21-أغسطس-2020

الحكومة أجّلت رفع إجراءات الحجر على مجال النقل (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

دخل السبت الماضي قرار تخفيف إجراءات الحجر الصحي حيّز التطبيق بفتح المساجد والشواطئ واستئناف نشاط المقاهي والمطاعم، في خطوة من الحكومة هدفت إلى بعث الحياة الاقتصادية مع الالتزام بإجراءات الوقاية من فيروس كورونا، غير أن القرار استثنى عودة نشاط  قطاع النقل بصفة كليّة رغم أنه عمود نجاح أيّ نشاط اقتصادي.

أصحاب سيارات الأجرة فرضوا أسعارًا باهضة على المسافرين بمحطة الخروبة

ورغم الوضعية المالية التي يعيشها أصحاب سيارات الأجرة خارج الولايات والناقلون، والخسائر التي تكبدتها شركتا الخطوط الجوية والسكك الحديدية، إلا أن الحكومة لم تقرّر حتى اليوم فتح النقل العمومي والخاص بين الولايات.

اقرأ/ي أيضًا: زيادة مرتقبة في تسعيرة النقل بـ 26 % وعودة الخدمة بشروط وقائية

النقل خارج الحسابات

في الـ 8 آب/أوت الجاري، أعلنت الوزارة الأولى رفع الإجراء الـمتعلق بمنع حركة مرور السيارات الخاصّة من وإلى الولايات التسعة والعشرين الـمعنية بإجراء الحجر الجزئي، لكنها أبقت على قرار استثناء وسائل النقل بين الولايات من العودة إلى النشاط الذي توقف منذ أشهر بسبب جائحة كورونا.

وتأمّل الناقلون والمواطنون المتضرّرون من هذا المنع أن يتضمّن قرار تخفيف الإجراءات الذي شمل فتح المساجد والشواطئ، الترخيص بعودة حركة النقل عبر الولايات والقطارات والمترو، غير أن ذلك لم يتحقّق.

وتبقى حركة النقل بين الولايات متوقّفة منذ 22 آذار/مارس شباط الماضي، عقب اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 19 آذار/مارس الماضي، حيث أمر فيها الرئيس عبد المجيد تبون بـ "وقف جميع وسائل النقل الجماعي العمومية والخاصّة داخل المدن وبين الولايات وكذلك حركة القطارات"، غير أن الحكومة  خففت من هذا القرار بالسماح بعودة النقل الحضري وشبه الحضري للحافلات وسيارات الأجرة، باستثناء نهاية الأسبوع.

مسافرون في ورطة

بسبب عدم الترخيص لعودة نشاط وسائل النقل بين الولايات، يجد الكثير من المواطنين صعوبة في التنقل إلى أماكن عملهم، خاصّة بالنسبة للقاطنين في مدن خارج الولايات التي يشتغلون بها.

يقول حليم، العامل الأربعيني في مؤسّسة عمومية بالجزائر الوسطى، والمنحدر من ولاية المسيلة لـ "الترا جزائر"، إنه صار يضطر لدفع أربعة آلاف دينار للتنقل من مقرّ سكناه إلى مكان العمل بسبب غياب وسائل النقل، في حين أن تذكرة التنقل بالحافلة لا تزيد عن 400 دينار.

وأشار حميد إلى أنه كان يزور عائلته في المسيلة أسبوعيًا، لكن مع وقف نشاط النقل بين الولايات أصبح لا يتمكّن من أنزيارة أهله إلا مرة واحدة في الشهر، بالنظر إلى الارتفاع المضاعف في تكلفة النقل والتي لا تتانسب مع أجرة موظف حكومي، إضافة إلى أنه في بعض الحالات يصعب العثور على وسائل نقل في هذه الظروف، والتي تعمل جلها بطريقة غير قانونية.

بمنطقة الخروبة بالعاصمة الجزائر، ورغم غلق المحطة البرّية للحافلات وسيارات الأجرة الموجودة هناك، إلا أن كثيرًا من المسافرين يقصدونها لعلهم يظفرون بسيارة أجرة يعمل صاحبها خفية رغم وقف النقل بين الولايات، أو الاضطرار للسفر عبر سيارات "الفرود".

ووفق ما لاحظته "الترا جزائر"، فإن أصحاب سيارات الأجرة فرضوا أسعارًا باهضة على المسافرين بمحطة الخروبة بالعاصمة، بحجّة أنهم يعملون بشكلٍ غير قانوني في هذه الفترة وعلى خط واحد، إما ذهابًا أو إيابًا وليس كما تعودوا سابقًا، فتسعيرة التنقل مثلًا إلى قسنطينة أصبحت بثلاثة آلاف دينار للشخص الواحد، وإلى برج بوعريريج بـ 1500 دينار وإلى البويرة بألف دينار.

ورغم هذه الأسعار الملتهبة، إلا أن أغلب المسافرين يقبلون بها بالنظر إلى غياب البديل، وكذا لقلة سيارات الأجرة التي يُغامر أصحابها بالعمل بسبب المنع من قبل السلطات، ما قد يُعرّضهم للسحب النهائي لرخص استغلال الخطوط التي يعملون بها.

فتح منقوص

يبقي التأخّر في السماح بعودة وسائل النقل للعمل عبر الولايات الفتح الجزئي للمطاعم والفنادق والمقاهي، غير فعّال في عدة ولايات، خاصّة الكبرى منها، بالنظر إلى أن أغلب عمالها ينحدرون من الولايات الداخلية، مثلما هو الحال في العاصمة.

هنا يعبّر كثيرون من مالكي المطاعم والمقاهي وحتى المخابز، من نقص اليد العاملة بسبب أن اغلب هؤلاء العمّال يقطنون في الولايات الداخلية، ولم يتمكنوا من استئناف العمل رغم حاجتهم له بالنظر إلى غياب وسائل النقل، وعدم تمكنهم من دفع تسعيرات السفر المفروضة اليوم من قبل سيارات الأجرة، أو حتى من شركات النقل التي تعمل عبر التطبيقات الإلكترونية التي لا تختلف أسعارها عن المفروضة في سوق النقل الموازية، فمثلًا بلغت تسعيرة التنقل عبر سيارة سياحية من العاصمة نحو الجنوب كأدرار 50 ألف دينار في الاتجاه الواحد، وهو مبلغ يساوي راتبًا شهريًا لموظف حكومي.

الأمر لا يختلف للقطاعات التي ستستأنف العمل الأسبوع القادم كالتربية والتعليم العالي، فالشابة العشرينية وداد التي تدرس في مدرسة خاّصة لشبه الطبي بولاية بومرداس شرق العاصمة، وجدت نفسها في ورطة للالتحاق بمدرستها لإجراء الامتحانات النهائية التي تسبق تخرجها بسبب غياب وسائل النقل، وهي المنحدرة من ولاية داخلية يصعب فيها تأمين سيارة أجرة خاصّة بالنسبة لفتاة شابة.

في هذا السياق، تقول وداد إنه حتى ولو استطاعت العثور على سيارة أجرة بمنطقتها النائية، إلا أن تسعيرة النقل المطبقة حاليًا لا تتناسب مع ظروفها المالية، وهي التي تحاول جاهدة تأمين القسط الأخير من تكلفة دراستها في هذه المدرسة الخاصّة والذي يقارب مبلغ 100 ألف دينار.

بدورهم، لم يخف عدد من الأساتذة الذين تحدثوا لـ "الترا جزائر"، عن أملهم في أن تسارع الحكومة إلى إقرار عودة نشاط النقل بالحافلات وسيارات الأجرة والقطارات بين الولايات، بالنظر إلى أنهم يعملون في ولايات خارج مناطق سكنهم، والأمر ذاته بالنسبة لعدد من الأساتذة الجامعيين.

يبقى الفتح الجزئي الذي بدأته الحكومة للنشاطات الاقتصادية والتعليمية السبت الماضي منقوصًا

 وإلى أن تجد هذه الدعوات آذانًا صاغية لدى السلطات، يبقى الفتح الجزئي الذي بدأته الحكومة للنشاطات الاقتصادية والتعليمية السبت الماضي منقوصًا، في ظلّ عدم فتح قطاع النقل الذي يظل عصب عودة أي نشاط بشكلٍ فعليّ بعد العطلة الاضطرارية التي فرضتها جائحة كورونا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في غياب النقل العمومي بسبب كورونا.. "الكلوندستان" في الخطوط الأمامية للخطر

لمواجة كورونًا.. وقف وسائل النقل وتسريح الموظفين وإغلاق المطاعم والمقاهي