11-سبتمبر-2024
(الصورة:الترا جزائر) محمد شرفي

(الصورة:الترا جزائر) محمد شرفي

تُواجه السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، بقيادة رئيسها محمد شرفي، عاصفة غير مسبوقة، وصلت حد اعتراض صاحب حقوق تأليف هذه المؤسّسة الدستورية الرئيس الفائز بالانتخاب عبد المجيد تبون، على طريقة عملها.

أصبح رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي في صدارة "المطلوبين" في الجزائر

أصبح رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، الذي سعى لتقديم خدمة للرئيس عبد المجيد تبون عبر إظهار شعبيته الواسعة بين الجزائريين داخل الوطن وخارجه، والتغطية على تدني نسبة التصويت، الآن في صدارة "المطلوبين" في الجزائر.

ولا يستبعد متابعون أن يتحوّل إلى "كبش فداء" لتهدئة الانتقادات الحادة التي تطالب بحل هيئته وإجراء تحقيق شامل في ممارساتها "الغامضة"، فضلًا عن فرض عقوبات على من وصفهم المرشّح الخاسر، حساني عبد العالي شريف، بـ" المتورطين في التلاعب بالنتائج والنسب المسجلة في هذه الانتخابات".

ويردد معتقدون بـ"نظرية المؤامرة أن وزير العدل والقاضي السابق متورط في مؤامرة تستهدف المساس بالعملية الانتخابية ، وبالتلاعب بنتائج الانتخابات خدمة جهات وأجندات مشبوهة .

ومن المتوقع أن تستمر النقاشات حول إدارة سلطة الانتخابات للانتخابات الرئاسية في الفترة القريبة المقبلة، لكن قد يتضاءل هذا الاهتمام بحدث سياسي كبير يشد الانتباه بعيدًا، مثل استقالة أو إقالة رئيس السلطة المستقلة قبل عام من انتهاء عهدته (التي بدأت في 15 سبتمبر 2019)، أو حدوث تغيير حكومي.

فمن غير المجدي الاستمرار في جلد الذات والتركيز الإعلامي والسياسي على ما جرى في يومي 7 و8 سبتمبر، لما يترتب على ذلك من تقليص لقيمة العملية الانتخابية وتشويه صورة البلاد على الساحة الدولية.

وأصبح الجدال المشتعل بمثابة طوق نجاة للمرشحين الخائبين، الذين يسعون لتحويل الأنظار عن الهزيمة المذلة التي تكبدوها، بما في ذلك في معاقلهم الرئيسية مثل "المسيلة" في شرق البلاد و"تيزي وزو" في منطقة القبائل. بدل البحث عن الاسباب الحقيقية العميقة لهذه الانتكاسة.

شخصية مثيرة للجدل

لم يكن تصرف محمد شرفي مفاجئًا لمن عرفوه عن كثب؛ فقد ظل شرفي محط أنظار الأوساط الرسمية والإعلامية باستمرار.

حيث بدأت فصول قصته قبل 12 عامًا، عندما قام برعاية مذكرة القبض الدولية التي أصدرها النائب العام آنذاك، بلقاسم زغماتي، ضد وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل فيما عرف بقضية "سوناطراك 2"،  حيث تحدى شرفي الفريق الحاكم في تلك الفترة، مما أدى إلى إنهاء منصبه الوزاري بعد ستة أشهر.

ورغم الجرأة التي اتسمت بها هذه الخطوة، تعرّض وزير العدل لانتقادات حادة من طرف مختصّين بسبب عدم احترامه للإجراءات القانونية المتعلقة بإعداد مذكرات التوقيف الدولية، ومنح المطلوبين فرصة اللجوء إلى دول لا ترتبط باتفاقيات لتسليم المطلوبين أو تتطلب ضمانات خاصة.

و عاد شرفي إلى الواجهة عندما استنجد به أصحاب القرار  في أيلول/سبتمبر 2019 لرئاسة السلطة الوطنية المستقلة الانتخابات التي يفترض بها إصلاح صورة الانتخابات في الجزائر، وإبعاد الإدارة عن التدخل، فيها فتم منحها قدرات قانونية ومالية هائلة.

ورغم الصعوبات، نجح شرفي في تنظيم الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، و الاستفتاء الشعبي للتعديل الدستوري في 2020، الذي أدى إلى ترقية السلطة إلى مؤسسة دستورية. بعدها، تولى إدارة الانتخابات التشريعية والمحلية في 2021، وانتخابات أعضاء مجلس الأمة في 2022.

خلال فترة إدارته للسلطة، عُرف شرفي بتسلطه الشديد، ولم يتردّد في عام 2021 في التخلص من مراكز المقاومة، مستغلًا مراجعة القانون الخاص بالسلطة المستقلة. فحصل على موافقة لتقليص عدد أعضاء السلطة من خمسين إلى عشرين، بحجة ترشيد النفقات.

كما لم يتردد لم يتردد في إقصاء أي عضو يراه تهديدًا له من أولئك الذين نجوا من عملية الغربلة. في الأشهر الأخيرة، تراجع مجلس المنظمة الى حوالي النصف، حيث تم الإعلان عن استقالة ممثل الموثيقين رشيد بردان، بينما يوجد أعضاء اخرون في حالة تنافي.

وفي الفترة الأولى لبداء الإعداد للحملة الانتخابية أطاح بالرجل الثاني في السلطة، لعمارة موسى، أحد أبرز كفاءات قطاع العدالة، من منصب مدير العمليات الانتخابية قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية. الآن، تبدو الصورة واضحة أن شرفي قد وصل إلى محطته النهائية، حيث تُحيط به الاتهامات والضغوط.

مطالب إصلاح

سواءً أُقيل شرفي أو استقال او استمر في منصبه، فإن إصلاح  مهام السلطة يعد من الأولويات بعد خمسة أعوام من إنشائها.

خلال الانتخابات التشريعية لعام 2021، ارتفعت الأصوات، بما في ذلك من قوى الموالاة، محذّرة من النفوذ الواسع للسلطة المستقلة في العملية الانتخابية، حتى وصل الأمر إلى وصفها بـ"دولة داخل دولة"، وأشار المنتقدون إلى الإقصاء غير المبرّر للمرشّحين وسوء التعامل مع تسلل جماعات المال السياسي إلى المؤسسات المنتخبة، وخصوصًا البرلمان.

ويُتهم شرفي بالسيطرة على السلطة ومؤسساتها دون شريك، مما يتوجّب إصلاح ذلك باستحداث مكتب تنفيذي على شاكلة الإطار الناظم للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس.

وفي دراسة نشرت في المجلة النقدية للعلوم القانونية والسياسية (العدد 2-2022)، شدد الباحث حميد مزياني على أهمية إعادة النظر في طريقة اختيار رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات لضمان استقلاليتها، من خلال انتخاب هذا المنصب من قِبل باقي الأعضاء بدلًا من تعيينه من قبل رئيس الجمهورية.

كما اقترح الباحث أيضًا مراجعة نظام اختيار أعضاء السلطة، عبر إشراك أهل الاختصاص من كفاءات جامعية وقضاة ومساعدين قضائيين وموثقين ومحضرين قضائيين.

شدد الباحث حميد مزياني على أهمية إعادة النظر في طريقة اختيار رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات لضمان استقلاليتها

وأكد على ضرورة مراعاة الجوانب التقنية لعمل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، لضمان أدائها بشكل أكثر فعالية، بما يضمن انتخابات نزيهة وشفافة تنبثق عنها مؤسّسات دستورية منتخبة بطريقة شرعية وديمقراطية، ذات مصداقية تعزز مفهوم دولة القانون".