30-أكتوبر-2021

إيمانويل ماكرون, عبد المجيد تبون (تركيب/الترا جزائر)

فجأة توقفت الاتصالات الهاتفية الدورية بين الرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويسود صمت دبلوماسي بين الجزائر وباريس، إذ لم يغادر السفير الجزائري لدى باريس بلاده حتى الآن بعد الاستدعاء الفوري "قصد التشاور"، وهي عبارة دبلوماسية تترجم عن استياء جزائري من تصريحات الرئيس الفرنسي التي "تجاوزت الأعراف الدبلوماسية وطبيعة العلاقات الثنائية بحسب المراقبين".

عادل أورابح: الجانب الفرنسي كان دائمًا يمتلك أدوات الضغط على الطرف الجزائري عبر تقليص التأشيرات كما جرى مؤخرًا أو تسريب منظم لمعلومات حول ممتلكات بعض المسؤولين الجزائريين في فرنسا

في الحقيقة يَعكس هذا التوتر في العلاقات الدبلوماسية، تباينًا في وجها النظر لعديد الملفات الثنائية بين البلدين، على غرار ملف الذاكرة وملف الهجرة، ويُبرز مخاوف فرنسية من فقدان امتيازات الاقتصادية، ففي الفترة الأخيرة فقدت مؤسستين فرنسيتين عقود خدماتية في مجال تسيير الموارد المائية وإدارة الترامواي.

اقرأ/ي أيضًا:  ماكرون يدعو تبون لمواجهة رافضي مصالحة الذاكرة

من جانبه، يرى مراقبون أن خطوة الجزائر عبر منع الطائرات العسكرية الفرنسية من التحليق فوق أراضيها، تعبيرًا عن تباعد في وجهات النظر في عديد من المسائل ذات الطابع الإقليمي، أوّلها تخصّ تعاطي باريس مع الوضع في مالي وليبيا، هنا يرى مراقبون أن باريس لم تدعم بشكلٍ كافٍ مسار المصالحة الوطنية المالية برعاية الجزائر، والاعتماد على المقاربة العسكرية في مكافحة الإرهاب في شمال مالي دون البحث عن الاستقرار المؤسّساتي ودعم المؤسسة الامنية المالية، في الجانب الليبي تتأرجح باريس بين دعم المؤسسات الشرعية والأطراف السياسية والعسكرية من جهة أخرى حفاظًا على مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب الاستقرار المؤسّساتي في ليبيا.

تباين في المصالح

في السياق، يقول عادل أورابح، المحلل السياسي في حديث لـ "التر جزائر"، إنّ هناك عدة ملفات محل خلاف بين الجزائر وباريس، وذكر بين بيها تلك الملفات المتعلقة بملف الذاكرة، وتصريحات ماكرون الأخيرة التي وردت في صحيفة "لوموند" الفرنسية.

ويٌرجح أورابح أن تكون تصريحات ماكرون، جاءت بسبب خيبته من عدم تفاعل الطرف الجزائري، إذ رفع سقف توقعاته عاليًا بعد التنازلات الرمزية التي قام بها منذ سنة 2017.

وأضاف المتحدّث أنه "من الواضح أن تنازلات ماكرون لم تجن عوائد سياسية كما كان متوقعًا منه، هناك خلافات في طريقة التعامل مع الأزمة الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي، تحديدًا أزمة مالي".

وبحسب أورابح أن الجانب الفرنسي كان دائمًا يمتلك أدوات الضغط على الطرف الجزائري عبر تقليص التأشيرات كما جرى مؤخرًا، أو تسريب منظم لمعلومات حول ممتلكات بعض المسؤولين الجزائريين في فرنسا.

تسريبات صحفية

في سياق الموضوع، أشار عبد الغزيز غرمول، الكاتب والصحفي، عبر صفحته الشخصية في الفيسبوك أن جريدة لوموند أقدمت على خطوة غير دبلوماسية، مضيفًا أن الجريدة نشرت استطلاع يمس بهيبة الدولة الجزائرية ووصفه بالمروع.

