قوائم الترقيات في الجامعات.. جدل بسبب تعليمة الوزير

أثارت نتائج الدّورة السادسة للترشح للحصول على التأهيل الجامعي جدلًا كبيرًا، بعد رفض ملفات العشرات من الأساتذة، من مختلف التخصّصات الإنسانية والاجتماعية والتقنية العلمية عبر الكليات والمؤسّسات الجامعية.

الأستاذ فريد يونسي من جامعة الجزائر لـ" الترا جزائر": لا يمكن تطبيق التعليمة بأثر رجعي لأنّها أعلنت عن المجلات المعترف بها على مستوى وزارة التعليم العالي، عقب تسلّم الملفات المرشحة للترقية

في انتظار البت في الطعون المقدمة من الأساتذة المعنيين؛ يبدو أنّ الرفض الذي طال بعض المرشحين لرتبتي "أستاذ محاضر" و"بروفيسور" أثار تساؤلات كبيرة، بالنّسبة لمن لم تُدرج أسماؤهم ضمن القوائم، وذلك لأسباب مختلفة، خصوصاً فيما يتعلق بنوعية الأبحاث العلمية المنشورة، أو في علاقتها بالمجلات التي تم إلغاء اعتمادها من الوزارة منذ ثلاث سنوات، لأنها تعني أنّ الأبحاث المنشورة في تلك المجلات لم تعد معترفاً بها.

كما نبّهت لجنة دراسة الملفات في أسباب رفضها لبعض الملفات إلى علاقة بعض الدراسات بمتغيرات أطروحة الدكتوراه، وهو ما تمّ رفضه من بعض المُحكِّمين فيما تمّ قبوله من البعض. 

التعليمة وتحديات الترقية

بخُصوص المُعطى الأول؛ أودع المعنيون الملفات بحسب رزنامة رسمية خلال الفترة الممتدة من 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 إلى 21 من الشهر نفسه، لكن عند الإعلان عن النتائج، رفضت ملفات العشرات من أسماء الأساتذة المتقدمين للترشح بسبب سقوطها في فخّ ما أسماه البعض بـ" لجان التحكيم التي درست الملفات بأثر رجعي وفق تعليمة جديدة"، فكيف ذلك؟

بتاريخ 5 كانون الثاني/ جانفي الماضي راسلت المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي التابعة لوزارة التعليم العالي، مختلف الجامعات، بخصوص قوائم المجلات العلمية المُعتمدة في الصنف "ب" كوثيقة هامة للباحثين يجب الالتزام بها.

وأوضحت الوثيقة المُرسلة للجامعات مختلف "إجراءات تصنيف المجلات العلمية، ومعايير تصنيفها وتحديد القوائم المُعتمدة في الجزائر".

 

كما نبّهت المراسلة، حسب تفسير الأساتذة للوثيقة، إلى ضرورة "الحذر من تحايُل" المجلات الوهمية أو ما يطلق عليه بـ" المجلات المفترِسة" لأنها لا تنتهج المقاييس الأخلاقية، وهو ما يعني أنّ أّي بحث أو دراسة أكاديمية تنشر فيها تعتبر غير مقبولة شكلاً ومضموناً ما يحيل ملف الترشح للإلغاء بقرارات اللجنة وبحسب سلم التنقيط.

وبناءً على المراسلة التي سبق لـ" الترا جزائر" أن تناولتها، فإنّ مختلف القوائم المعتمدة حسب تعليمة الوزارة هي كالآتي: قائمة سكوبيس scopus) لميدان العلوم والتكنولوجيا وعدة قوائم لميدان العلوم الإنسانية والاجتماعية منها  Scopus، CNRS، AERES، ERIH PLUS، ABDC، بالإضافة إلى أنّها حذّرت من مجلة "Studies in Engineering and Exact Sciences".

وبالرغم من أنّ الوزارة لم تدرج التعليمة في الدّورة السادسة للتأهيل؛ لكن لجأ بعض أفراد لجان التحكيم إلى تطبيق التعليمة بـ"أثر رجعي"، وهذا وفق توضحياتهم لكل ملف تمّ شطبه من سلم التأهيل، خاصة وأنّ النشر العلمي بات صعب المنال، إذ تطول مدته الزمنية لأشهر، وقد يفوق سنة كاملة خاصة بالنسبة للتخصصات العلمية.

وعقب الإفراج عن نتائج ترقية لرتبة "بروفيسور" بتاريخ 29 كانون الثاني/ جانفي الماضي، ثم درجة التأهيل للأساتذة محاضر" أ" بتاريخ 30 من الشهر نفسه، تفاجأ كثيرون من رفض الملفات لأسباب مدرجة في منصة التأهيل والترقيات الرقمية وغالبها متعلقة بالنشر العلمي.

 

 النقابات على الخطّ

في خُطوة مستعجلة؛ وجه كل من المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي والنقابة الوطنية للباحثين الدائمين، مراسلة إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من أجل التدخل وإنصاف الأساتذة، بدعوة الوصاية أن تعيد النظر في النتائج دون احتساب التعليمة الجديدة.

وفي هذا الصدد، قال الأستاذ فريد يونسي (تخصص اقتصاد كمي- جامعة الجزائر) أنّ الأمر يتعلق بـ"تجاوز قانوني بحسب رزنامة وضع الملفات، والتعليمة التي حددت المجلات المعترف بها على مستوى وزارة التعليم العالي نشرت عقب تسلّم الملفات المرشحة للترقية".

