استيقظ الجزائريون اليوم على صدمة التصريحات التي أطلقها وزير الشباب والرياضة سيد علي خالدي، خلال الحملة الانتخابية لمشروع الدستور المنتظر الاستفتاء عليه في الفاتح من الشهر الداخل، عندما قال بالحرف الواحد: "دسترنا بيان أول نوفمبر واللي ما عجبوش الحال يبدّل البلاد"، وهي عبارة أثارت الكثير من الغضب الشعبي لدى الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
دعوة الوزير المعارضين إلى "مغادرة البلاد"، خلفت ردود فعل غاضبة لدى الجزائريين
هذه التصريحات دفعت بنشطاء على موقع فيسبوك، إلى النّبش في تاريخ وماضي الوزير، وكانت الصّدمة الثّانية التي تلقاها الجزائريون عندما اكتشف البعض أن الوزير خريج مدرسة الإدارة وموظف سابق في مختلف مواقع المنظومة البوتفليقية، وهو ما طرح الكثير من الأسئلة مثلما أبانتها صور الوزير برفقة عديد الوزراء السابقين، والقابعين في السجون الجزائرية على ذمّة التحقيقات التي فتحتها السلطة الجزائرية في قضايا فساد، خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
اقرأ/ي أيضًا: وزير الشّباب والرياضة يستفزّ الجزائريّين.. من لم يعجبه الدّستور فليهاجر
بين التهكّم والغضب
دعوة الوزير المعارضين إلى "مغادرة البلاد"، خلفت ردود فعل غاضبة لدى الجزائريين، رغم أن كلمات الوزير تحمِل معاني عدّة، ورغم أنه برّر قوله إنها موجهة لمن عارضوا بيان أول نوفمبر في الدستور الجزائري، كما جاء في كلمة اعتذاره للشعب الجزائري، عبر حسابه في الفيسبوك.
رغم ذلك هناك قطاع واسع من الناس في الجزائر مسك كلمة الوزير من مبدأ وزير تجرّأ في حملة انتخابية لطرد الجزائريين من بلدهم، بمجرّد اختلاف في الرأي حول ما جاء في مشروع مسودة الدستور، بدل أن يسهم في إقناع الجزائريين للاستفتاء أولًا، وشرح مواطن قوة التعديلات ثانيًا، باعتباره أحد المروجين للدستور في الحملة الانتخابية.
حديث الوزير وصفها البعض أنها جاءت بـ "طريقة استفزازية تنمّ عن ضعف تكوين وخبرة في المسؤولية السياسية" كما قال المختص في العلوم السياسية عبد الله مخلوفي لـ"الترا جزائر"، لافتا إلى أنها أي التصريحات في حدّ ذاتها "تكشف واقع مغاير لتصورات الجزائريين كون أن المسؤول الذي يتمّ تعيينه يكون بحسابات الولاء ومعايير خدمة التوجه السياسي للمنظومة الحاكمة"، موضحا أن إعطاء المشعل للشباب في مناصب وزارية ليس معناه أن نتغاضى التكوين وتعليم فنون الخطابة السياسية خصوصا في وقت حساس وحاسم يتعلق بالاستفتاء على وثيقة الدستور.
غير بعيد عن هذا الطّرح ذهبت الاستاذة في الاتصال بكلية علوم الإعلام والاتصال شهرزاد القاسمي إلى القول إن الخطاب السياسي في الجزائر" يبدو ارتجاليا من الحديث العمومي إلى السلوك السياسي، مشددة على أهمية إخضاع المسؤولين إلى دورات تكوينية وتدريبية في الاتصال السياسي والعلاقات العامة، حتى يتمكنون من تطوير قدراتهم على الاتصال وصيغة الخطاب العمومي، داعية في تصريحات لـ"الترا جزائر" أن يحاط المسؤول بترسانة من المستشارين لإرشادهم على ضوء ما أثبت العلم والممارسة فعاليته".
وبخصوص هذه الحادثة، لعلّ ما ينسجم مع الطرحين السابقين، ما دعت إليه الإعلامية صوراية بوعمامة، ووصفته في تدوينة فيسبوكية بـ"الارتجالية في الخطابات السياسية التي غالبا ما تؤدي إلى الهاوية".
