03-نوفمبر-2024
كريم الصغير بن مهيدي

كريم الصغير بن مهيدي، أحد أقارب الشهيد العربي بن مهيدي (الترا جزائر)

علّق كريم الصغير بن مهيدي (65 سنة) على اعتراف الرئيس، إيمانويل ماكرون، باغتيال جنرالات فرنسيين لقريبه الشهيد العربي بن مهيدي، بعد عقود طويلة من النكران الرسمي.

كريم الصغير بن مهيدي: خطوة إيمانويل ماكرون "عجلة إنقاذ" للعلاقات الفرنسية المتدهورة مع الجزائر

وقال كريم الصغير بن مهيدي، وهو أحد أقارب الشهيد البطل، العربي بن مهيدي، في تصريح لـ"الترا جزائر"، إنّه "من وجهة نظري الشخصية، لم يحمل هذا بيان الإليزيه أي جديد بالنسبة لي، ولم يضف لمعلوماتي حقائق مجهولة."

وأضاف: "عائلة الشهيد، خصوصًا، وكل الجزائريين والدارسين لتاريخ الثورة عمومًا، يعرفون الظروف التي قضى فيها سي العربي تحت نيّر التعذيب، وبأن الأمر كان قتلًا تحت طائل التعذيب، غُلِّف بانتحار كاذب."

ومن جهة أخرى، يضيف، قريب الشهيد بن مهيدي بأنّه "سبق لجنرالات الجيش الفرنسي تأكيد هذه الحقيقة في مؤلفات منشورة ومصنّفة في خانة المذكرات الشخصية مثلما كتب ذلك جلاّده بول أوساريس العام 2000، ثم عاد وثبتها في تصريحات لجرائد يومية على غرار صحيفة "لوموند"، قبل أن يقرها صوتًا وصورة لمحطات تلفزيونية فرنسية مثيرًا ضجة تاريخية."

واعتبر كريم الصغير بن مهيدي أنّ "خطوة الرئيس الفرنسي سبقتها قرارات اتخذت بشأن ملفي موريس أودان والمحامي علي بومنجل. وهو يكرر (ماكرون) ذلك لهدفٍ يخدُم السياسة الفرنسية".

وفيما نقض بيان قصر الإليزيه رواية الانتحار التي كانت رائجة في الأوساط الرسمية، بعد 14 عامًا من نسفها من قبل أوساريس الذي أعترف بإعدامه لـ 24 شخصًا خارج الأعراف القانونية. بينهم الشهيد العربي بن مهيدي شنقًا يوم الرابع آذار/مارس 1957، ودونما إبداء الندم كما صرح بعظمة لسانه، يعرب ماكرون عن رغبته في "بناء ذاكرة مشتركة متقاسمة" متجهة صوب المستقبل، على حد تعبير البيان الرئاسي الفرنسي.

غير أن  كريم الصغير، المعروف بكنية "بيبو"، وهو أستاذ لغة فرنسية متقاعد، يعلّق على ذلك بجملة فرنسية معروفة لـ "الترا جزائر" قائلا: "هذا تصريح سياسي ذو طابع سياسي ينطبق عليه المثل الفرنسي الدّال على الريبة فهناك ثعبان تحت الصخرة، كما يقول الفرنسيون بمعنى أن الموقف ينطوي على هدف محدّد، لأنّنا نعرف أن السلطات الفرنسية تملك جميع الأرشيف المتعلق بحقائق حرب الجزائر، وهي على إطلاع دقيق ومفصّل على ما تخللته من أعمال وحشية، وانتهاكات سافرة،  بالتالي فهي تحاول عبر "الاعتراف بـ"المعروف" امتصاص توترات ملف قضية الإبادة والمجازر المرتكبة منذ 1830 في حق المدنيين والعزل وأبطال المقاومات الشعبية وخلال الثورة التحريرية، والالتفاف حول مطلب الاعتذار عن الماضي الاستعماري من ناحية. في حين يتضح، من ناحية أخرى، أن الأمر مجرد عجلة إنقاذ للعلاقات الفرنسية الجزائرية المتضررة، جراء انخراط قصر الإيليزي في مواقف رسمية وعملية، لا تنسجم مع رؤية ومواقف الجزائر السياسية والإستراتيجية في المحيط الإقليمي والجوار الأفريقي".

وبحسب المتحدث، فقد عاش الشهيد البطل العربي بن مهيدي المولود، العام 1923، في دوّار الكواهي في عين مليلة، ولاية أم البواقي، في منطقة الأوراس شرق الجزائر، شطرًا من حياته في مدينة باتنة حيث أقام عند خاله سعيد القاضي، الكائن بشارع الإخوة قليل حاليًا، غير بعيد عن مقر ولاية باتنة.  حيث درس عدة سنوات من مرحلة التعليم  الابتدائي في مدرسة "لو كولاج" الواقعة قرب ممرات بوكا – سابقا- حاليًا ممرات بن بولعيد، وسط المدينة، وتسمى تلك المدرسة حاليًا باسم الإخوة الشهداء العمراني، قبل أن ينتقل إلى مدينة بسكرة التي نمت فيها ميوله السياسية بشكل بارز عقب انضمامه للكشافة الإسلامية، وانغماسه الكلي في القضية الوطنية.

