31-يوليو-2024
تبون وماكرون

الرئيسان الجزائري والفرنسي (صورة: فيسبوك)

لم تكشِف الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا عن كامل تداعياتها السياسية والاقتصادية التجارية بعد؛ حيث يتوقّع المتابعون أن تتأثر الكثير من القطاعات ومجالات التعاون بسبب هذه الأزمة.

زيارة الرئيس عبد المجيد تبون المبرمجة إلى باريس باتت مهددة

اشتدت الأزمة بين البلدين، كرد من الخارجية الجزائرية، أمس، وإعلان سحب السفير الجزائري في باريس "سعيد موسي"، بـ" أثر فوري"، وقال البيان: "قررت الحكومة الجزائرية سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري على أن يتولى مسؤولية التمثيل الدبلوماسي الجزائري في فرنسا من الآن فصاعداً قائم بالأعمال"، وهو ما يفيد دبلوماسيا بأنه القرار هو خفض للتمثيل الدبلوماسي الجزائري لدى باريس إلى الحدّ الأدنى.

وأضاف البيان "لقد أقدمت الحكومة الفرنسية على إعلان تأييدها القطعي والصريح للواقع الاستعماري المفروض فرضا في إقليم الصحراء ".

وتابع بيان الخارجية بأن" هذه الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة فرنسية سابقة قد تمت من قبل الحكومة الحالية باستخفاف واستهتار كبيرين بدون أي تقييم متبصر للعواقب التي تنجر عنها".

وأردف البيان: "باعترافها بالمخطط المغربي للحكم الذاتي أساساً وحيداً لحل نزاع الصحراء في إطار السيادة المغربية المزعومة، فإنّ الحكومة الفرنسية تنتهك الشرعية الدولية وتتنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتناقض كل الجهود الحثيثة والدؤوبة التي تبذلها الأمم المتحدة بهدف استكمال مسار تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، فضلاً عن كونها تتنصل من المسؤوليات الخاصة التي تترتب عن عضويتها الدائمة بمجلس الأمن الأممي".

هل الزيارة في حُكم "الملغاة"

يبدو أن أولى تداعيات هذا القرار، في علاقة بالردّ الحازم للخارجية الجزائرية، هي الزيارة التي كانت مبرمجة في نهاية شهر أيلول/ سبتمبر المقبل أو بداية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل للرئيس الجزائري إلى باريس، إذ أعلنت فرنسا أن الرئيس عبد المجيد تبون سيزور فرنسا، وذلك إثر "مشاورات عبر مكالمة هاتفية مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، جرت في بداية آذار/ مارس الماضي.

قبل خمسة أشهر من الآن، تطرق الجانيان خلال تلك المكالمة إلى "المسائل الإقليمية والتعاون في مجلس الأمن الدولي، خصوصا فيما يتعلق بالنزاع في الشرق الأوسط".

وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف، في مؤتمر صحفي، عقده الأربعاء، أنّ "كل ما يمكن استنتاجه من الخطوة الفرنسية، لم تسهم إيجابا في تجسيد زيارة الدولة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس".

وبعيدا عن التطوّرات الأخيرة بين الجانبين، ووفقاُ لتلك الزيارة التي لم يتبق عن موعدها تقريبا إلا شهرين فقط، كان يمكن لو تمّت أن "تسهم في إعادة بناء العلاقات على أسس صحيحة، وتسوية قضايا خلافية وبناء شراكة بين البلدين".

اللاّفت للنّظر، أنّ هذه الزيارة في حدّ ذاتها ألغيت ثلاث مرات، إذ كانت مقررة في نهاية كانون الثاني / يناير 2023، ثم تأجلت لشهر أيار/ ماي 2023 من السنة نفسها، والآن يبدو أنها في " حكم الملغاة".

ووفقاً لمتابعي ملف العلاقات الجزائرية الفرنسية؛ فإنّ هذه الوضعية المستجدّةيمكن قراءتها سياسيا ودبلوماسيا من جانبين؛ حسب المحلل السياسي عبد العزيز نوري، الأول أنّه قرار "سيادي وحاسم" كما أنّه ثانيا وفي الجهة المقابلة يعود بـ"العلاقات خطوات للوراء، بل أكثر من ذلك قريبا إلى الصفر".

