14-يوليو-2024
الجالية الجزائرية في فرنسا

الجزائريون في فرنسا (صورة: فيسبوك)

تتّجه فرنسا وبريطانيا بشكل ملحوظ نحو اليسار، بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، الأمر الذي قد ينعكس على المشهد السياسي الأوروبي مستقبلًا، وتوقعات بحدوث عدة تحوّلات، على مستوى السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، في ظل تداعيات "طوفان الأقصى"، إضافة إلى تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد والسياسة في كلا البلدين.

ماذا يستفيد المهاجرون من صعود اليسار في هذه الاستحقاقات؟

إلى هنا، يبدو أن الجالية العربية والمسلمة، وخاصّة منها الجزائرية قد تنفست الصعداء مع صعود اليسار في فرنسا وحزب العمال في بريطانيا، كما يتوقع محلّلون أن تؤدّي هذه النتائج إلى تصاعد التصريحات المؤيدة للقضية الفلسطينية، وتغير في السياسات الخارجية للبلدين، فكيف يؤثّر "طوفان الأقصى" على الانتخابات البرلمانية في أوروبا، وماذا يستفيد المهاجرون من صعود اليسار في هذه الاستحقاقات؟

الحرب على غزة

يقول الكاتب التونسي والخبير في الشؤون الأوروبية نزار الجليدي، إنّ التغير في السياسات الأوربية اليوم تحديدًا في فرنسا وبريطانيا بعد صعود اليسار وحزب العمال في الانتخابات البرلمانية، ما هو إلا انعاكس لتداعيات "طوفان الأقصى" ونتائج الحرب الروسية الأوكرانية التي أثّرت سلبًا على سياسات الحكومة الفرنسية، بعدما انعكس ذلك على الظروف المعيشية للمواطن.

وفي هذا الصدد أشار الجليدي، إلى أن البوصلة الأوروبية بعد هذه النتائج المحققة مالت إلى اليسار، متوقعًا "مرحلة جديدة في العلاقات والسياسات الخارجية".

ويرى نزار جليدي في إفادة لـ “الترا جزائر" بأن نتائج الانتخابات في فرنسا وفوز تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" اليساري، بالانتخابات البرلمانيةـ "أحدث تسونامي سياسي" أعاد إلى الأذهان مشهد من مشاهد الجمهورية الرابعة في فرنسا التي حكمتها الكتل البرلمانية، وعليه ننتظر كما ـ يقول المتحدّث ـ أن تودّع فرنسا قريبًا الجمهورية الخامسة قريبًا، معلنة بذلك ميلاد عهد جديد سيشهد لاحقًا صداما بين الإدارة الفرنسية والحراك السياسي الذي سيعطي نتائجه خلال الثلاث سنوات القادمة.

والشيء نفسه، بالنسبة لبريطانيا؛ كما يؤكد جليدي، عقب عودة حزب العمال بقوة للبرلمان بعد مرور 15 سنة، إذ سيطر المحافظون خلال تلك الفترة على زمام السلطة، وهو ما سيفرض عدة تغيرات في موقف الحكومة البريطانية الجديدة بقيادة حزب العمال، يضيف المتحدث، خاصة في علاقة بـ" مواقف الحكومة حيال الحرب في غزة، في ظل تزايد التأييد للشعب الفلسطيني في الشارع البريطاني".

وواصل بأنه "يتوقّع أن تشهد المرحلة المقبلة تصريحات أكثر جرأة بخصوص المواقف المعادية للكيان الصهيوني والمنتصرة للقضية الفلسطينية"، خاصة من جانب اليسار الفرنسي وأيضا حزب العمال الذي يدرك أنً كتلة كبيرة من الذين صوّتوا له خلال هذه الانتخابات يطالبونه باتخاذ خطوات عاجلة وملموسة في هذه القضية.

وبالمحصلة فإنّ ذلك كله "سينعكس إيجاباً على الجاليات العربية والمسلمة في بريطانيا وفرنسا الداعمة للقضية الفلسطينية"، وحتى الفرنسيين والبريطانيين الرافضين لممارسات الكيان الصهيوني في فلسطين".

الجالية الجزائرية

عقب نتائج الانتخابات الأخيرة في فرنسا، يعتقد المحلل السياسي والخبير في القانون الدولي، الدكتور إسماعيل خلف الله، أنّ الجالية المسلمة والجزائرية خاصة، تعيش حالة ارتياح بعد فوز تحالف الجبهة الشعبية الفرنسية بالانتخابات البرلمانية، مشيرا إلى أنّ المخاوف من صعود اليمين المتطرف قد تلاشت في أوساط الجالية. 

