حمل التّعديل الوزاري الذي مسّ الحكومة الجزائرية بعض التغييرات الوظيفية في عدد من الوزارات ذات الأهمية، نحو وزارات الداخلية والصحة والتعليم العالي، وعودة لشخصية مسؤول سابق للواجهة بعدما واجهت لوبيات فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
هل تجديد الثقة في الوزراء دليل على كفاءتهم؟
مع الكشف عن قائمة الحكومة الجديدة، والإبقاء على الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، وتجديد الثقة فيه، يظهر جليًا أن الرئيس تبون أجرى "عملية " خفيفة للطّاقم الوزاري، إن سلّمنا بأن الحقائب التي مسّتها التغيير قليلة، رغم أنه أي رئيس الجمهورية قد أعلن في أحد اللقاءات التلفزيونية مع الإعلام المحلي بأن "معيار إقالة أي وزير أو الإبقاء عليه، يتعين أن يمرّ عبر تقييم لآداء كلّ وزير على حدة ومدى تطبيقه لأوامر وقرارات مجلس الوزراء" .
هذه التصريحات وربطها بالتعديل المعلَن مؤخّرًا، من شأنها أن تفتح الباب أمام طرح أسئلة تتعلّق بتقييم الوزراء الذين تمّ التخلّي عنهم في مهامهم، وماهي الملفّات التي أزعجت الرئاسة في الوزارات التي تمّ التخلي عن مسؤوليها على غرار قطاع الصحة وقطاع التعليم العالي؟ في مقابل ذلك، هل يعني الإبقاء على الوزراء الذين لم يمسهم التغيير أنهم أكفاء في آدائهم الوزاري، وأنهم يطبقون تعليمات مجلس الوزراء فعليًا في الميدان؟
استكمال المشاريع
تأتي التعديلات الأخيرة أنّ الرئيس راض عن آداء رأس الطاقم الوزاري بن عبد الرحمان، خاصة وأن الجدل والتسريبات التي تلقفتها بعض المنابر الإعلامية أن هناك شخصيات مطروحة لرئاسة قصر رئاسة الحكومة خلفًا للحالي، بينما ذهبت بعض التصريحات إلى الذّود عن الشخصية الحالية ودفاعها عنها لقدرتها في تسيير عديد الملفات الصعبة فبالإضافة إلى تحديات كبرى تنتظر الجزائر فيما تعلق بالدخول المدرسي والجامعي والغليان الاجتماعي والاقتصادي، تواجه الحكومة الحالية في انتظار مواعيد سياسية حاسمة سواء تعلق بالانتخابات الجزئية لمنطقة القبائل المقررة في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، فضلًا عن تنظيم القمة العربية في الفاتح من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
مواجهة نواب الشّعب
محليًا، عبّر متابعون للشّأن السياسي في البلاد عن أن التغيير لم يكن في مستوى القدر الذي كان متوقّعًا له من طرف العديد من الأطراف الحزبية ومكونات المجتمع في البلاد، خاصة وأنّ عديد الأحزاب كانت تهيئ نفسها ليكون أحد مناضليها أو أعضائها ضمن التعديل الوزاري.
تجديد الثقة في الوزير الأول الذي كانت بعض التوقعات تشير إلى أنه سيكون أول المغادرين، شدد المحلل السياسي أستاذ العلاقات الدولية كريم مصطفاوي، بأن نزول الحكومة للبرلمان قريبًا أحد أسباب الإبقاء على الوزير الأول، فمن غير المعقول أن تحاسب طاقمًا وزاريًا أو الاستماع إلى إنجازاته بشخصية جديدة لم تكن في المنصب حتى.
وافترض مصطفاوي في تصريح لـ"الترا جزائر" أن الرئيس تبون يريد استقرارًا من نوع خاص لتمرير برنامجه السياسي لمّ الشمل، إذ انحصرت التغييرات في حقائب وزارية تفترض أيضًا الاستمرارية في الإنجازات وتكييف الظروف المستجدة معها كوزارة الصحة ووزارة التعليم العالي وهما وزارتان مفصليتان في حياة المواطن الجزائري يرجى منها إنجاز المشاريع وتنفيذ التوصيات وتحسين الخدمات، ولا تزول الأخيرة بانتهاء مسؤول منصب، حدّ تعبيره.
