27-أبريل-2021

في تجمع شعبي لحزب "الأفلان" (تصوير: رياض قرامدي)

بدأ العدّ التنازلي للانتخابات التشريعية الجزائرية المقررة في الـ 12 حزيران/جوان المقبل، ومعه بدأ التساؤل عن التشكيلة التي سيكون عليها البرلمان المقبل، خاصة ما تعلق بقدرة أحزاب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في الحفاظ على الأغلبية بالمؤسسة التشريعية أو على الأقل الفوز بعدد مقبول من امقاعد، وهي التي انتفض الشعب ضد ممارساتها في 22 شباط فيفري 2019.

أحزاب الموالاة أمام امتحان حقيقي يتعلّق بقدرتها على حصد مقاعد في البرلمان خارج كوطات السلطة

وإذا كانت ثورات الربيع العربي قد حلت حزب التجمع الدستوري التونسي والحزب الوطني المصري، فإن الحراك الشعبي الجزائري لم يستطع إرسال حزب جبهة التحرير الوطني إلى المتحف مثلما كان يتداول، لتجنيب تاريخه النضالي ضد الاستعمار مزيدًا من تشويه السمعة الذي لحقه بعد الاستقلال، وبالخصوص في السنوات العشرين الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: التشريعيات الجزائرية.. أسبوع حاسم أمام الأحزاب والقوائم المستقلة

أوّل امتحان

تجد أحزاب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية، لأوّل مرة نفسها أمام امتحان حقيقي يتعلّق بقدرتها على حصد مقاعد في البرلمان خارج كوطات السلطة، ومنطق "الشكارة" الذي كان الفيصل في شراء المقاعد والترشح لأي استحقاق انتخابي.

وتختلف وضعية كل حزب منها  قبل موعد التشريعيات، فالحزب العتيد الذي كان يتبجح في السنوات الأخيرة برئاسة عبد العزيز بوتفليقة، يحاول اليوم التبرؤ من هذا العار الذي يلازمه، فالأمين العام الحالي أبو الفضل بعجي الذي كان إلى وقت قريب أشرس المطبلين لسياسة الرئيس السابق، يسعى اليوم لإبعاد وصمة الفساد الذي غرق فيه الأفلان في السنوات الأخيرة.

ورغم محاولات بعجي إعطاء صورة أنّ الحزب الحاكم سابقًا قد استطاع الخروج من أزمة انتفاضة الجزائريين ضد رئيسه السابق، إلا أنها باءت كلها  بالفشل بالنظر إلى أن المشاكل الداخلية والحركات التصحيحية وسياسة التموقع لا تزال سيدة الموقف في صنع القرار داخل الأفلان، فالبقاء في المنصب يكون لأصحاب الولاء، ومن يعصي ذلك يكون جزاءه الإقالة.

أما التجمّع الوطني الديمقراطي الذي يقبع أمينه السابق أحمد أويحيى في السجن بتهم فساد، فيحافظ على النهج الذي سار عليه باعتباره حزب الإدارة، إذ لم يخرج الأمين العام الحالي الطيب زيتوني عن الخط الذي ارتبط بتشكيلته السياسية، بأن يكون السباق لتزكية كل قرارات السلطة والمشاركة في الانتخابات.

ويبدو "الأرندي" أنه قد طوى قضية الانضباط الحزبي على الأقل مقارنة بغريمه الأفلان، وأصبح أمينه العام الطيب زيتوني يرافع اليوم للقطيعة مع الممارسات السابقة، على حدّ قوله.

وبالنسبة لتجمع أمل الجزائر، فبعد بقائه لفترة طويلة دون قيادة منذ إيداع رئيسه السابق عمار غول الحبس إثر إدانته بتهم فساد، انتخب أخيرًا في سبتمبر الماضي وزيرة البيئة في عهد الرئيس السابق فاطمة الزهراء زرواطي رئيسة للحزب، والتي تقول إن تشكيلتها السياسية تحمل اليوم رؤية جديدة تختلف عن تلك التي كانت في السنوات السابقة.

أما الحركة الشعبية الجزائرية، فإن خروج رئيسها عمارة بن يونس من السجن لم يكن كافيًا لإعادة بعث نشاط الحزب من جديد، ليبقى متواريًا عن أي حركة حزبية ونشاط سياسي حالي.