ويضيف كريم صغير، ابن إسماعيل بن مهيدي، وهو ابن عم العربي بن مهيدي، وهم ينتمون في الأصل لعائلة هاجرت منذ عدة أجيال من لمهادة أولاد دراج نواحي المسيلة إلى منطقة الأوراس، بأن الشهيد كان حسب ما يرويه والده وأقاربه المتوزعين على مدن باتنة وقسنطينة والباردة بعنابة وعين مليلة، كتُومًا للغاية قليل الكلام منذ الصغر.

كما أنه، وفق قريبه، "دائم التفكير في العواقب والآثار المترتبة عن كل خطوة، وكان ذا نظرة استشراف للمستقبل، فقد أوصى شقيقه الطاهر بمواصلة تعليمه كي يكون إطارًا تحتاجه البلاد مستقبلًا، قبل أن يتفاجأ باستشهاده في تمالوس في ولاية سكيكدة، كما فوجئت والدتهما بالتحاقه بكتائب الثورة دون أن يخبرها، موهمًا إياها أن غيابه راجع لدراسته لنيل شهادة البكالوريا. وللخصال النفسية الهادئة التي تمتع بها العربي أطلق عليه رفاقه في جبهة التحرير كنية الحكيم."

وأوضح كريم الصغير بأن اعتقال بن مهيدي من طرف مصالح الجنرال ماسو، تم "عبر الوصول لكلمة السر التي كان يستعملها العربي مع رفاقه المقربين، بعد لجوئه لشقة آمنة، أثناء معركة الجزائر التي كان واحدًا من قادتها العام 1957 بالقصبة".

بيد أن معلومات كشفها النقيب آلان بول ليجي، مؤلف كتاب "في مفترق طرق الحرب"، المنشور منتصف الثمانينيات، وفرت معطيات لم تكن معروفة لدى المؤرخين لمعركة الجزائر، وتمحورت حول عمليات اختراق دقيقة، أشرف عليها هو شخصيًا مكنت من استغلال مناضلين منقلبين على الثورة، من أمثال زروق وبوعلام وفارس وعليلو وحورية السمراء، والذين خضع بعضهم لعمليات تلاعب حولتهم إلى عملاء لجهاز المخابرات التابع للجيش الفرنسي، عجلت بمشاركتهم في أعمال مناوئة للمنطقة المستقلة للجزائر العاصمة التي كان يرأسها ياسف سعدي دون علمه ودون تفطن باقي الخلايا الناشطة في العاصمة لتجنيدهم في عمليات سرية عدائية ضد الثورة التحريرية، حيث تم توقيف ياسف سعدي وزهرة ظريف، شهر تشرين الأول/أكتوبر 1957، بعد تتبّع عناصر الاتصال المكلفين بنقل تلك الرسائل إليهما، عبر "حورية السمراء". وتكفلت هذه الأخيرة بترك أمارة بالطبشور الأبيض في سترة المكلف بنقل الرسالة إلى مخبأ ياسف سعدي، الواقع في المنزل الرابع بشارع كاتون.

ولجأت مصالح النقيب ليجي، المهندس الأول لعملية "لاَ بْلُوِيتْ" الشهيرة بالمؤامرة الزرقاء، إلى تقنية الطبشور الأبيض، بفكرة من العميلة حورية، وتقضي الطريقة تلطيخ ألبسة موصلي الرسائل، الذين يتسلمون الرسائل التي تصلها من مناضلين وسطاء لتبليغها للقادة، كي يسهل على عملائه الذين يطلق عليهم "ذوو الياقات الزرقاء" التعرف عليهم بين الحشود، ثم تتبعهم لتحديد أماكن رؤساء الخلايا والصف الأول للتنظيم العنقودي، وكان آخر القادة السياسيين الموقوفين، عبد الرحمان حميدة المكنى "الخيام"، الذي تم اعتقاله عن طريق تدبير موعد وهمي.

فيما تكفل شاب منشق عن ياسف سعدي يسمى "عليلو" بتقديم معلومات عن شبكة عناصر الربط وناقلي الرسائل، حيث يعتقد أن المناضل علي عمار المكنى علي لابوانت والعربي بن مهيدي تم الوصول إليهما عبر تحديد هويات عناصر الربط المكلفين بتبليغ المعلومات والأوامر والخطط السياسية والعسكرية ومنشورات جبهة وجيش التحرير الوطني.