11-يوليو-2024
الانتخابات الرئاسية

رئاسيات 2024 (صورة: فيسبوك)

دخل الراغبون في الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة شهر أيلول/سبتمبر، في سباق ضد الساعة على بعد أيام من نهاية فترة إيداع الترشيحات، بحثا عن التوقيعات اللازمة التي تمكنهم من الوصول إلى مرحلة الترشح النهائية.

كثير من الراغبين في الترشح وجّهوا شكاوى للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات لتحسين أدائها، لكن عامل الوقت كان في غير صالحهم الراغبين 

ويوجب قانون الانتخابات الذي اعتمد سنة 2021، على الراغبين في الترشح جمع 50 ألف توقيع فردي على الأقل لناخبين مسجلين في قائمة انتخابية على أن تجمع عبر 29 ولاية على الأقل، وألا يقل العدد الأدنى من التوقيعات المطلوبة في كل ولاية من الولايات المقصودة عن 1200 توقيع.

ويبدو هذا الشرط صعبا على أغلب الراغبين في الترشح، ليس لكون عدد التوقيعات كبيرا فحسب، بل لأن هذه العملية تم تسييجها بشروط قاسية جعلت من الصعب إقناع المواطنين بمنح فترة طويلة من وقتهم فقط لمنحهم توقيعا لمترشح، فضلا عن الصعوبات التقنية التي جعلت في كثير من الأحيان التوقيع مستحيلا.

هذا الواقع، دفع بكثير من الراغبين في الترشح لتقديم مراسلات وشكاوى للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، والتي حاولت بدورها تحسين أدائها، لكن عامل الوقت كان في غير صالح الراغبين في الترشح.

تأخر بعشر أيام عن بدء المصادقة

وكانت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، أول من فتحت باب الشكاوى في مراسلة رسمية، طرحت فيها إشكالية غياب الظروف المادية والتقنية منذ التاسع من حزيران/جوان تاريخ استدعاء الهيئة الناخبة.

وبالفعل، عرف الأسبوع الأوّل من عملية جمع التوقيعات، انقطاع تدفق الإنترنت علاقة بتنظيم امتحانات شهادة البكالوريا"، كما تم تسجيل "عدم تنظيم مداومات في نهاية الأسبوع وأيام العيد". وترى حنون أن "تنقل المواطنين أكثر من مرة دون التحصّل على المصادقة على الاستمارة بسبب انقطاع شبكة الأنترنت، يؤدي إلى تعجيزهم على القدوم مرة أخرى إلى مقرات البلدية". 

كما تم وفق السياسية اليسارية "تسجيل تأخر في تعيين الموظفين المخوّلين قانونا للمصادقة على الاستمارات وتسليمهم الأختام إلى غاية يوم 19 حزيران/جوان الجاري". وشددت المراسلة، على أن "كل هذه المشاكل المادية والتقنية أدّت إلى تعطيل مجحف لعملية المصادقة على الاستمارات، وهذا مساس مباشر بحق الترشح".

وعلى نفس المنوال، اشتكت رئيسة الاتحاد من أجل التغيير والرقي زبيدة عسول، من وجود ثلاث عقبات رئيسية تحول دون التنافس الحر والمساواة بين المرشحين اللذين تضمنهما السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات .

وفي مراسلتها لرئيس السلطة، قالت عسول إن تأخر البدء الفعلي لعملية توقيع الاستمارات استمر لعشرة أيام وأكثر في بعض البلديات، بينما عملية الرقمنة حسبها، تبدو في مرحلتها التجريبية ومن ثمة لا يمكن أن تحقق الأهداف المرجوة منها. والعقبة الثالثة، حسبها أن مراجعة القوائم الانتخابية التي تقررت من 12 إلى 27 حزيران/جوان، لم تمكن جزءا كبيرا من الناخبين خاصة الشباب والطلبة بالتسجيل للتصويت لأول مرة.

وذهبت الراغبة في الترشح بعيدا في مطالباتها، حيث دعت إلى تمديد فترة جمع توقيعات وإيداع ملف الترشح لمدة 10 أيام أخرى، وهو ما قد يصطدم مع إشكالات قانونية ودستورية. كما طالبت بالسماح للناخبين بالتسجيل في القوائم الانتخابية والتصويت يوم الاقتراع باستخدام الرقم الوطني فقط.

ولم تتوقف الشكاوى الموجهة للسلطة المستقلة للانتخابات، فقد راسلت مرشحة حزب العمال لويزة حنون مرة ثانية السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات للإشارة بسبب "التجاوزات والعراقيل التي لا تعد ولا تحصى والتي تعرقل بشكل خطير عملية التصديق على استمارات الترشح".

