على ضرورة حمل البنك الرقمي الجزائرية، وذلك لتطوير هذا القطاع بالبلاد، وعدم جعله تابعا لمؤسسات مالية أجنبية.

وأشار الدكتور عثمان عثمانية في حديثه مع "الترا جزائر" أن "النظام الصادر في الجريدة الرسمية لا يسمح بتأسيس بنوك رقمية في شكل فروع لبنوك أجنبية رقمية".

وأضاف: "ومع ذلك لا يمنع النظام مساهمة البنوك الأجنبية في البنوك الرقمية التي يمكن تأسيسها في الجزائر، بل اشترط فقط أن يكون المساهم الأساسي هو بنك خاضع للقانون الجزائري، يمتلك على الأقل 30% من أسهم رأسمال البنك الرقمي، وألا تتجاوز مساهمة البنوك الأخرى منفردة هذه النسبة".

وجاء في المادة الرابعة من القانون ذاته أنه " لا يجوز تأسيس البنك الرقمي في شكل فرع لبنك أجنبي"

وشددت المادة الخامسة على وجوب " أن يكون ضمن مساهمي البنك الرقمي بنك خاضع للقانون الجزائري يتمتع بخبرة في مجال الخدمات البنكية عبر الإنترنت، ويجب أن يملك هذا البنك ما لا يقل عن 30 بالمائة من رأس المال, دون أن تبلغ الحصة الفردية لكل مساهم من المساهمين الآخرين وأطرافهم المرتبطة هذه النسبة".

واشترطت المادة السادسة وجوب "أن يؤسس البنك الرقمي مقرا اجتماعيا في الجزائر يخصص لأغراض إدارية، ويمكن استخدامه لمعالجة شكاوى الزبائن مع إلزامية أن يأوي منصته العملياتية ونسخها في الجزائر".

تنشيط

بصدور القانون المنظم الجديد، أصبح من الناحية القانونية إنشاء بنك رقمي في الجزائر أمرا ممكنا، غير أن التجربة بينت أن التشريعات لا تكفي وحدها لأنها تحتاج إلى تهيئة المناخ الاقتصادي اللازم لخوض أي استثمار حتى ولو كان خدماتيا.

وهنا، أشار الدكتور عثمان عثمانية أن "إنشاء بنوك رقمية  يطلب العديد من العوامل، من أهمها الجانب التنظيمي والذي يعمل النظام المذكور على توفيره، إلى جانب البنية التكنولوجية الضرورية من سرعة تدفق انترنت وشبكات وأمن سيبراني، على اعتبار أن هذا النوع من البنوك يعمل بشكل حصري عبر المنصات الإلكترونية دون غيرها".

أستاذ الاقتصاد بجامعة تبسة الدكتور عثمان عثمانية لـ"الترا جزائر": إنشاء بنوك رقمية  يطلب العديد من العوامل، من أهمها الجانب التنظيمي والذي يعمل النظام المذكور على توفيره، إلى جانب البنية التكنولوجية الضرورية من سرعة تدفق انترنت وشبكات وأمن سيبراني

وأردف عثمانية قائلا: "يرتبط العائق الأكبر، حسب رأيي، في أنه يشترط في البنك الوطني المساهم الأساسي في البنك الرقمي أن يكون ذي خبرة في مجال تقديم الخدمات المصرفية رقميا، وإلى حد الآن كل البنوك الموجودة مع ما تقدمه من خدمات عبر الأنترنت، ما تزال متخلفة عن جوهر الصيرفة الرقمية، وبالتالي البنوك الرقمية، وهو العمل حصريا عبر الأنترنت".

ويعتقد عثمانية أن "بعث نشاط البنوك الرقمية ما يزال يتطلب دفعا للنشاط المصرفي في الجزائر، وتحسين أداء البنوك الوطنية، وتعزيز اعتمادها للحلول التكنولوجية الحديثة، بغرض توفير الخبرة اللازمة والتي يشترطها النظام المذكور لعمل البنوك الرقمية."

إضافة

اتُّهمت الخدمات البنكية في الجزائر لعدة سنوات بأنها بعيدة عن المستوى المطلوب لترقية التداولات المالية وتطوير الخدمات البنكية، جراء عدة ممارسات بيروقراطية، الأمر الذي يحتم على البنوك الرقمية عند دخولها حيز الخدمة تجنب الوقوع في هذا الخطأ

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة تبسة عثمان عثمانية إن" الخدمات المصرفية في الجزائر توصف بكونها رديئة من حيث الجودة، وضعيفة من حيث الانتشار والوصول إلى الزبائن، والخدمات المصرفية والمالية الرقمية هي عكس ذلك تماما، بمعنى أنها أكثر توافرا، وأسهل استخداما، وغالبا ما تكون أقل تكلفة."

وتابع أن "إنشاء البنوك الرقمية في الجزائر يمكنه تعزيز ودفع المعاملات المالية بصورة عامة، نتيجة لما يقدمه من خدمات مالية رقمية، وبشكل خاص أدوات الدفع الرقمية التي تساعد على تطوير التجارة الإلكترونية في الجزائر، في ظل الإقبال المحتشم على استخدام البطاقات التي تقدمها البنوك ومع غياب محطات الدفع لدى المتاجر والمحلات المختلفة".

ولا يستبعد أستاذ الاقتصاد بجامعة تبسة شرقي الجزائر أن "تسهم البنوك الرقمية في تقليص تداول الأموال في السوق الموازية، ولكن بشكل جزئي فقط، عبر إبراز منافع المعاملات الرقمية. ولكن، لا يجب أن نغفل الجوانب الرئيسية التي تحول دون تقدم كبير في هذا الجانب، وهي حجم السوق الموازية، وعدد الأفراد الذين يشتغلون فيها ومصدر الأموال المتداولة".

وأضاف عثمانية "ومع ذلك يمكن أن تسهم البنوك الرقمية في مجال رقمنة الاقتصاد بشكل شامل، وهذا من شأنه تقليص تداول الأموال في السوق الموازية بشكل هام."