سوابق انتخابية
ولعلّ ما ينطبق مع حديث الإعلامية بوعمامة، سوابق في خرجات السياسيين في الجزائر، إذ لا تخلو خطابهم من سياقات تتضمن تبادل الشتائم والقذف واستخدام تعبيرات سياسية جارحة، غالبًا ما تؤدي الى موجة غضب عندما تصدر من مسؤولين أو مقرّبين من السلطة، بعضها كانت من الدوافع التي أدت الى استفزاز الجزائريين وتسببت في اندلاع مظاهرات شعبية سبقت بقليل مظاهرات الحراك الشعبي في 22 شبّاط/فيفري 2019.
في عام 2014 وعشية الانتخابات الرئاسية، التي كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مرشحًا فيها، كادت كلمة واحدة ان تُشعِل ثورة غضب في شرق البلاد بمنطقة الأوراس (أمازيغ شرقي الجزائر)، عندما قال رئيس الحكومة حينها عبد المالك سلال "الشاوية حاشا زرق ربي" خلال دردشة ساخرة مع زميل له، دون أن يعلم أنها كانت تبث على المباشر في قناة محلية، وسرعان ما اشتعلت مدن منطقة الأوراس شرقي العاصمة الجزائرية (باتنة وخنشلة وأم البواقي وميلة) في حالة غضب شعبي ومسيرات ونداءات إلى الرئيس السابق اليامين زروال (يسكن في المنطقة) للتدخّل.
كما لم يشذ عمارة بن يونس وزير التجارة الأسبق ورئيس الحركة الشعبية أحد أقطاب تيار الموالاة القابع في السجن عن قاعدة زميله في حملة بوتفليقة الانتخابية، حيث قال في تجمّع بمناسبة استحقاقات الرئاسة في2014: " نحن مع بوتفليقة وينعل بو اللي ما يحبناش"، أي ( اللعنة على آبائكم)، كلمات استفزّت الجزائرية ومنهم الطبقة السياسية التي ثارت في المعارضة لترشح بوتفليقة لعهدة رابعة.
الصِّدام الحاد بكلمة
قبل ذلك وفي نيسان/أفريل 2001، تسبّب وصف وزير الداخلية الأسبق نور الدين يزيد زرهوني، لطالب كان قد قُتِل على يد الأمن في منطقة تيزي وزو قرب العاصمة الجزائرية بأنه (voyou) وتعني بالعربية "منحرف"، في إشعال أحداث "الربيع الأمازيغي" في المنطقة، انتهت بالمسيرة المليونية للسكان منطقة القبائل (أمازيغ شمال الجزائر) إلى العاصمة الجزائرية في حزيران/جوان 2001.
وعشية اندلاع حراك 22 شباط/فبراير 2019، تسبب منشور سياسي لرئيس بلدية خنشلة (مدينة شرقي الجزائر) التابع لـ "حزب جبهة التحرير الوطني"، والموالي للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قال فيه "من يقترب من صورة الرئيس سأفعل به الأفاعيل"، أثناء مظاهرات شعبية حاصرت مقر البلدية وأدت إلى تمزيق صورة ضخمة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة كانت معلقة على مبنى البلدية.
تلميحات مسيئة
يأخذ الشّتم السياسي في السياسي أبعادًا وتلميحات أخرى، فيها استصغار للشعب أو للخصوم السياسيين، على غرار تصريح مثير للجدل حينها للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني معاذ بوشارب، ضد قائد حزب إسلامي معارض كان قد أعلن عن برنامج انتخابات باسم "الحلم"، وقال بوشارب حينها فيه "أقول لمن يحلمون أحلام سعيدة"، وورطت هذه التعبيرات السياسية رئيس الجبهة الذي طرد لاحقًا من منصبه.
وخلال الفترة نفسها، تفوّهت شخصيات أخرى مقرّبة من السلطة وبدافع التملق السياسي للرئيس السابق، بعبارات عدّت مشينة في القاموس الشعبي والسياسي على غرار تصريح رئيس الحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس، أو الشتائم التي تفوّه بها أمين عام اتحاد العمال عبد المجيد السي السعيد، ما اثار لغطًا وجدلًا كبيرًا إزائهم.
وفي الظرف الحالي، وعلى الرغم من التداعيات الوخيمة لمثل هذه التعبيرات السياسية المسيئة للمتلقي والمستهدفين سياسيًا، فإن عددًا من المسؤولين وبنفس دوافع التملق السياسي يعيدون استنساخ الخطاب نفسه.
يعتقد كثيرون أن حديث المسؤولين في الجزائر بات يطرح عدة استفهامات مرتبطة أساسًا بالفارق الشاسع بين لغة السياسية المبنية على الإقناع، والبحث عن الحجج خصوصًا إن اعتمدناها في حملة انتخابية تتعلق بدعوات السلطة السياسية للجزائريين لقبول الاستفتاء بـ "نعم" للدستور، الذي يعلن كما تؤكده كل الأطياف المجتمعة حوله لـ "بناء جزائر جديدة"، غير أنّ العكس يحدث في كل موعد سياسي.
استغرب كثيرون تصريحات المسؤولين مؤخرًا، خاصة ونحن مقبلون على تأسيس مشروع يحمل شعار "الجزائر الجديدة" التي لا يهان فيها أحد، يقول الأستاذ في العلوم السياسية عبد النور بوطران لـ "الترا جزائر"، موضحًا أن هناك فلتان في الخطاب السياسي للمسؤولين في مستويات متعددة من والي وهران الذي تطاول على معلمة بمدرسة ابتدائية إلى وزير الشباب والرياضة الذي قال كلمة باطلة في حقّ الجزائريين، ودستور البلاد يحمي حق أي جزائري في الإدلاء برأيه، لأن "الجزائر تسع الجميع" كما قال.
من جانبهم كشفت بحوث في اللغة والخطاب السياسي كما قال أستاذ علم الاجتماع البروفيسور عبد الرزاق أمقران، من جامعة سطيف شرق الجزائر، أنّ لغة الشتيمة في الخطاب السياسي والأيديولوجي لا تعبِّر عن حالة نفسية غضبية عابرة، بل هي "معبرة عن نفسية عنفية تصل حدّ السادية الكلامية"، مستأنسًا ببحوث الباحث عثمان الزياني حول منزلقات الخطاب السياسي، قائلًا "يتحول السياسي عندها إلى حالة رعاعية وليس إلى حالة ثقافية، ولهذا لا يعبّر خطاب الشتيمة عن نفسية شجاعة، بل عن نفسية تخاف من مواجهة الآخر".
جراح التاريخ
في المقابل، قلّبت تصريحات الوزير المواجع على الجزائريين، بدءًا من السيناريو الأليم الذي عاشته الكوادر التي عانت الويلات في العشرية السوداء، ممن كانت الهجرة أحد الحلول هربًا من الاغتيال، حيث اختار كثيرون المنفى القسري وأي منفى، وقطاع منهم فضَّل البقاء وأي بقاء، فقطاع واسع ممن جنحوا للحلّ الأول كانوا مُكرهين على ترك البلاد، كما قالت البروفيسور زينة بن شاعة، التي غادرت الجزائر في العام 1999، وتركت وراءها كمّ هائل من الطموحات، هي وزوجها الباحث في العلوم الفيزيائية، مغلقة الباب عن كلّ ما طمحت إليه في مكتبها بجامعة العلوم والتكنولوجيا بباب الزوار بالعاصمة الجزائرية.
عشرات ممن كانوا في حالة زينة بن شاعة، اختار قطاع مهم من الجزائريين البقاء رغم خناجر الذّبح ولغة الترويع التي كانت تصلهم للبيوت مِرارًا وتِكرارًا في صورة الصحافيين والأطباء والأساتذة الذين قرروا البقاء بلهجة جزائرية قاسية وقوية "هنا يموت قاسي"؛ ( نبقى هنا ونموت هنا أفضل)، فاغتيل من اغتيل وبقي من بقي ولكن الجرح لم يندمل ولا لغة التهديد انزاحت بل غيرت موقعها فقط .
هذا ما لخّصه الإعلامي الجزائري المقيم في فرنسا فيصل شريف: "في زمن الإرهاب همّلتونا (أي شرّدتونا)، في سنوات العصابة هجّرتونا، واليوم حابّين تحاوزونا (أي تريدون طردنا)".
عثمان الزياني: لا يعبّر خطاب الشتيمة عن نفسية شجاعة، بل عن نفسية تخاف من مواجهة الآخر
ومن الممكن القول إن الوزير الخالدي أثار الكثير من الحساسيات، وفتح الجرح الذي مازال ينزف في قلوب الجزائريين وخاصة الشباب الذي يحاول الهروب عبر قوارب الموت، في مقابل تشدّق مسؤولين في السلطة بخطاب إعادة بناء "جزائر جديدة"، غير أن الممارسات توحي بتمسك النظام بأساليبه السابقة.
اقرأ/ي أيضًا:
"حراك ميمز".. ثقافة السخرية في مواجهة التعصّب السياسي
كورونا على حسابات الجزائريين.. كثير من السخرية، قليل من الجدّية