وسجلت حنون حدوث تعطل مستمر لشبكة الأنترانت (intranet) وبطء اشتغالها في غالب الولايات، ما يؤدي إلى طول انتظار الموقعين للتصديق على استمارات اكتتاب توقيعاتهم عدة ساعات، وفي حالات أخرى يُلزمون على  العودة  في يوم آخر، دون أن تقوم المصالح المعنية باستلام الاستمارات والوثائق اللازمة حتى يتم المصادقة عليها في وقت لاحق عند اشتغال الشبكة للتخفيف على المواطن ولكسب الوقت.

الطريق المختصر

وفي الواقع، تثير الشكاوى المتكررة للشخصيات السياسية الراغبة في الترشح، من جانب آخر، عجزهم عن استقطاب توقيعات الناخبين، بالنظر لما يصفهم المختصون في العلوم السياسية بحالة العزوف لدى المواطنين من الخوض في المسائل السياسية وعدم قدرة هذه الأحزاب على تكوين مناضلين بالقدر الكافي بما يسمح لهم بإتمام هذه العملية التي تتطلب شبكات علاقات واسعة وتغلغلا في الجزائر العميقة.

لذلك، يبدو الطريق المختصر الذي يتيحه القانون بالحصول على توقيع 600 منتخب هو الأنسب للحصول على تذكرة الترشح، في ظل الوقت المحدود الذي بقي أمامهم.

لكن هذا المسار ليس سهلا هو الآخر، فأغلب من يسيطرون على المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا هي الأحزاب المساندة للرئيس عبد المجيد تبون، وطلب توقيعات هؤلاء يطرح إشكالات أخلاقية وسياسية بالنسبة للمترشحين الذين يعتزمون التقدم كمعارضين للنظام القائم.

وفي حال تجاوز المسألة الأخلاقية، سيكون إقناع منتخبين بمنح توقيعاتهم صعبا للغاية في ظل حظر أحزاب كبرى مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، على منتخبيها هذا الإجراء، وهو ما سيجعل المنتخبين مهددين بعقوبات من أحزابهم في حال بادروا بمنح توقيعاتهم.

وهذه المسألة، طرحتها بوضوح سيدة الأعمال سعيدة نغزة في تدوينتها الأخيرة التي أشارت فيها إلى "عمليات تهديد وتخويف مورست على بعض المنتخبين المتعاطفين معنا من مختلف التّشكيلات السياسيّة، من طرف قياداتهم الحزبيّة، وكذا بعض المسؤولين المحليّين"، وهو ما يتعارض حسبها مع "الحرّيات الشخصيّة والجماعيّة المكرّسة دستورا، والتي تعهد رئيس الجمهوريّة بضمانها خلال تولّيه سُدّة الحكم".

وخاطبت نغزة في منشور لها على صفحتها الرسمية: "واجبي أن أُوصل رسالةً لرُؤساء الأحزاب هؤلاء، وكذا بعض المسؤولين المحليّين الذين يقومون بممارسات غير أخلاقّية ولا دُستوريّة، والتي تُـترجَم في تهديد وتخويف فئة كبيرة من المنتخبين، حيث منعوهم من توقيع استمارات المترشحين للانتخابات الرّئاسيّة".

وأضافت تقول: "خُذُوا بعين الاعتبار، دروسَ الفترات السّياسيّة السّابقة، لأنّ ممارساتكم هذه، ستقودكم حتما إلى نفس سوء خاتمة الذين سبقوكم، واعلموا أنّ الشعب الجزائريّ، لا يُلدغ من الجُحر مرّتين".

وتابعت: "كما نُعلمكم أنّ رئيسَ الجمهوريّة الذي تُهرولون لمساندته، هو في غنًى عن أحزابكم، فقد صرّح أكثرَ من مرّة، أنّه مترشح حُرٌّ حُرٌّ حُرٌّ. اعلموا، أنّ المنتخَبين، رغم انتمائهم لهته الأحزاب، لهم الحرّيّة التّامّة لاختيار من يساندونه، ولا يجوز لكم التّسلّط عليهم". 

سلطة شرفي تحاول امتصاص الغضب

وفي ظل هذه الشكاوى المتكررة، تحاول السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، تخفيف حدة الغضب بالإعلان المتكرر عن فتح مكاتب المصادقة على استمارات اكتتاب التوقيعات الفردية لصالح الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية طيلة أيام الأسبوع، بما في ذلك الجمعة وأيام العطل، من الثامنة صباحا إلى العاشرة ليلا. كما نبهت بأن رقم التعريف الوطني "ليس ضروريا في ملأ استمارة الاكتتاب واستعمال بطاقة التعريف الكلاسيكية في عملية التصديق يبقى ساري المفعول". 

ويتم دفع الاستمارات من قبل الراغبين في الترشح عبر 4903 نقطة للتصديق موزعة عبر الوطن، في حين ستستمر دراسة الملفات من قبل السلطة المستقلة للانتخابات إلى غاية 27 تموز/جويلية الجاري، تاريخ الإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين الذين سترفع ملفاتهم إلى المحكمة الدستورية للبت فيها بصفة نهائية.