مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الجزائر، تردّدت أحزاب محسوبة على التيار الإسلامي في الجزائر في إعلان موقفها الصريح من تقديم مرشّح منافس في الرئاسيات القادمة، وأبقت الباب مواربًا أمام عدة احتمالات لمشاركتها في الرئاسيات، منها دعم مرشّح آخر، أو تقديم مرشح من إطاراتها الحزبية، ولكنها أجمعت في مجملها على عدم مقاطعة الرئاسيات، في علاقة بالمصلحة العامة وإحباط المؤامرات الخارجية اتساقًا مع خطابات السلطة.
يعطي تردد الأحزاب السياسية في الجزائر في إعلان مرشحها الرئاسي أو موقفها من الانتخابات القائمة، انطباعًا عامًا بوجود غلق سياسي
بدأت القوى الإسلامية في الجزائر، التفكير في خياراتها السياسية التي ستتبناها خلال استحقاق الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرّر ترتيبها نهاية العام الجاري، إذ شرعت هذه القوى في إجراء المناقشات الداخلية وتشكيل هيئات تكفل لها صياغة الخيار والموقف الانتخابي.
وتبرز في هذا السياق أربع خيارات محتملة لـ"القوى الإسلامية"، بين توجّه نحو دعم مرشح السلطة الرئيس عبد المجيد تبون في حال أعلن عن ترشحه، تميل إليه حركة البناء الوطني، وتقديم مرشح حزبي بالنسبة لحركة مجتمع السلم، ودعم أحد المرشحين بالنسبة لقوى أخرى مثل حركة النهضة وتوقعات بالعزوف عن المشاركة بالنسبة لـ"جبهة العدالة والتنمية".
الاستمرارية ..
على بُعد أشهر من الانتخابات الرئاسية، تعود أبرز الأحزاب المحسوبة على "التيار الإسلامي" للواجهة، وموقفها من هذه الاستحقاقات إذ تحدثّت حركة البناء الوطني عن الانتخابات وتم تشكيل هيئات داخلية تُعنى بالاستحقاقات القادمة، إذ نظمت ندوة مفتوحة مع النخب حول مناخ الانتخابات وحول السياق العام للانتخابات الرئاسية 2024، ورهانات الطبقة السياسية والمواطنين في هذه المحطة المهمّة في مسار البناء الديمقراطي واستمرارية مؤسّسات الدولة بما يعكس دور الأحزاب في تأطير النقاشات الوطنية مع النّخب والمتابعين ورجال الاعلام.
الملاحظ أن حركة البناء الوطني، التي تأسّست قبل عشر سنوات، تتحدّث عن دعم الاستقرار والاستمرارية وهذا يعني أنها تتوجّه نحو دعم الرئيس عبد المجيد تبون، ففي خطاب أمام كوادر حزبية قال رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة "لقد كنت شخصيًا منافسًا للرئيس في الانتخابات السابقة (2019) ولكنني بعد فوزه وانطلاقًا من قناعات جماعية أصبحت معاونًا للرئيس قصد إنجاز تعهداته امتثالًا للمسؤولية السياسية والأخلاقية وذلك من أجل الجزائر، ونداء الوطن بكل ما نملك من قدرات".
هذه التصريحات، تفيد صراحة بأن الحركة ستدعم مرشح السّلطة، أو المرشح الرئاسي، الرئيس الحالي تبون، أي أنه من المتوقع أن تسير من الدعم المطلق للرئيس إلى الدعوة إلى تحالف سياسي يجمعها مع أطراف أحزاب الموالاة التي تعودت على أن تسند الرّئيس.
اللاّفت أن بن قرينة الذي كانت له طموحات سياسية، حيث تقدّم للسباق الانتخابي لاعتلاء سدة الحكم في 2019، أشار ضمنيًا أن التداول على السّلطة لن يكون خلال الخمس سنوات المقبلة، وهو ما يعني أنه أزاح فكرة الترشح للاستحقاقات من جهة، في مقابل تدعيم الرئيس تبون لمواصلة مسيرة البناء من جهة أخرى، مرجِّحًا الرواية السياسية التي تسعى نحو الاستقرار أولًا، وتعزيز خطاب ضرورة استكمال البرنامج الرئاسي في سياق مخطط "الجزائر الجديدة" ثانيًا.
القرار بيد المؤسسات
على عكس حركة البناء الوطني، التي أبرزت موقفها شبه الحاسم من الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا توافق حركة مجتمع السلم المحسوبة هي أيضًا على التيار الإسلامي في الجزائر، مع هذا الرأي الذي يلبي مشروع السلطة.
وعليه، فتحت "حمس" ورشات نقاش داخلية في صفوف الحركة حول الانتخابات الرئاسية، إذ أقبلت على تفعيل لجنة الانتخابات الداخلية والتي عقدت أول اجتماع لها، تناول مباحثة المشروع السياسي والتوجهات التي ستنتهجها الحركة في الأشهر المقبلة، وفقًا للمشهد السياسي العام في البلاد.
وبالرغم من أن رئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني، قال إن الحركة معنية بالانتخابات الرئاسية، نظرًا لكونها حزب مِحوري وله موقعه السياسي، إلّا أنه لفت إلى أن الحركة ستذعِن للقرار الذي ستتخذه مؤسسات الحزب، خاصة فيما تعلق أولًا بالمشاركة في الانتخابات من موقع تقديم مرشح للمنافسة الانتخابية، أو عدم المشاركة.
وتعود الانتخابات الرئاسية لتحرّك الأجواء الساكنة في قلب الحركة، إذ كثيرا ما لجأت الحركة إلى التصويت عبر مختلف الأطر المؤسّساتية خصوصًا في قرار مشاركتها في الانتخابات من عدمها، وحتى المشاركة في الحكومة من عدمه، والرضوخ لأي قرار ناجم عما تتمخّض عنه نقاشات المؤسسات الداخلية في الحركة.
وتتجه "حمس" بحسب متابعين للشّأن العام في الجزائر، إلى تقديم مرشّح للمرة الأولى منذ انتخابات عام 1995، لأن مواقفها الحالية لا تجعلها قريبة من دعم ترشح الرئيس عبد المجيد تبون للعهدة الثانية.
وكشفت بعض الأطراف في الحركة لـ"الترا جزائر"، بأن الحركة لديها عدة خيارات، إذ تزخر بوجوه يمكن تقديمها للسباق الانتخابي، خاصّة أن الجو العام ينبئ بتهيئة الساحة لبروز وجوه في هذه الرئاسيات تحت مظلّة التنافس الإيجابي.
هذه الفرضية، تعيد الحديث عن الحركة في علاقتها بالسلطة للواجهة أيضا، إذ كثيرًا ما أكد رئيس الحركة السابق عبد الرزاق مقري على أن "حمس" حزب معارض لكن ليست خصمًا للسلطة، ومتفتحة على جميع أطر الحوار السياسي، وتساند المنجزات التي تؤدّيها الحكومة، إذ هي كقوة ثانية في البرلمان الحالي، "مارست السياسية".
وعليه، شددت "حمس" اللهجة في الكثير من المواقف ولانت لجانب السلطة في مواقف أخرى، وتعتبر الحركة بذلك في صف المعارضة لأنها غير مشاركة في الحكومة وتعارض "التوجهات السياسية والاقتصادية التي تسلكها الحكومة، وتدافع عن الحريات والممارسة السياسية".
لكن الرأي الغالب في دواليب "حمس" يرفض المشاركة في الحكومة على حساب المناضلين في الحركة لتلبية أغراض شخصية أو كما تُعرف بالمشاركة كـ"واجهة" أو كـ"مشهد" فقط، على حساب المشروع والمنجزات الملموسة.
وعليه تفتح الحركة اليوم الباب أمام التوجّه نحو التأثير في المجتمع أكثر، وأخذ خطوة الانتقال من المشاركة السياسية إلى المشاركة في الحكم، إذ تتجه الأنظار إلى الذهاب نحو الاقتراب أكثر من السلطة ولكن من بوابة الترشح للرئاسيات المقبلة.
وبذلك تخفّ كفة عودة الحركة إلى حضن السلطة مثلما كان كذلك قبل 2013 في فترة رئاسة أبو جرة سلطاني في إطار تحالفها الرئاسي مع جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
قاعدة نضالية
يبدو أن مشاركة الحركة في الرئاسيات من خلال تقديم مرشّحها للاستحقاقات المقبلة، مرهون بما أسماه مقري بـ" الفرصة السانحة للتقدم للسباق الرئاسي"، وهو ما أعلنه صراحة، بوجود طرفي المعادلة الانتخابية وهما: الرغبة أولًا، إذ لم يخف مقري في تصريحات لـ"الترا جزائر" رغبته في الوصول إلى سدة الحكم، أي الترشح للرئاسيات " خدمة للبلد وتحقيق الازدهار للمجتمع"، أما ثانيًا فتتمثل حسبه دائمًا في " قدرته كشخصية تمرست السياسية بدء من هياكل الحركة ثم قيادتها و تأسيس عدة مؤسسات وتقديم " البدائل" والبرامج السياسية للحكومة أيضًا وتقدير المواقف السياسية وفي العديد من القضايا ذات الشأن الداخلي والخارجي.
