29-أبريل-2024

من أمام جامعة الجزائر (فيسبوك/الترا جزائر)

في نهاية كل موسم جامعي وبداية آخر، تسلط الأضواء على أرقام النجاح ونسبه، فضلًا عن إحصائيات المخرجات الأكاديمية من بحوث علمية وإنسانية في الجامعات الجزائرية، في حين لا يتمّ التركيز على بعض الظواهر السلبية خلال السنة الجامعية، منها تغيب الطلبة المتكرّر في المحاضرات ونسب الرسوب والتسرّب الجامعي.

الأستاذ كريم بلونة لـ "الترا جزائر": مجانية التلعليم رفعت من نسبة عدم اكتراث الطالب بالحضور للمحاضرات والدروس التطبيقية

في هذا المضمار، كشف مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي عبد الجبار داودي، أن نسبة الرسوب بلغت 17 في المائة، في حين لم يذكر رقمًا محددًا عن نسبة التسرّب الجامعي، التي اعتبرها المهتمون بالشأن الجامعي "ظاهرة".

ذلك ما حدا الفاعلين في قطاع التعليم العالي، إلى طرح سؤال الإصلاح في الجامعات مجددًا، رغبة في النهوض بالتحصيل الدراسي، موازاة مع معرفة أسباب "الفشل" الأكاديميّ في عديد التخصصات، فهل هي مرتبطة بالدراسة والبرامج الجامعية؟ أم هناك أسبابٌ وعوامل أخرى؟

للظاهرة مقدمات

يعتبر التسرّب الجامعي، "عدم القدرة على التحصیل في المواد الدراسية، وعدم تخطّي المستويات التعليمية بنجاح"، يعود سبب هذا الإخفاق إلى مجموعة من العوامل التي تُحبط الطالب الجامعي وتعيقه من الانتقال من مستوى إلى آخر، أو عدم نجاحه في مادة دراسية أو أكثر، وفي النهاية يودع الدراسة مكرهًا لا بطل.

ويتحدّث الأساتذة في عديد المعاهد والكليات الجزائرية لـ"الترا جزائر"، عن "ظاهرة التسرب" الجامعي، إذ لها مقدّمات أو خطوات، فعند تراكمها تنتهي علاقة الطالب بالدراسة نهائيًا، وفي المقابل وفي ظلّ تكرارها طول السنة الدراسية يمكّن تحسسها قبل أن تصبح واضحة أو تحصيل حاصل ومعمّمة، ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ووضع أسلوب وقائي لها.

ومن مشاهد هذه الظاهرة: "الغياب المتكرّر للطلبة عن المحاضرات، أو الهروب من المحاضرات وعدم متابعتها كاملة، بالإضافة إلى عدم الاكتراث بها، حتى وإن حضروا في القاعات، فضلا عن التأخر عن موعدها دون الاهتمام بها.

وسط دوامة

هناك عدة عوامل للتسرّب الجامعي، إذ تقول الأستاذة كريمة مناصرية من جامعة تبسة (تخصص علوم اقتصادية)، إنه من بينها انعدام وجود نظام الرقابة الصارم، وتساهل البعض مع الطلبة، من جهة، ومن جهة أخرى، فالمحاضرات بنظام الجامعة المعمول به، تبقى غير مفروضة على الطلبة، ما يتيح لهم الاخيار بين الحضور من عدمه، وذلك ما يبعدهم عن الدراسة شيئًا فشيئًا.

عدم ارتباط المناهج بحاجات المجتمع، وعدم تلبيتها لشغف وميول الطلبة وهواياتهم، عامل آخر لا يقل أهمية عما سبق ذكره، كما تضيف الأستاذة مناصرية، لـ"الترا جزائر"، موضّحة أن ذلك جعل من الدروس المعروضة على الطلبة في الكثير من الأحيان "نمطية"، ومكررة أو نظرية فقط.

كما لا تنسجم مع التطورات التكنولوجية الحاصلة، فضلًا عن طرق التدريس الكلاسيكية التي لا تتوافق هي الأخرى في الكثير من الأحيان بظروف التطور التكنولوجي.