تغيير الجلد

قال أبو الفضل بعجي، في مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول التركية إن الشعب هو الوحيد الذي يملك سلطة إقصاء حزبه جبهة التحرير الوطني من المشهد السياسي عبر الانتخابات التي أعلن مشاركته فيها.

ولتفادي هذا الإقصاء استنجد "الأفلان" بوجوه جديدة في قوائمه التي قدمها للترشح لتشريعيات 2021، والتي لا ينتمي بعضها للحزب ولم يكن لها تاريخ نضالي داخل حزب السلطة الأول، بل أظهرت بعض القوائم أن الافلان استقطب أشخاصًا كانوا محسوبين على تيارات أخرى كالإسلامية منها.

وبالنظر إلى ما تضمنه قانون الانتخابات الجديدة، فقد وجد الحزب العتيد نفسه مضطرًا للاستنجاد بوجوه جديدة، بعد أن أصبحت رموزه التي عمرت لسنوات في قبة شارع زيغود يوسف نفسها ممنوعة من الترشّح لعهدة برلمانية جديدة، وكذا بعد أن لجأ بعض مناضليه الشباب للترشّح في قوائم حرة في محاولة لتبييض صورهم التي ارتبطت بحزب بوتفليقة.

في هذا السياق، أعلن التجمع الوطني الديمقراطي أنه سيقدم مترشّحين شباب للمنافسة على مقاعد البرلمان، فقد أعلن الطيب زيتوني أن 69 في المائة من الأسماء الواردة في قوائمه الانتخابية من الشباب الذين تقلّ أعمارهم عن أربعين سنة.

ولم يختلف سلوك "الأرندي" عن غريمه الافلان، بعد أن رشّح هو الآخر في صفوفه أسماء قادمة من تشكيلات سياسية أخرى، بما فيها تلك المنتمية للحزب العتيد، ولم تجد مكانًا داخل قوائمه الترشيحية.

بداية متعثرة

أكدت تقارير متطابقة أن أحزاب بوتفليقة على غير العادة وجدت صعوبة في جمع التوقيعات المطلوبة للترشح لتشريعيات 2021، وفي مقدمتها جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي اللذين لم يجمعا توقيعات بعدد إضافي كما كان يتم في الاستحقاقات السابقة.

وحسب ما نقلت وسائل الإعلام الجزائرية، فإن حركتي مجتمع السلم والبناء الوطني جمعت توقيعات أكثر من "الأفلان" و"الأرندي"، وهو وضع لم تعشه أحزب بوتفليقة سابقًا.

وبالنظر لتاريخ أحزاب الرئيس السابقة الحافل بشراء الأصوات واستعمال المال الفاسد للوصول إلى السلطة، فإنه كان منتظرًا أن تواجه هذه المشكلة بسبب المواد الردعية التي تضمنها قانون الانتخابات ضد تحالف بين المال والسياسة للوصول للمجالس المنتخبة.

ومع صعوبة استعمال أجهزة الدولة خلال الحملة الانتخابية من أحزاب السلطة هذه المرة، تجد التشكيلات السياسية المحسوبة على الرئيس السابق نفسها أمام أصعب تحدٍّ لها، والمتمثل في رفض شعبي واسع لها، وفقدان سلطة المال الفاسد الذي كان سلاحها الفتاك للتفوق على أي منافس بشراء الذمم مقابل المحافظة على الأغلبية البرلمانية.

تجد التشكيلات السياسية المحسوبة على الرئيس السابق نفسها أمام أصعب تحدياتها

ورغم هذا الوضع الذي لا يصبّ في صالح أنصار الرئيس السابق، إلا أن تجربتها في المواعيد الانتخابية وقدرتها الواسعة على التجنيد قد يجعلها قادرة على أن تكون حاضرة ضمن تشكيلة البرلمان القادم، مستفيدة بذلك من تأييد مناوئيها لحملات مقاطعة هذا الموعد الانتخابي، وهي حملات تصبّ لا محالة لصالح أحزاب بوتفليقة.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

إسقاط العتبة والتساهل في مسألة المناصفة خلال التشريعيات المقبلة

قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخاب