11-أغسطس-2024
كيليا نمور (الصورة: الجزيرة)

كيليا نمور (الصورة: الجزيرة)

وصل أولمبياد باريس 2024، اليوم الأحد، إلى محطّته الأخيرة من المنافسات، ويُسدل الستار عن جولاته الرياضية، في يوميات حملت معها الكثير من الفرح للجزائر وللعرب والأفارقة من بوابة الملاكمة والجمباز وألعاب القوى (سباقات الـ 800 متر).

3 ميداليات لا يعني بتاتًا أنّ الرياضة الجزائرية بخير رغم الفرجة والفرحة التي نال الجزائريون نصيبًا منها

قبل يوم من محطة النَّفَس الأخير للمنافسات بالألوان الجزائرية (10 آب/ أوت الحالي)، أشاحت فوْرة الرياضة عن وجهِها الحقيقي بشكلٍ واضح وربّما بصورة شبه كاملة، وأخرجت عدّة حقائق للواجهة من الواجب الالتفات إليها، تتأرجح بين نشوة الانتصارات ومساندة الجزائريين للرياضيين، والتتويج على منصة الفوز تارة، ولحظات مخيبة للآمال تارة أخرى.

النّفَس الأخير

في خضمّ الفرحة الجزائرية، ورغم مرارة الخسارات المتتالية لعدد من الرياضات للوفد الرياضي المشكّل من 46 رياضيًا في توليفة من مختلف التخصّصات، يكشِف الأولمبياد عن شجرات ثلاث غطّت غابة الإخفاق برسم الأسماء التي تألقت ومنحت الجزائريات جرعات متتالية من الفرح.

كانت كيليا نمو (17 سنة) الأولى التي أهدت الجزائر ميدالية ذهبية في رياضة الجمباز،  في مسابقة "العارضتان المتوازيتان مختلفتا الارتفاع "، فهي المولودة من أب جزائري (من جيجل شرق الجزائر) ومن أم فرنسية، فنالت حظّها من التدريب والعناية العائلية، في المقابل حاربت ظروفًا أخرى منها متعلق بالظرف الصحي الذي كاد أن يخرجها من الشغف الرياضي، ثم "الهوية الرياضية" فاختارت تمثيل الجزائر في الأخير.

رُفعت الراية الوطنية للمرة الثانية، وبقفازات الملكمة إيمان خليف (25 سنة)، فرغم الماضي المؤلم، وحجم المعاناة التي تكبدتها طوال مشوار المنافسة بفرنسا من عنصرية وتنمر، قفزت الملاكمة في الحلبة من جولة لأخرى، ومن منازلة لأخرى ومن دور لآخر، فنالت الذّهب في وزن 66 كغ، لتقول للعالم أنّني "أنثى ولدي شرف الإنسان".

حمل العلم الجزائري على ظهره بعد الفوز بالمرتبة الثالثة، فلجمال سجاتي (25 عامًا) نصيب هو الآخر من المعاناة، إذ مارس كرة القدم ثم تعذر عليه المواصلة في اللعبة الجماهيرية فينتقل للجري في سباقات الـ 400 متر، ليواجه ظروفًا صعبة في التحضيرات، لكنه حظي بالميدالية البرونزية في خضم التشويش عليه بحجة " المنشطات" قبيل يوم واحد فقط من آخر سباق.

بعيدًا عن المِضمار الرياضي، وقاعات "العرض الفُرجَوي" بعاصمة الجنّ والملائكة باريس، فإنّ الحدث الأبرز الذي شهدته الجزائر والعالم هو علاقة الفوز والتألق والتتويج بقصص الإعداد والاستعداد للمواجهات.

ماذا بعد الفُرجة والفَرحة؟

محطات الأولمبياد فيها الكثير من المتعة الرياضية تعود كلّ أربعة أعوام، لكن هل تكفي الجزائر هذه المنجزات الثلاث؟

رياضيًا، ثلاث ميداليات لا يعني بتاتًا أنّ الرياضة الجزائرية بخير، رغم الفرجة والفرحة التي نال الجزائريون نصيبًا منها، خلال منافسات "الآمال" ثم نتائج الثلاثي، إلا أنّ العارفين بخبايا النّشاط الرياضي في الجزائر يتساءلون عن حقيقة وضع الرياضيين الذين شاركوا في الأولمبياد، واستعداداتهم قبل هذه المنافسة.

بالإضافة إلى الإطار التنافسي وأهمية الاحتكاك فيما بين الرياضيين في عموم المنافسات العالمية، فإن الرياضة باتت اليوم أحد "المشاريع الاجتماعية" بالغة الأهمية، في أي بلد، بل هي في نظر المختصين تشبه إلى حدّ كبير عملية زراعة في حقل يمكن فيه انتظار الحصاد بعد خمس سنوات، فاكتشاف  المواهب وزراعتها في بيئة داعمة، يتطلب بالضرورة الاعتناء بها وتنميتها وتشذيبها وتأهيلها، لأن عام الحصاد لن يكون بعد عمل يوم واحد، وكما يقول الرياضيون في عالم العدو للمسافات الطويلة: "تدربت لخمس سنوات لأجري بضع ثواني والتنافس عليها بأجزاء من المائة".

هذا الحجم من العناء والتدريبات الشاقّة، يتناوله الرياضيون في كل تصريحاتهم العلنية والمخفية أيضًا، فالملاكِمة خليف على سبيل المثال لا الحصر؛ بدأت مشوارها الرياضي وعينها على الأولمبياد منذ 2018، وحضرت له ذهنيًا رغم المعيقات ورغم الحملة الشرسة ضدّها، وغيرها كُثر في تخصّصات أخرى.

يقول المختص في النّشاط الرياضي (ألعاب القوى)، عبد الكريم لزهاري، لـ"الترا جزائر" إن هذه المشاريع مهمة كبرى، لذا من الواجب اليوم القيام بتقييم شامل لتطوير الرياضة والنظر للمستقبل.

ما شهدناه في الأولمبياد، يمكن أن يحيل اليوم إلى ضرورة تحويها إلى مخطط يشتغل عليه الساسة قبل الرياضيين أنفسهم، حسب المتحدث، وذلك في مسار أمل الوصول إلى المنجز وبلوغ النجاحات التي تنمو وتثمِر ولو بعد سنوات.

دروس الهامش

من مشوار البطلة كيليا نمّور، نستخلِص عبرة التضحيات التي قدّمتها من أجل نيل الهوية الرياضية، وهي التي كانت على حافة ترك الشغف والعُزلة الرياضية، إذ قدر لها بأن تكون مشروع بطلة ناجح، بني على مدار ثماني سنوات.

من مِشوار البطلة إيمان خليف نستخلِص أيضًا أنّ الأهم في ممارسة الشّغف هو النّظر للأمام برغم من البيئة غير الدّاعمة لها في بدايات خروجها من قرية بيبان مصباح إلى مقر الولاية تيارت، كما حرصها على الاستمرارية في ممارسة الشغف حتى النّفس الأخير بتركيز عالي في الحلبة.

ومن مشوار جمال سجاتي نستخلِص أنّ البداية الأولى قد تكون نافذة لأبواب أخرى، فمن ممارسته لكرة القدم الجماعية التي يتحمل فيها الفريق الربح والخسارة معًا، إلى خياره الثاني في ألعاب القوى لأنه أراد تحمل مسؤولية النّجاح منفردًا.

مرآة الحقيقة

من خلال هذه العبر وكثير سواها، هل سنسمع غدًا من المسؤولين الرياضيين في الجزائر عن البرنامج، المسطّر للنخبة الرياضية الجزائرية خلال الأربع سنوات القادمة؟ وذلك تحسبًا للمنافسة الأولمبية المقررة في لوس أنجليس الأميركية برسم العام 2028.

لم لا يكون هذا "التتويج" عنوان منجزات تنحسب أيضًا على مختلف القطاعات؟

خارج كل هذه الأطر التي تحكم المنافسات والتدريبات، نكتشف دومًا أن الرياضة هي المتنفس الأكبر للجزائريين، فلماذا لا يكون هذا "التتويج" عنوان منجزات تنحسب أيضًا على مختلف القطاعات؟