من جانب آخر، تفرض الوضعية الاجتماعية الصعبة للطالب، الكثير من الضغوطات التي تشغله عن الدراسة، إضافة إلى عدم التشجيع العائلي وعدم انسجامها مع طموحاته ورغباته، ما يضعف ارتباطه بالجامعة.

وعلاوة على ما سبق، وراء التسرب الجامعي أسباب أخرى تدفع العشرات إلى ترك مقاعد الجامعة بشكل كلي قبل إنهاء مرحلة من مراحل من السلم التعليمي، كما أن هناك سمات ترتبط بالطلبة المتسربين.

إلى هنا، يقول الأستاذ كريم بلونة من جامعة قسنطينة للعلوم الاجتماعية والإنسانية، إن هناك فئة تعاني من عقبات في الفهم، وعدم توافقهم مع التخصّص الذي يدرسونه، موضحًا في حديث لـ" الترا جزائر"، أن العوامل الاجتماعية كالفقر من أسباب ذلك، إذ يتسرب الطالب نظرًا لعدم اقتناع أسرته أساسًا بأهمية التعليم.

في سياق متصل، طرح الأستاذ بلونة إشكالية "مجانية التعليم الجامعي"، إذ ترفع -حسبه- من نسبة عدم اكتراث الطالب بالحضور للمحاضرات والدروس التطبيقية، فـ" مجانية التعليم حمالة لأوجه"، إذ هي ضرورة ملحة تضمن لكافة الجزائريين التعليم تارة، غير أنها تجعل من الطالب يتساهل مع التحصيل الدراسي وربما عدم الاهتمام به، تارة أخرى لأنه لا يدفع عليه مالًا، ليصبح بذلك "عبءًا على الدراسة".

وشرح الأستاذ ذلك بقوله إن الدراسة في بعض الحالات هي آخر انشغالات الطلاب، لأنها مجانية ولا تفرض قوانينها الصارمة، فإن لم تُفلح في مادة لن تسقط ولن تدفع قسطًا آخر من المال لاجتيازها، ففي النهاية سيحصل على الدروس، وسيمتحن ثم سيمر إلى السنة المقبلة.

حلول وإصلاحات

لتفادي الفشل الدراسي في الجامعات، وضعت الوزارة استراتيجية مُحكمة من شأنها أن تُعيد "الهيبة للدراسات الجامعية"، وتبعث الطالب نحو التحصيل بـ" جدية" كبيرة، ومعالجة أهمّ الأسباب المؤدية إلى التسرب، تشرف عليها مجموعة من الخبراء وتشرّك فيها عدّة جهات متداخلة مع الشّأن التربوي والتعليمي المدرسي والجامعي.

والملاحظ أن الكثير من الطلبة يعتقدون أن الشّهادات العليا تحصيل حاصل، ولا يبذلون جهدًا للتحصيل خلال السنة، ما شكل تدهورًا واضحا في بعض التخصصات العلمية على وجه الخصوص".

ومن بين الخطوات، ووفقًا لقرار صادر في 9 شباط/فيفري من العام الماضي، حددت وزارة التعليم العالي  "كيفيات الانتقال والتقييم في الطور الأول الليسانس والطور الثاني الماستر"، وعليه وضعت الوزارة مجموعة من المحددات والمعايير والشروط أيضًا التي تخص سير الامتحانات والتعويض بين السداسيات والأرصدة المطلوبة للانتقال، حيث تنظم وفقًا لذلك دورتان للامتحان بعنوان كل سداسي، الأولى عادية، في حين أن الجديد يكمن في عقد الدورة الاستدراكية بعد المداولات النهائية للدورات العادية، على أن تتم المداولات حصريًا عبر المنصة الرقمية لتسجيل الطلبة التابعة للوزارة "بروغرس".

وأشارت الوزارة بناء لهذا القرار، إلى أنه "لا يحقّ للطالب المقصى من مادة أو وحدة تعليمية بسبب تأديبي، الحصول على علامة فيهما، كما لا يحق له المشاركة في الدورة الاستدراكية لهذه المادة أو الوحدة".

