08-نوفمبر-2024
رشيد مخلوفي

رشيد مخلوفي (صورة: فيسبوك)

في إحدى ليالي نيسان/أفريل 1958، وقف رشيد مخلوفي، اللاعب الجزائري الشاب الذي تألق في سانت إتيان الفرنسي، أمام منعطف كبير في حياته ومسيرته. لقد كانت له فرصة تمثيل فرنسا في كأس العالم بالسويد، لكن نداء آخرا كان بانتظاره، لم يستطع إزاءه إلا التلبية، لأنه يتجاوز طموحه الشخصي إلى قضية شعب يريد أن يتحرر.

على مدار 4 سنوات، جاب مخلوفي وزملاؤه العديد من البلدان، حاملين رسالة الثورة الجزائرية 

قبل مباراة كانت ستجمع فريقه مع نادي بيزييه، وفق ما يروي على أعمدة صحيفة "لوموند" بتاريخ نيسان/أفريل 2016،  اقترب من مخلوفي زميلان جزائريان محترفان، عبد الحميد كرمالي من ليون ومختار عريبي من راسينغ لنس. طلبهم كان مفاجئا: مغادرة فرنسا والالتحاق بتونس، حيث كان يجري تأسيس منتخب خاص بجبهة التحرير الوطني. كانت الفكرة من ابتكار محمد بومزراق، وهدفها الترويج للقضية الجزائرية في ميادين الرياضة كوسيلة للنضال من أجل الاستقلال.

يقول مخلوفي: "لم أتردد لحظة واحدة في الاستجابة"، مستحضرا في الأثناء طفولته في مدينة سطيف، حيث عايش مجزرة أيار/ماي 1945 التي تركت فيه ألمًا عميقًا ورغبة قوية في النضال من أجل الحرية. عبّر مع ذلك، عن بعض القلق لزميله عريبي، على اعتبار أنه يؤدي خدمته العسكرية في فرنسا وذهابه يعني عصيانا. أجابه عريبي ببساطة: "وماذا بعد؟"، وأقنعه أن هذه المخاطرة تستحقها القضية.

بعد انتهاء المباراة ضد بيزييه، والتي أصيب فيها مخلوفي في قدمه، كان القرار قد اتخذ. حمله زملاؤه من المستشفى في رحلة سرية بعد التحاق لاعبين اثنين آخرين، ليكتظ الخمسة في سيارة صغيرة من نوع "سيمكا"، عبروا بها الحدود السويسرية ثم وصلوا إلى إيطاليا تفاديا للشرطة الفرنسية التي كانت تمثل تهديدًا في أي لحظة.

عندما وصل الفريق إلى تونس، كان الترحيب بهم كبيرا، رغم قلة معرفة مسؤولي جبهة التحرير الوطني هناك بتفاصيل كرة القدم. بدأ الفريق تدريباته بسرعة، وسرعان ما جذب الانتباه. الصحافة المحلية والدولية بدأت تتحدث عنهم وعن مشروعهم الثوري في عالم كرة القدم. عُرف هذا الفريق باسم "فريق جبهة التحرير"، وكان يشمل ثلاثين لاعبًا من عدة أندية أوروبية.

خلال السنوات الأربع التي قضاها مع الفريق، جاب مخلوفي وزملاؤه العديد من البلدان، حاملين رسالة الثورة الجزائرية في الملاعب. كانت هناك مباريات في دول صديقة للجزائر مثل دول أوروبا الشرقية كبلغاريا ورومانيا والاتحاد السوفيتي، وفي آسيا مثل الصين وفيتنام، وكذلك في دول عربية مثل العراق وليبيا والمغرب. كانت المباريات بمثابة رسائل سياسية، ولذا رغم أن الفريق لم يكن معترفًا به رسميًا من قِبَل الفيفا، إلا أن الجماهير كانت تأتي للتعبير عن دعمها.

يحكي مخلوفي في حواره مع لوموند، بحماس عن إحدى المباريات في بلغراد، حين تجمعت الجماهير بعد سماعها بوصول "الفريق الجزائري الثائر"، ليتمكنوا من الفوز بنتيجة 6-1. ويحكي عن لحظات استثنائية، مثل لقائهم بـ"هو تشي من"، قائد الثورة الفيتنامية، في قصره، وحضورهم إلى جانب رئيس الوزراء الصيني تشو إنلاي عرضًا مسرحيًا. ويذكر كذلك كيف طلب المدربون الصينيون من الفريق الجزائري تقديم نصائح حول استراتيجيات اللعب.

ومع ذلك، لم تكن جميع التجارب بنفس الودية، إذ يروي مخلوفي كيف لم يتمكنوا من اللعب في مصر، بسبب تخوف المسؤولين هناك من مضايقات الفيفا. وفي بولندا، واجهوا صعوبة مع المسؤولين الذين رفضوا عزف النشيد الوطني الجزائري "قسما". لكن الفريق لم يتنازل، وهدد بعدم اللعب، مما أجبر المسؤولين على الرضوخ.

وبالرغم من أن الحياة لم تكن سهلة في تونس، حيث عاشوا بدخل متواضع بلغ 50 دينارًا تونسيًا في الشهر، إلا أنهم وجدوا في العمل الجماعي والمؤازرة مصدر قوة واستقرار. يستذكر مخلوفي تلك اللحظات الصعبة، ويقول: "كنا نعلم أننا نمثل الجزائر في ساحة أخرى، ساحة رياضية تجمع الناس من كل مكان. كنا نؤمن بأننا نحرر الوطن بأقدامنا".

بعد الاستقلال، عاد مخلوفي لفرنسا حيث استقبله الجمهور ببرود نتيجة مغادرته المفاجئة قبل أربع سنوات، إلا أن مسيرته الاحترافية استمرت، ونجح في إحراز ألقاب جديدة.