وأضاف نوري في إفادته لـ" الترا جزائر" بأنه ردّ فعل على تصريحات الفرنسيين وقرار الرئيس ماكرون، وهو ما يعني "نسف كل الجهود السابقة في حلّ بعض القضايا العالِقة بين البلدين، في علاقاتها مع الملف التاريخي على وجه خاص".

درجة قصوى

على الأقلّ منذ عقود من الزّمن، لأول مرة تسحب الجزائرسفيرها وتخفّض التّمثيل الدبلوماسي إلى مستوى القائم بالأعمال، رغم أنه سبق للجزائر في السنوات الأخيرة، أن استدعت السفير أكثر من مرة، ولم تصل الدبلوماسية الجزائرية إلى هذا الحدّ.

وعليه كان استدعاء السفير في السّابق وخلال بعض الأزمات، يهدف للتشاور، وهو أعلى موقف دبلوماسي تقوم به الجزائر اتجاه فرنسا، وبالتالي كان الردّ الجزائري في أزمات سابقة، محسوبا من كل الجوانب ومحدوداً أيضاً، فهو تراوح بين بيان رسمي أو استدعاء السفير الفرنسي بالجزائر للاحتجاج أو استدعاء السفير الجزائري بفرنسا للتشاور.

وفي هذا السياق، سبق وأن تمّ استدعاء السفير في تشرين الأول/أكتوبر 2021، بسبب تصريحات الرئيس ايمانويل ماكرون، وتم استدعاءه مرة أخرى في شباط/ فيفري 2023  على خلفية ارتدادات قضية الناشطة أميرة بوراوي.

ورقة الاقتصاد

مثل سُقوط أحجار الدومينو، يبدو أن تداعيات هذه الأزمة، ستسقِط معها العديد من الأوراق في علاقتها بالملفات الكبرى، إذ من المحتمل أن تُلقي بظلالها على الجانب الاقتصادي بشكل ما، فتُحيل التصريحات المتفرقة للمهتمين بهذا الشّأن لـ" الترا جزائر" إلى سؤال جوهري يتعلق أساساً بـ" مدى تأثير الأزمة السياسية على التبادلات التجارية بين البلدين، أو بشكل آخر: هل سيتم تقليص التبادل بين البلدين وحجم الواردات الفرنسية؟ وهل ستفرض الجزائر رسوم على المنتجات الفرنسية؟  خاصة وأن الجزائر تبنت فكرة مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الصّدد، ولأن في هذا الاتفاق شروط مجحفة ولا يحمي المنتوج الوطني فإن الحكومة الجزائرية، تستهدف منذ تولي الرئيس تبون سدة الحكم، مراجعة لمختلف تدابير وشروط الاتفاق لتشمل الربح المتساوي بين مختلف الأطراف بصيغة " رابح- رابح"، وهو ما يعني دول الاتحاد الأوروبي بما فيها فرنسا.

بالأرقام، شهدت المبادلات التجارية بين الجزائر وفرنسا نموابـ 5 بالمائة خلال سنة 2023، وبلغت

11,8 مليار يورو، إذ ارتفع مقارنة بسن 2022، إذ سجلت المبادلات بين البلدين مبلغا قدر بـ 11,2 مليار يورو.

اقتصاديا دائماً؛ أسئلة أخرى تطرح: هل سيكون للأزمة السياسية، تداعيات اقتصادية في علاقة بالاستثمار وحضور الشركات الفرنسية في الجزائر وصفقاتها ومشاريعها؟وبشكل آخر: هل يمكن أيضا أن نشهد حضورا للشركات الفرنسية في السوق الجزائرية وهل سيتم تحييدها من الصفقات؟

بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي، فالبلدان اتفقا حول التعاون والتنسيق في القضايا الإقليمية، و"بناء تعاون مستقبلي"، لذا فإن الطرح المهمّ عقب قرار سحب السفير الجزائري بفرنسا، يتعلّق أيضا بمصير الملف التاريخي، ومصير اللجنة المشتركة للتاريخ التي تضم خمسة مؤرخين من كل جانب، فهل ستواصل عملها، أم سيتم تجميد عملها مؤقتا؟ كما تشير إليه التوقعات.

وحدها الأيام المقبلة من ستكشف الكثير من التوقعات ومصير تلك الملفات، وستتكفل بالإجابة على الكثير من الأسئلة، خاصة وأنّ عقب عملية الهدم سيكون بناء العلاقات صعباً.