كما وضعت الوزارة سلّمًا تقييميًا يتعلق بـ" تحديد سنوات الرسوب في كل طور"، وعليه " لا يحقّ للطالب في طور الليسانس البقاء أكثر من خمس سنوات في تحضير الشهادة حتى في حالة إعادة توجيهه، وبهذا فيسمح فقط بإعادة السنة مرتين فقط له باحتساب مدة التكوين في الليسانس بثلاث سنوات، ويمكن للطالب النجاح في حال اكتسب 120 رصيدًا خلال الخمس سنوات في مسار تكوين، واستثناء يمكن أن يستفيد من تسجيل سادس باقتراح من لجنة المداولات وموافقة رئيس القسم.

هذا بالنسبة لطور الليسانس، كأساس التكوين الجامعي نحو عتبة الدراسات المعمقة أو المتخصصة أكثر، إذ أوضحت أستاذة الإنجليزية بجامعة بوزريعة وردة مليكشي أن الطلاب في الجامعات عمومًا، ينتقلون من الثانوية في أولى سنواتهم بالجامعة بـّ ذهنية التحصيل والفوز بالنقاط" في حين "تدريبهم على البحث والقراءة والمعرفة أصبح صعبًا التحكم فيه نظرًا لعدة أسباب".

وتتعلق الأسباب حسب الأستاذة ميليكشي بـ" انعدام الشغف المعرفي الذي يملك الطالب وسهولة العثور على المادة العلمية عبر الشبكات التكنولوجية، التي بدورها أنتجت لنا طلابا يرتضون السهولة في التحصيل الدراسي دون سواه"، كما أكدت على أهمية ربط الطلاب بمجالات متعددة التخصصات وإلحاقها بالميدان.

بينما في طور الماستر،  شددت الوصاية في قراراتها على أنه "لا يمكن للطالب البقاء أكثر من ثلاث سنوات في التكوين لنيل شهادة الماستر، في حين يسمح له بالانتقال من السنة الأولى إلى السنة الثانية بعد اكتسابه السداسيين الأولين لمسار التكوين بمجموع ستين رصيدا، سواء عن طريق التعويض أو دون تعويض، أما السنة الثانية من التكوين فلا يمكن التعويض فيها بين السداسين الثالث والرابع، وفي حالة الإخفاق في الدورة العادية يمكن للطالب المشاركة في الدورة الاستدراكية بالنسبة للاختبارات المتعلقة بالوحدات التعليمية غير المكتسبة في هذه الحالة، يحتفظ الطالب بالمواد المكتسبة، ويتقدم الإجراء الاختبارات المتعلقة بالمواد غير المكتسبة.

التوجيه في الباكالوريا

وبخصوص شبكة التقييم في التكوين لنيل شهادة مهندس دولة وشهادة مهندس معماري، أوضح القرار الوزاري بأنه لا يحق للطالب الرسوب خلال السنتين المخصصتين للتكوين القاعدي أي الجذع المشترك سوى مرة واحدة فقط، وفي هذه الحالة تلزم الجامعة الطالب "إعادة المواد غير المكتسبة المكونة للسداسي"، بينما يترتب على الرسوب لأكثر من مرة في السنتين الأوليين للتكوين إعادة توجيه الطالب من طرف الفريق البيداغوجي نحو مسار التكوين في الليسانس في الجامعة أو المركز الجامعي، على أن تحدد علامة إقصائية لكل مادة في انطلاق كل سداسي، بينما يتمّ تقييم التربصات المقررة في التكوين لنيل شهادة مهندس دولة وشهادة مهندس معماري وفقًا لأطر إدارية تعمل من خلالها الجامعات.

أستاذة الإنجليزيةوردة مليكشي لـ "الترا جزائر": الطلاب في الجامعات عمومًا في أولى سنواتهم بالجامعة يأتون بذهنية التحصيل والفوز بالنقاط

وفي إطار غياب حديث رسمي عن إشكالية التسرب الجامعي، دعا العديد من الأساتذة ومسؤولين في قطاع الجامعات إلى ضرورة تحسين مستوى التوجيه للناجحين في شهادة الباكالوريا لمحاولة إنقاذ العشرات ممن غادروا الجامعة دون استكمال التحصيل العلمي وبلا وِجهة  أو طريق.