وأوضح خلف الله في إفادة لـ" الترا جزائر " أن الهبّة الشعبية التي قادتها الجالية العربية في فرنسا خصوصا الجزائرية، والتي كانت مستهدفة بقوة من قبل حزب "جو ماري لوبان" قد أعطت نتائجها و تمكّنت من قلب كفة الانتخابات لصالح اليسار الذي نال نصيبا أوفر من مجموع المقاعد، وتصدّر الترتيب في الجولة الثانية للانتخابات البرلمانية.

وأرجع المحلل السياسي الخسارة التي مُنّي بها اليمين المتطرف في فرنسا إلى عدة أسباب؛ منها " الغرور الذي امتلك قادته"، خاصة جوردان بارديلا، الذي طالما استفزّ شريحة واسعة من الفرنسيين خاصة من مزدوجي الجنسية، عبر الحديث عن قانون الهجرة الذي يتعارض مع مبادئ الجمهورية الفرنسية المبنية على المساواة والعدالة، وليس من خلال تعميم مصطلح فرنسي من الدرجة الأولى، وآخر من الدرجة الثانية.

وقال:" النّاخب الفرنسي تيقّن من أن مشروع بارديلا المفلس الذي طالما علّق شمّاعة فشل السياسات الفرنسية وضعف اقتصادها وغلاء الأسعار على المهاجر ين لم يعد يجدي "٠

ويرجّح خلف الله، أن تؤثر النتائج المحققة في هذه الانتخابات إيجاباً على الجالية الجزائرية والمسلمة، موضحا أن الأمر لا يتعلّق بفرنسا لوحدها بل حتى بريطانيا التي شهدت هي الأخرى عودة حزب العمال للحكم وقبلها اليسار في إسبانيا.

وبخصوص هذا الانعطاف السياسي نحو اليسار، يصفه المتحدّث بـ" الانتصار للديمقراطية، مشيرا إلى أنّ هناك قناعة تولّدت لدى الناخب الأوروبي، بأنّ التيّار المتطرّف كان يستثمر فقط في ملفات واضحة، تتعلّق بقضايا الهجرة والتهديدات الأمنية لتحقيق مآرب ضيّقة وليس البحث عن حلول جذرية للأزمات التي تتخبط فيها أوروبا على غرار مشكل الطاقة وغلاء الأسعار.

الرئيس الفرنسي المقبل

لكتلة الناخبين من الجاليات المسلمة والجزائرية بفرنسا، لها دور كبير في قلب كفة الموازين، إذ يرى المحلل السياسي، موسى بودهان، أنّه بعد النتائج الأخيرة للانتخابات البرلمانية ستكون فاعلا مهما في المستقبل في علاقة بتحديد ملامح الحكومة الفرنسية وطبيعة الحكم أيضا، بداية من انتخاب خليفة الرئيس ايمانويل ماكرون، ووصولًا إلى رئيس الوزراء فرنسا المقبل.

وفي حين يتوقّع محدث "الترا جزائر " أن تجد فرنسا نفسها معزولة بعض الشيء بعد هذه النتائج داخل البرلمان الأوروبي، خاصة وأنّ هذا الأخير يكاد أن يكون يمينيا بالكامل، لولا تطعيمه مؤخرا بمقاعد برلمانية يسارية ألمانية وفرنسية جديدة، وهذا بدوره ما يؤثر على مواقف باريس تجاه بعض القضايا، أو حتى تمرير مشاريع قانونية أو قرارات عبر هذا البرلمان.

المحلل إسماعيل خلف الله لـ "الترا جزائر": الجالية المسلمة والجزائرية خاصة، تعيش حالة ارتياح بعد فوز تحالف الجبهة الشعبية الفرنسية بالانتخابات البرلمانية

وبالعودة إلى النتائج المحققة في الانتخابات الفرنسية، يقول بودهان، أنّها ترضي طموحات الجالية المسلمة والجزائرية على وجه الخصوص، نظرا إلى البرنامج الانتخابي الذي حمله اليمين المتطرف الذيـ كان يهدد بـ"إلغاء الاتفاقيات الخاصة بالمهاجرين"، لاسيما اتفاقية الهجرة الموقعة سنة 1968 بين الجزائر وفرنسا، وهو ما يعني أنه كان بإمكانه حرمان الجالية من الحقوق المكتسبة وقد يصل الأمر مستقبلا إلى طرد كافة أفرادها من فرنسا باعتبارهم أجانب.