خارج حسابات الأحزاب
الملفت للنظر أن الرئيس، استقطب شخصيتين فاعلتين في الميدان، وهما علي عون رئيس مجمع الصناعة الصيدلانية (صيدال) سابقًا، والذي سبق له وأن خاض حربًا ضد عدة أطراف فترة حكم بوتفليقة، ومعارك انتهت به إلى السجن، إذ تقدم تبون ليعنيه في منصب وزير الصناعة الصيدلانية، فيما عين المدير العام لشركة البنى التحتية والمنشآت والأشغال الكبرى (كوسيدار) لخضر رخروخ، وزيرًا للري والأشغال العمومية، فيما عين رئيس جامعة المسلية وكمال بيداري وزيرًا للتعليم العالي، خلفًا للبروفيسور عبد الباقي بن زيان، وتنحية وزير الصحة عبد الرحمان بن بزيد، وتعيين عبد الحق سايحي، فضلًا عن تعيين إبراهيم مرّاد وزيرا للداخلية، خلفًا لكمال بلجود الذي عين وزيرًا للنّقل.
عرض بيان السياسة العامة، أمام أعضاء البرلمان وتقديم الحصيلة السنوية، سيكون له أثر بالغ على حكومة بن عبد الرحمان، خاصّة في وزارات لا تقلّ أهمية عن الوزارتين السابقتين خاصة منهما الداخلية والنقل، فكليهما ينتظر أن تعرض محصلة عمل لسنة كاملة مع الأزمات التي مرت بها الجزائر على غرار فيروس كورونا والحرائق والحوادث المرورية.
دستوريًا بإمكان نواب البرلمان سحب الثقة من الحكومة، لكن استبعدت بعض الأصوات ذلك، خصوصًا وأن مكونات البرلمان السياسية تتجه نحو تثبيت والمصادقة على تقارير الحكومة، خصوصًا أمام تبني الرئيس تبون خطوته الأخيرة بأنه "راض ضمنيًا على الطاقم الوزاري الذي أقر إعادة تغييره مؤخرًا".
ومن الناحية الإجرائية يعتقد الباحث في العلوم السياسية عبد الحليم كراد، من جامعة باتنة شرق الجزائر، أن الوافدين الجدد على قصر الحكومة لا ينتمون سياسيًا إلى أي طيف سياسي، فهم "كفاءات وطنية أثبتت جدارتها في مجال تخصها".
وأضاف كراد في تصريح لـ"الترا جزائر"، أنه وجب الأخذ في الحسبان أن التغيير الجديد حمل متغيرات جديدة وهي عملية دمج أو إعادة تخطيط وهيكلة لوزارات "كملحقات بوزارات أخرى" إذ أصبحت هيئة اقتصاد المعرفة الملحقة سابقًا برئيس الحكومة وزارة مستقلة، مع ضمّ الوزارة المنتدبة للمؤسسات الصغيرة إليها فضلًا عن إلغاء وزارة الطاقات المتجددة، وتم لحاقها بوزارة البيئة التي تشرف عليها الوزيرة سامية موالفي.
وأضاف في هذا السياق، أن هذا الترتيب الجديد نابع من أولويات يراها القاضي الأول في البلاد ذات أهمية بالغة، دون تشتيت كفاءات ومقدرات البلد في هيئات وزارية أخرى.
مصطفاوي: الرئيس يريد استقرارًا من نوع خاص لتمرير برنامجه السياسي
محاسبة قبل المغادرة
بعض الحساسيات السياسية في البلاد، فضّلت عدم الإعلان عن تعديل الحكومة إلاّ بعد عرض بيان السياسة العامة في البرلمان، وهو ما يراه البعض إجراء منطقي بحسابات الوظيفة البرلمانية، في مقابل ذلك اتضح جليًا أن الرئيس انفرد بإقرار التعديل رغم مساعي المشاورات التي قام بها مع عدد من رؤساء الأحزاب والشخصيات الوطنية، التي يبدو أنها كانت شكلية، فيما ذهبت بعض القراءات إلى القول إن هذا التعديل لن يكون الأخير خصوصًا أمام زخم الأحداث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في قادم الأيام والأسابيع.