وذكر أن الاستطلاع ركز على نقطتين هامتين، أوّلها العدد الكبير من الذين يحملون صفة دبلوماسية وليست لهم وظائف معروفة، النقطة الثانية هي الكثير من هؤلاء يقومون بإجراءات للخصول على الإقامة الدائمة على التراب الفرنسي.

وأشار غرمول أن هذه الفضيحة تأتي مباشرة بعد فضيحة ثانوية السكندر دوما الذي يلهث كبار المسؤولين في هذا البلد لتسجيل أبنائهم. بحسب ما جاء في المنشور.

وختم غرمول أن جريدة لوموند إلى جانب مصداقيتها المهنية هي أيضا الصحيفة الأكثر قربا من السلطات الفرنسية

النظرة الاستعمارية  

من جانبه، يرى حسين قاسمي، الخبير الدولي في اتصال مع "التر جزائر"، أن السباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية في نيسان/أفريل 2022 القادم، يجعل الجزائر محل تجاذبات سياسية بين الأطراف الفرنسية.

وفي تصور قاسمي، فإنّ النزعة الكولونيالية هي الطاغية على الخطاب السياسي الفرنسي بكل أطيافه ومدراسه السياسية، معتبرًا أن الطغيان الخطاب اليميني المتطرف يطبع اللغة السياسية والإعلامية في المشهد الفرنسي، وهو إفلاس سياسي وانسداد في مخاطبة الرأي العام الفرنسي.

الجزائر تقف على الحيادـ على حدّ قوله.

من جانبه، قال لحسن خلاص، المحلل السياسي، إن الجزائر هذه المرة لا تريد أن تعطي الرئيس ماكرون صكا على بياض بالنسبة للانتخابات المقبلة كما فعلته بالنسبة للعهدة الأولى، أو على الأقل ليس هناك اجماعًا على ذلك جزائريًا.

وفي منظور محدث "التر جزائر" أن كل محاولات ماكرون الاقتراب من الدوائر الفاعلة في الجزائر لم تجد سبيلًا، لذلك قام بمحاولة الضغط، وأوضح أن "الجزائر لا تريد لعب ورقة ماكرون بثمن زهيد، وهو ما جعل الرئيس الفرنسي يلجأ إلى سلاح تقليص التأشيرات، بعض ضغط على مسألة المهاجرين غير الشرعيين".

في هذا السياق، يتوقع خلاص أن التوتر السائد بين الجزائر وفرنسا ظرفي لن يتعدى الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة، بعد أشهر قليلة من الآن.

الدائرة المؤثرة

توحي انتقادات ماكرون للنظام الذي وصفه بـ "السياسي-العسكري"، إشارة ضمنية إلى الدائرة الفاعلة في النظام الجزائري المتمثلة في المؤسسة العسكرية والمستاءة من الوجود العسكري في مالي، وهذا نتيجة فشل القوّات الفرنسية في مكافحة الإرهاب في شمال مالي، بل توسعت العمليات الإرهابية في كامل شريط الحدودي للدول الساحل نتيجة هذا الإخفاق والتواجد العسكري، كما تُحاول باريس خلق قوّات عسكرية لمجموعة دول الساحل الخمس، بديلًا عن "لجنة الأركان العملياتية المشتركة" بين الجزائر وموريتانيا ومالي ونيجر مقرها في جنوب الجزائر.

تناولت الصحف الفرنسية في الآونة الأخيرة التقارب الجزائري-التركي والتوسع الصيني في شمال أفريقيا، وعبرت عن مخاوف من التراجع الفرنسي السياسي والاقتصادي في المنطقة

من الجانب الاقتصادي تناولت الصحف الفرنسية في الآونة الأخيرة التقارب الجزائري-التركي والتوسع الصيني في شمال أفريقيا، وعبرت عن مخاوف من التراجع الفرنسي السياسي والاقتصادي في المنطقة ضمن التحوّلات الإقليمية والدولية، حيث تلعب الجزائر على تناقضات جيوسياسية لوضع مكانتها ومصالحها في المنطقة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تصريحات ماكرون تفتح جرح الماضي بين فرنسا والجزائر

ماكرون "يتهرّب" من ملفّ الذاكرة ويُهنئ الجزائريين بذكرى الثورة