هل اقترب الانفراج؟ مؤشرات أولى لانخفاض أسعار السيارات في الجزائر

عقب أعوام من الندرة وارتفاع في الأسعار، بدأت مؤشرات جديدة تُنبئ بتحول تدريجي في سوق السيارات بالجزائر. من بينها عودة الاستيراد الفردي للمركبات أقل من ثلاث سنوات، وظهور سيارات جديدة ومستعملة بأسعار أقل.

قصة عبد القادر تمثل حال كثير من المواطنين الذين يراقبون أسعار السيارات، وسط بداية توازن تدريجي في السوق بفعل دخول مركبات جديدة ومستعملة مستوردة

على بعد 35 كيلومترا عن العاصمة الجزائر، في سوق "تيجلابين" بولاية بومرداس، أحد أكبر أسواق السيارات في البلاد، بدت الحركة نشطة، والأسعار بدأت تخفف من لهيبها.. فهل بدأ التوازن يعود للسوق؟ وهل نحن على أبواب انفراج حقيقي؟

تيجلابين يتحرك.. حكايات من قلب السوق

في صباح يوم السبت 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، كان سوق "تيجلابين"، ينبض بالحركة كعادته، صفوف طويلة من السيارات المستعملة تمتدّ على جانبي الطريق، وباعة يساومون، وزبائن يتفحّصون المركبات والمحركات والعجلات أيضاً. 

عبد القادر، موظف من العاصمة، يقول إنه لم يغب عن السوق منذ أربعة أشهر، يأتي كل سبت باحثا عن سيارة تلائم ميزانيته، لكنه لم يجد ضالته بعد، 

قال لـ" الترا جزائر": "أصبحت أعرف أسعار كل موديل أكثر من الباعة أنفسهم!"، لكنه يضيف بنبرة تفاؤل: "الأسعار بدأت تتحرك نحو المعقول، الأسبوع الماضي كانت بيكانتو 2014 بأكثر من 2.6 مليون دينار، واليوم وجدت مثلها بـ 2.5 مليون دينار".

قصة عبد القادر تلخص حال مئات المواطنين الذين يزورون السوق أسبوعيا، يراقبون منحنى الأسعار صعودا وهبوطا، بعد سنوات من الندرة وغلاء السيارات، بينما يتبدى أن الوفرة التدريجية للمركبات الجديدة والمستوردة أقل من ثلاث سنوات بدأت تعيد التوازن للسوق، ولو ببطء محسوب.

 أسعار متباينة وطرازات متنوّعة: هذه أبرز المعروضات

تختلف أسعار السيارات المستعملة بشكل كبير بين الطرازات القديمة والجديدة، وتتأثر بعوامل مثل سنة الصنع، عدد الكيلومترات المقطوعة، وحالة السيارة (مثل إعادة الطلاء أو التصليحات).

• السيارات الصغيرة مثل كيا بيكانتو (2008) بسعر 1.48 مليون دينار بعد 400 ألف كلم، وشيري تيغو 4 (2024) بسعر 4.42 مليون دينار بعد 56 ألف كلم، وتويوتا ياريس (2011) بسعر 2.12 مليون دينار.
• السيارات الحديثة والرياضية  مثل فولكسفاغن تي روك (2023) بـ 6.5 مليون دينار، سيات ليون (2019) بـ 4.8 مليون دينار، ورونو كليو 5 (2022) بـ 3.57 مليون دينار، تُعرض بأسعار مرتفعة مع كيلومترات متفاوتة.
• تشمل العروض سيارات مثل كيا KX1 (2025)، فيات تيبو (2024)، هيونداي كريتا (2022)، جيلي جي إيكس برو (2024)، ورونو داستر (2024)، بأسعار تتراوح بين 2.5 و5.8 مليون دينار حسب الموديل وعدد الكيلومترات.

المركبات أقل من 3 سنوات في المشهد

يُلاحظ من خلال هذه الجولة أن الأسعار، رغم بقائها مرتفعة نسبيا مقارنة بما كانت عليه قبل عامين، بدأت تتراجع تدريجيا بفضل توفر سيارات جديدة في السوق، مع استمرار تفوق العلامات الكورية والصينية بفضل توازنها بين السعر والتجهيزات واستهلاك الوقود.

 المنسق الوطني لجمعية حماية المستهلك فادي تميم لـ"الترا جزائر": الوسطاء استغلوا الفرصة وشرعوا في استيراد المركبات بكميات معتبرة وبطرق منظمة بأسماء أصحابها، مما سيؤدي إلى تحولات تدريجية في السوق المحلي

وفي السياق، قال فادي تميم، المنسق الوطني لجمعية حماية المستهلك، في تصريح لـ"الترا جزائر"، إنّ عودة استيراد المركبات أقل من ثلاث سنوات بعد فترة من غياب حصص الاستيراد، خلقت انتشارا واسعا لهذا الصنف من السيارات في السوق الوطنية، وسط زخم كبير وإقبال ملحوظ من المستهلكين الذين بات كثير منهم يثقون في هذه العملية رغم طابعها الجديد.

وأوضح تميم أن الوسطاء استغلوا الفرصة وشرعوا في استيراد المركبات بكميات معتبرة وبطرق منظمة بأسماء أصحابها، مما سيؤدي – حسبه – إلى تحولات تدريجية في السوق المحلي، خصوصا في سوق السيارات المستعملة الذي سيعرف في البداية ركودا مؤقتا بسبب عزوف المشترين ولجوئهم إلى السيارات المستوردة الأقل من ثلاث سنوات، وخاصة المركبات الصينية.

وتوقع المتحدث أن يعقب هذه المرحلة انخفاض في الأسعار رغم مقاومة السماسرة، مشيرا إلى أن تسهيل الإجراءات من قبل وزارات الداخلية والنقل والتجارة، إلى جانب الجمارك، سيساهم في تسريع عملية الاستيراد، وهو ما سيقود في النهاية إلى تراجع الأسعار إلى مستويات معقولة مقارنة بالوضع الحالي.

مقترحات جمركية ..تسهيل الاستيراد وخفض التكاليف

من جانبه، قدم الوكيل الجمركي عبّوط محمد في تصريح لـ "الترا جزائر" مجموعة من المقترحات العملية لتسهيل استيراد المركبات الجديدة من طرف الأفراد، وتسريع عملية الجمركة وبالتالي تقليص الأعباء المالية والإدارية المرافقة لها وكسر الأسعار.

الوكيل الجمركي عبّوط محمد لـ "الترا جزائر":  أبرز النقاط المقترحة إلغاء إرسال محاضر المطابقة التقنية الصادرة عن المركز الوطني للمراقبة التقنية والوقاية إلى المنصة الرقمية للجمارك بالنسبة للمركبات الجديدة المستوردة

وأوضح عبوط أن من أبرز النقاط المقترحة إلغاء إرسال محاضر المطابقة التقنية الصادرة عن المركز الوطني للمراقبة التقنية والوقاية إلى المنصة الرقمية للجمارك بالنسبة للمركبات الجديدة المستوردة، وهو ما سيسمح ـ حسبه ـ بتبسيط الإجراءات وتسريع عملية المطابقة الفنية وتقليص التكاليف المترتبة على المستوردين.

كما أشار إلى أنّ تقديم وصل تسديد الضريبة على المركبات الجديدة سيكون إلزاميا عند إيداع الملف على مستوى الدائرة، ما يعزز من شفافية العملية ويضمن تحصيلا ضريبيا منظما.

وأضاف أنّ إلغاء الإرسال الإلكتروني لمحاضر المناجم يعد خطوة عملية نحو تسهيل الاستيراد الفردي، لما يوفره من تخفيض في التكاليف والوقت، معتبرا أن الرقمنة الجزئية لبعض الوثائق دون إلزامية النقل الإلكتروني الكامل تخلق توازنا بين المرونة الإدارية ومتطلبات السلامة التقنية.

هل تنخفض الأسعار فعلاً؟ 

وبين باعة يترقبون ووجوه متفائلة وحذرة، غادرنا سوق تيجلابين على وقع المساومات وضجيج المحركات، وقد بدا أن الحركة تعود تدريجيا بعد أشهر من الركود فالأسعار ما زالت مرتفعة، لكنها بدأت تميل نحو الواقعية مع دخول مركبات جديدة ومستعملة أقل من ثلاث سنوات، ما أعاد الأمل للمواطنين في أن تشهد المرحلة المقبلة انخفاضا حقيقيا يعيد التوازن إلى السوق، ويخفف عنهم عبء الغلاء الذي لازمهم لسنوات.