22-يوليو-2022

جلسة تصويت بالبرلمان الجزائري (تصوير: بلال بن سالم/GETTY)

مع إسدال الستار عن الدورة البرلمانية 2022، بتاريخ 14 جويلية/ تموز، تم طرح نقاش سياسي جديد في الجزائر، يتساءل من خلاله عارفون بالملفات الحكومية عن مصير عرض بيان السياسة العامة من طرف الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، هل سيتأجل إلى مطلع الدورة البرلمانية المقبلة شهر أيلول/سبتمبر2022، أم أن رئيس الجهاز التنفيذي لن يعرض بيان السياسة العامة هذه المرة؟

إخفاء بيان السياسة العامة لسنة 2022 يثير الكثير من التساؤلات في الجزائر

في هذا السياق، تساءلت وسائل إعلام محلية في الجزائر ، عن مصير بيان السياسة العامة، ولماذا لم يعرضه الوزير الأول نهاية الدورة؟ خاصة وأن مطلع السنة البرلمانية المقبلة قد يكون مسبوقًا بتعديل حكومي يتغير فيه شخص الوزير الأول وطاقمه الحكومي، وبالتالي سيتم إلغاء عرض حصيلته أمام الهيئة التشريعية بغرفتيها بشكل تلقائي.

وكانت آخر مرة عرض فيها بيان السياسة العامة أمام البرلمان مطلع سنة 2019، من طرف الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى الموجود حاليًا في السجن بعد تورطه في عدة قضايا فساد، ليغيب هذا البيان بعدها، بسبب الظروف الانتقالية التي عاشتها الجزائر، جراء الحراك الشعبي، الذي كلل بانتخابات رئاسية شهر ديسمبر/ كانون الأول 2019

كما لم يتم عرض بيان السياسة العامة سنوات 2020 و2021 بسبب الانشغال بالانتخابات المحلية والنيابية واستحقاقات تعديل الدستور، وغيرها من مراحل بناء الدولة الجديدة التي باشر بها الرئيس تبون بمجرد دخوله مبنى المرادية نهاية عام 2019، وأيضًا في ظل الظرف الصحي الصعب، المتسم بتفشي فيروس كورونا وقتها.

وتبقى فرضية إخفاء بيان السياسة العامة سنة 2022 تثير الغموض، خاصة وأنه لا مبرر للحكومة التي تنصبت قبل سنة من اليوم، أي شهر جويلية / تموز 2022 للصوم عن عرض ما أنجزته وما تعطلت فيه.

ما هو بيان السياسة العامة؟

تنص المادة 111 من الدستور الجزائري على أن "الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة مطالب بأن يقدم سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة، ويعقب بيان السياسة العامة مناقشة عمل الحكومة، ويمكن أن تختتم هذه المناقشة بلائحة"، وتنص المادة أيضًا أنه "يمكن أن يترتب عن هذه المناقشة التماس رقابة، يقوم بها المجلس الشعبي الوطني طبقا لأحكام الدستور."

ووفق ذات المادة "يجوز للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتًا بالثقة، وفي حال عدم الموافقة على لائحة الثقة، يقدم الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة استقالة الحكومة"، وفي هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يلجأ قبل قبول الاستقالة إلى أحكام المادة 151 من الدستور، ويمكن أيضًا للوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة أن يقدم إلى مجلس الأمة بيانا عن السياسة العامة.

ويعرف رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة المستقبل، فاتح بوطبيق في تصريح لـ"الترا جزائر" بيان السياسة العامة بأنه إجراء دستوري والتزام حكومي، حيث من المفروض أن تقدم الحكومة سنويا بيان سياستها العامة، كاشفا عن خلط من طرف البعض، بين الدورة التشريعية التي تمتد من سبتمبر /أيلول الى 30 جوان/ حزيران من كل عام، والدورة المالية المرتبطة بقانون المالية والتي تمتد من كانون الثاني/جانفي إلى 31  كانون الأول/ديسمبر، مضيفًا: "بيان السياسة العامة يفصل فيه القانون العضوي الناظم للعلاقة بين البرلمان والحكومة، لتحديد التوقيت الفعلي لعرض البيان".

ويؤكد بوطبيق: "كنواب نرى أن الحكومة ملزمة بعرض بيان سياستها العامة، هذا الإجراء ليس أداة عقابية، بل مجرد عملية إطلاع للرأي العام بما تحقق وأنجز، ومدى تنفيذ السياسات العمومية وفتح النقاش حولها."