تحالف حزبي
في الوقت الراهن، قرار مشاركة حركة مجتمع بمرشح منافس لمنصب الرئاسة، أو المشاركة بتزكية مرشح أو في إطار تحالف سياسي كآداء الحركة في السباق الرئاسي لم يظهر جليًا حاليًا، فكلها رهانات ستفصل فيها الحركة في إطار دواليب "حمس" الداخلية، خصوصًا أن الحركة ستحاول استرجاع حاضنتها الاجتماعية في علاقة مباشرة مع الشعب، خاصة وأن الأمور لا تسير وفق منهج سياسي معين عقب الحراك الشعبي في 2019، وتجاوز تداعياته تلك يحتاج إلى إعادة العلاقة بين الشعب والأحزاب أولًا، ثم بين الشعب والحركة ثانيًا.
أما بالنسبة لحركة النهضة، فإنها تقترب من حيث تحالفاتها السياسية مع حركة مجتمع السلم وبالتالي قد يكون خيارها دعم مرشح "حمس" هو الأقرب نسبيًا لانسجامها مع أطروحاتها ومحاولة لملمة مناضليها المحسوبين على هذا التيار في انتظار استحقاقات أخرى.
وفي هنا الصدد، وجب التذكير بأنه سبق لها أن دخلت في تحالف انتخابي مع حركة مجتمع السلم في انتخابات نيابية عام 2017، كما يطرح البعض فرضية دعم النهضة للرئيس تبون خاصّة وأنها أبانت قناعتها بمختلف سياساته وبرنامجه الرئاسي.
أما بالنسبة لجبهة العدالة والتنمية التي يقودها المرشح الرئاسي السابق عبد الله جاب الله والتي تبدو أقرب إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية، خاصّة وان نشاطها السياسي تجمد بشكلٍ لافت في المرحلة الأخيرة من جهة، ومن جهة أخرى لكون أن مواقفها ما تزال حادة نسبيا خيارات السلطة وسبق لها مقاطعة انتخابات 2019.
الممارسة قبل المنافسة
في هذا المضمار، يرى المختص في العلوم السياسية الأستاذ كريم جباري، بأن مشاركة هذه الأحزاب في الرئاسيات، تدخل في إطار إعادة الاعتبار لما يعرف إعلاميا بـ"التيار الإسلامي"، الذي يمتلك وعاءً انتخابيًا معتبرًا، بدأ يخفت نوعًا معا خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي من حقه المشاركة في تسيير شؤون الدولة.
وأضاف جباري لـ"الترا جزائر"، بأنّ هذه الأحزاب كانت موجودة في أغلبها خلال المواعيد السياسية والانتخابية، وبعض مسارات السلطة، لكنها في المقابل لم تدخل المنافسة الرئاسية كمنافسة أكبر تكلفة.
لكن في الوقت الحالي، فإن السؤال الذي يُطرح هل سيكون هناك ممثّل لـهذه المكوّنات السياسية المهمة في الانتخابات المقبلة؟ وهل تتوجّه المعارضة إلى انتخابات متعدّدة الوجوه بمرشّح حاسِم؟
إلى حين ذلك، وجب الإشارة إلى حالة القلق السائدة في الأحزاب السياسية سواءً كانت من الموالاة أو المعارضة بخصوص الجو السياسي العام في الجزائر، بسبب ضبابية الممارسة السياسية ومن وضعية مناخ مساحات التعبير والأمل على تكريس فضاء أرحب للحريات.
الرأي الغالب في دواليب "حمس" يرفض المشاركة في الحكومة على حساب المناضلين في الحركة
يعطي تردد الأحزاب السياسية في الجزائر في إعلان مرشحها الرئاسي أو موقفها من الانتخابات القائمة، انطباعًا عامًا بوجود غلق سياسي، ويقين من عدم جدوى دخول المنافسة مع مرشح السلطة، وتعيد هذه الخيارات التي طرحتها الأحزاب الإسلامية إلى الأذهان، سيناريوهات سابقة كانت تُحاك في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وقد سمي المرشحون الذين دخلوا في انتخابات رئاسية شكلية بـ "أرانب السباق" وقتها.