وأكد في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّ النقابتين المعنيتين تتوسم في أن يكون الرد إيجابيا من الوصاية، خاصة أن المطلب شرعي بالنسبة للمترشحين سواءً للتأهيل أو الأستاذية، ومن خلال الطعون.

وقال إنّ تطبيقها بأثر رجعي "خرق للقانون وفيه هضم للحقوق"، موضحاً أنّ الوزارة لم تأمر بتطبيقها بأثر رجعي، لأنّ القانون يُطبّق بعد تاريخ صدوره، وهذا ما يعني أنّ ملفات تأهيل العديد من الأساتذة لا يجب أن تخضع للتعليمة.

 

أثر رجعي

 يُطرح سؤال مهم في هذه الجزئية حسب أستاذة القانون العام، فهيمة بن عبد الله، إذ قالت إنّ الوزارة لم تعمل على تحيين بيانات المجلات إلاّ في 2025، مشيرة إلى أنها محذوفة منذ 2022، وهذا ما يعني أنّ دراسة الملفات وجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذا االتفصيل". 

وأضافت في إفادتها لـ" الترا جزائر" أنّه إذا تمّ اعتماد المجلات منذ ثلاث سنوات "من المفترض أن تُسحب كل الشهادات منذ ذلك التاريخ سواء للباحثين في سلك الدكتوراه والأساتذة على حدّ سواء أي 2022 و2023 و2024".

وأكدت على أنّ" اللجان لديها سلطة القرار لكن بتطبيق القانون يجب إعادة النظر في الموضوع بتدخّل الوزارة".

واقترحت أن تفتح الوزارة استثناءات لإعادة النّظر في الملفات، خصوصا وأنّ مسألة النّشر الأكاديمي تظلّ مشكلة تواجه الباحثين في جميع التخصصات، وأنّ الحل يمكن أن يكون بانتهاج طريقة المشاركات العلمية في الندوات، في مقابل تحيين دوري للمجلات المُعترف بها.

أمّا بالنسبة للمُعطى الثاني وهو لا يقلّ أهمية عن الأول؛ رفضت لجان دراسة رتبة التأهيل الجامعي، عديد الملفات بحجة أنّ "موضوع الأبحاث له علاقة بموضوع أطروحة الدكتوراه"، ما تمّ تفسيره برفض بعض المُحكِّمين أن يكون للباحث مقالات علمية تشمل جزئية سبق وأن تناولها في رسالة الدكتوراه.

وفي هذا الإطار اختلفت الآراء بخصوص التقييم من قِبل اللجان التحكيمية لملفات الأساتذة، فمنهم من يرى أن الأبحاث وجب أن تكون "من المجال نفسه؛  أي وجب أن تكون بحوث تتعلق بمسار تخصصه في سلك الدكتوراه، حتى يصبح متخصصا في مجاله، فيما يرى البعض أن الباحث يجب أن يتخلّص من الإطار الخاص بالدكتوراه والبحث في مجالات منوّعة ومتعددة ويفتح آفاقه على تخصصات أخرى.

طرح توافُقي.. نضج أكاديمي

بالرغم من ذلك هناك طرح "توافُقي" بخصوص هذه القضية؛ كما قال الباحث عبد النور موساوي من جامعة باب الزوار بالعاصمة، لافتا إلى أنّ فترة التأهيل الجامعي تمرّ بعدة مراحل تمتد على خمس سنوات لما بعد الدكتوراه وهو ما يعني أن الجامعة وجب أن تضع شرطاً أساسياً يتعلّق بدراسة كل عام يتمّ مناقشتها بشكل مصغّر، حتى يُتابع الأساتذة أبحاثهم وبذلك يستمرّ نموهم الأكاديمي ونُضجهم المعرفي.

أستاذة القانون العام، فهيمة بن عبد الله لـ" الترا جزائر": مسألة النّشر الأكاديمي تظلّ مشكلة تواجه الباحثين في جميع التخصصات، لذا وجب تحيين دوري للمجلات المعترف بها

وأضاف موساوي في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّ المشكلة أعمق بكثير في الجامعات، حيث وجب أن نضع "الأصبع على الجرح"، خصوصا وأنّ البعض يرى في هذه الترقيات "تسوية وضعية مهنية"، ما يعني أننا أمام مسألة إعادة النّظر في معايير وطريقة الترقيات وليس في سلم تنقيط يجب أن تتضمّنه الملفات فقط.

تطرح معايير الترقيات في الجامعات تساؤلات مفتوحة، إذ يتعيّن على الجهات المعنية إيجاد حلول واضحة وشفافة تضمن العدالة والإنصاف لجميع المتقدمين، في مقابل مراعاة مقاييس البحث العلمي وخصوصيته مع الاختلافات بين مجال وآخر ما يضمن مصداقية المنظومة الأكاديمية.

وفي الختام؛ تترقّب الأوساط الأكاديمية نتائج البت في الطعون المقدمة من الأساتذة، حيث من المتوقع أن تُسهم هذه النتائج في توضيح الأسباب الموضوعية وراء الرفض، في مقابل فتح ملف المعايير المتبعة في اختيار الترقية والتأهيل الجامعي.