واعتبر المتحدث أنه من الناحية القانونية، فبيان السياسة العامة مرتبط بالسنة التشريعية أو بالأحرى مرور سنة من عرض مخطط عمل الحكومة، وفي هذه الحالة فإن تاريخ عرض هذا البيان يرتقب أن يكون مع بداية الدورة المقبلة أي شهر سبتمبر أيلول 2022

لماذا غاب بيان السياسة العامة في السنوات السابقة؟

ويعود بوطبيق ليتحدث عن أسباب غياب بيان السياسة العامة في السنوات الماضية، وعدم عرضه على النواب منذ سنة 2019، مؤكدًا ارتكاب تجاوزات قانونية ودستورية، في هذا المجال من طرف حكومة عبد العزيز جراد، فرغم أن هذا الإجراء كان مشرعًا، لكنه لم يؤخذ بعين الاعتبار بسبب الظروف التي كانت تمر بها البلاد وقتها.

 ويضيف المتحدث أنه من "المفروض أن يتواصل الدور الرقابي، مهما كانت الظروف، ولكن لعدة أسباب استطاع رؤساء الحكومات السابقين الإفلات من المحاسبة، رغم أن الهدف من عرض البيان هو معرفة مدى تقدم مشاريع الحكومة، ليستفيد الجهاز التنفيذي من هذا التقييم، وأيضًا لتمكين البرلمان من ممارسة دوره الرقابي".

من جهته يؤكد المحلل السياسي عامر رخيلة في تصريح لـ"الترا جزائر" أن بيان السياسة العامة هو إجراء تحكمه القواعد المنظمة للعلاقة بين البرلمان والحكومة وهذه الأخيرة ملزمة بأن تستعرض في بداية الدورة بيان السياسة العامة، والذي سيكون بمثابة عرض حال لما أنجزته الحكومة وتحديد أهم الخطوات التي تعتزم القيام بها خلال السنة المقبلة، عبر إدراجها فيما يصطلح على تسميته بمخطط عمل الحكومة، وهي مسألة إجرائية يتولاها الوزير الأول بحضور أعضاء الحكومة.

ويضيف رخيلة: "سبب غياب مخطط عمل الحكومة خلال الدورات السابقة، الصمت الذي كان مطبقا بشأن رفض الحكومة عرض هذا البيان في أكثر من دورة"، متهما رؤساء الجهاز التنفيذي المتعاقبين بخرق النظام الضابط للعلاقة بين السلطتين _ التنفيذية والتشريعية _ ليس في بيان السياسة العامة للحكومة فحسب، بل وأيضًا في الإجابة على أسئلة النواب، يؤكد رخيلة.

سيناريوهات الإقالة

ويشدد رخيلة على أن مسألة الإقالة او الاستقالة، التي قد تمس رئيس الجهاز التنفيذي أيمن بن عبد الرحمن وحكومته، لا تعفي الحكومة من تقديم بيان السياسة العامة، بل قد يكون تقييم النواب لعمل الحكومة سببًا يستند إليه رئيس الجمهورية في إقالة الوزير الأول وقد تتم الإقالة قبل افتتاح الدورة، ويتم تعيين وزير أول يقوم بتقديم بيان السياسة العامة.

أما رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني سيد احمد تمامري، وخلافا لذلك، يصرح لـ"الترا جزائر" أنه في حال أجرى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تعديلا حكوميا يمس منصب الوزير الأول، لا يمكن الحديث عن عرض بيان السياسة العامة، فمن غير المعقول، حسبه، أن يعرض وزيرًا جديدًا حصيلة حكومة سابقه، وفي حال كان التعديل جزئيا، فالوزير الأول سيكون مجبرًا على عرض بيان السياسة العامة وقتها.

ويقول تمامري: "الحكومة ستعرض بيان السياسة العامة، بداية شهر أيلول/سبتمبر، كما ينص عليه الدستور الذي يلزم الوزير الأول بعرضه أمام نواب البرلمان، وذلك تجسيدًا لمبدأ الشفافية والنزاهة في التسيير لاسيما وان رئيس الجمهورية شدد في العديد من المناسبات على ضرورة التوجه نحو تجسيد مبادئ الجزائر الجديدة التي لن تتحقق دون شفافية ووضوح في التسيير."

وسجل نواب البرلمان اختلافًا حول تاريخ عرض بيان السياسة العامة، لكن تتجه أغلب التوقعات إلى أن الموعد سيكون مطلع السنة البرلمانية الجديدة، هنا، يقول تمامري أنهم كنواب في حزب جبهة التحرير الوطني، يشددون على ضرورة عرض بيان السياسة العامة في وقته.

بيان السياسة العامة هدفه تقييم المنجزات لتحقيق المصداقية والشفافية أمام الرأي العام الجزائري

وفي النهاية تبقى الغاية من عرض بيان السياسة العامة، ليس محاسبة رئيس الجهاز التنفيذي والوزراء، بقدر ما سيكون عرض ما تحقق وما لم يتحقق من مشاريع، بهدف بلوغ الشفافية في التسيير.