قدّم مجموعة من النواب في البرلمان الفرنسي مشروع قانون جديد يهدف إلى تمديد فترة تقديم طلبات التعويض لذوي حقوق ضحايا التجارب النووية الفرنسية، إلى جانب الاعتراف بما أصابهم من أضرار نفسية واجتماعية واقتصادية.
تكلفة هذه التعويضات سيتم تغطيتها من خلال زيادة ضريبة إضافية على منتجات التبغ
ويأتي هذا المقترح في إطار التعامل مع التداعيات الصحية والبيئية للتجارب النووية التي أجرتها فرنسا بين عامي 1960 و1996 في الصحراء الجزائرية وجزر بولينيزيا، والتي تركت آثارًا إشعاعية وخيمة، منها أمراض السرطان وأمراض القلب المرتبطة بالإشعاعات.
ويتناول مشروع القانون، في مادته الأولى، تمديد فترة تقديم طلبات التعويض بالنسبة لذوي الحقوق، إذ يقترح تمديد هذه الفترة حتى 31 كانون الأول/ديسمبر 2028، للضحايا الذين توفوا قبل صدور قانون المالية لعام 2019.
أما بالنسبة للضحايا الذين توفوا بعد 1 كانون الثاني/جانفي 2019، فيسمح لذويهم بتقديم طلبات التعويض لمدة عشر سنوات من تاريخ وفاة الضحية، وهو تعديل جوهري، وفق أصحاب المشروع، مقارنة بالوضع الحالي الذي يحدد فترة ست سنوات فقط.
ويرى مقدمو المشروع أن هذه التمديدات الزمنية أكثر إنصافًا وتتماشى مع فترات السماح الممنوحة في قضايا تعويض مشابهة، مثل قضايا ضحايا مادة الأميونت، حيث يتم منح ذوي الحقوق فترة طويلة للتعامل مع الإجراءات المعقدة وجمع الأدلة الضرورية لتقديم طلباتهم.
تعويض ذوي الحقوق
أما المادة الثانية من مشروع القانون، فتنص على تعديل قانون التعويض ليشمل الأضرار الشخصية التي أصابت ذوي الضحايا، حيث تسعى المادة تحديدا إلى منح حق التعويض عن "الأضرار النفسية والاجتماعية والاقتصادية" لذوي الحقوق الذين يثبتون قربهم العاطفي من الضحية.
ويقترح المشروع أن يُعتبر هؤلاء الأفراد كضحايا غير مباشرين، أو ما يُعرف بـ"الضرر من الدرجة الثانية"، على غرار ما يُطبق في حالات ضحايا الأميونت أو ضحايا الأخطاء الطبية.
ويشمل هذا التعويض الضرر النفسي، والضرر الناتج عن فقدان الدعم العائلي أو المادي، والضرر الاقتصادي الذي قد يكون ناجمًا عن تكاليف الرعاية أو غيرها من التزامات ترتبت عليهم.
كما تشدد المادة الثانية على ضرورة توفير إطار قانوني خاص يساعد ذوي الحقوق في إثبات العلاقة السببية بين مرض الضحية وتأثيرات الإشعاعات الناجمة عن التجارب النووية، حيث أن النظام الحالي يتطلب إثباتات صارمة ومعقدة يصعب توفيرها، ما يعوق عملية التعويض.
ويتضمن مشروع القانون كذلك مادةً مالية، وهي المادة الثالثة، التي تنص على أن تكلفة هذه التعويضات سيتم تغطيتها من خلال زيادة ضريبة إضافية على منتجات التبغ، مما يتيح تخصيص موارد مالية كافية لدعم آليات التعويض الجديدة دون التأثير على ميزانية الدولة.
وفي رأي أصحابه، يسعى هذا المشروع لتحقيق العدالة لذوي الحقوق من ضحايا التجارب النووية، عبر توفير فترات زمنية أطول لإتمام الإجراءات المطلوبة، وتقديم تعويضات مناسبة وشاملة تعترف بالأضرار المعنوية والمادية التي لحقت بهم.
ما ينص عليه القانون حاليا
وفي الوقت الحالي، يسمح قانون فرنسي منذ كانون الثاني/جانفي 2010 بالاعتراف بالضحايا المباشرين لهذه التجارب النووية وتعويضهم، لكنه لا ينص على أي تدابير لأقاربهم في ما يتعلق بالضرر المعنوي أو العائلي أو المادي.
وكنتيجة لذلك، رفضت المحكمة الإدارية في ستراسبورغ، شرق فرنسا، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، طلبات التعويض المقدمة من أقارب أشخاص لقوا حتفهم نتيجة للتجارب النووية التي أجرتها باريس في الصحراء الجزائرية.
ومنذ صدور ذلك القانون في 2010، أنشئت لجنة لتعويض ضحايا التجارب النووية. وتم تسجيل 2282 ملف مطالبات تعويض في الفترة ما بين مطلع 2010 ونهاية عام 2022. وفي 53% من الحالات، تم الاعتراف بالأشخاص ضحايا، وفق ما نشرته سابقا وكالة الأنباء الفرنسية.
والمعروف أن فرنسا، أجرت 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، ثم في بولينيزيا الفرنسية لمدة 30 عامًا حتى عام 1996.
ويعد هذا أكثر الملفات حساسية في قضايا الذاكرة التي تلغم العلاقة بين البلدين. وتصر الجزائر، على تسليمها خرائط تحديد مناطق دفن النفايات النووية المشعّة في الصحراء وتطالب السلطات الفرنسية بتنظيف هذه المناطق.