30-أبريل-2019

تتجلى في الجهاز الإداري مشاكل المواطن الرئيسية مع الدولة (REA)

يعيش الجزائريون على أمل التغيير، ويتطلعون إلى الأفضل، غير أنهم يصطدمون بما يعرف في الشارع بـ"سرطان المعريفة"، أي أنّ من يعرف شخصًا في إدارة ما، سواءً قريب أو صديق أو جار، سيسهل عليه تمكينه من الحصول على امتيازات ولو كانت بسيطة، في المقابل يتعذر على الآلاف الحصول على الخدمات التي هي من حقهم بسهولة.

"المعريفة" أو الواسطة والمحسوبية، من أشكال الفساد المتعددة التي تتفشى في الجهاز الإداري بالبلاد، وأكثر ما يُشعر المواطن بانعدام العدالة

إنه شكل من أشكال الفساد المتفشي في الجهاز الإداري بالبلاد، وأكثر ما يقابله المواطن ويشعر به من وجوه انعدام العدالة والمساواة.

اقرأ/ي أيضًا: القطاع العام في الجزائر.. مؤسسات الواجهات الدعائية

رحلة مقلقة

"الطريق نحو استخراج الوثائق الرسمية محفوف بالقلق والتوجس"، يقول محمد نجادي لـ"الترا الجزائر"، مؤكّدًا على أن أصعب الأمور اليومية التي تصادف المواطن الجزائري وترهقه، هي تكوين ملف يضم وثائق رسمية، إذ يتحقق ذلك عبر "رحلة يومية متعبة ومضنية ومرتبطة بتوقيع مسؤول يتحكم مزاجه في الأمور"، يضيف ذات المتحدث.

استخراج أي أوراق ووثائق هي عملية تشوّش الذّهن، وتدخل المواطن العادي في دوّامة لن ينجو منها إلا بشقّ الأنفس، وهو أمر تعترف به كريمة جدايني، وهي موظفة في مؤسسة عمومية تتعامل بشكل مباشر مع المواطنين.

الفساد
طريق المواطن لاستخراج الوثائق الرسمية محفوف بالقلقل والتوجس

جدايني نفسها كانت ضحية لمعضلة مسارات المؤسسات الحكومية، أو ذات "الرحلة المقلقة". تقول: "بعد أن تخرجت من الجامعة ظللتُ ثلاث سنوات عاطلة عن العمل، بسبب أنني وضعت عشرات الملفات في مؤسسات حكومية لاستكمال مسار التعيين"، وفي النهاية بعد رحلة المعاناة، اشتغلت جدايني بعقود ما قبل التشغيل.

عملها المتعلق باستخراج الوثائق الرسمية والمصادقة عليها، تصفه بأنه ممل ومرهق بالنسبة إليها، ومرهق كذلك بالنسبة للمُستخرِج، الذي قالت إنه "يدخل دوامة لا خروج منها بسهولة".

الإحباط يقتل

يقتل الإحباط في كثير من الحالات دوافع الشباب للبحث عن العمل، ومرد هذا الإحباط دوامات الأوراق الرسمية. يزيد ذلك بالتراكم من البطالة في البلاد، و"يخلق حالة من انعدام الثقة في الجهاز الإداري للدولة"، كما يقول نور الدين، وهو عامل في مؤسسة الصناعات التحويلية بمنطقة حاسي مسعود.

وعلى كافة الأصعدة، تتحول رحلة الولوج إلى المؤسسة العمومية إلى جحيم وإن كان لا مفر منه. يقول نور الدين: "استخراج وثيقة رسمية من بلدية، يحتاج إلى أسبوع كامل. أصبح الأمر هاجسًا حقيقيًا".

يختلف الأمر بالنسبة لمن لديهم معارف في هذه المؤسسات، يسهلون عليهم استخراج أوراقهم، الأمر الذي يدفع كثيرين للتساؤل إذا ما كان الأمر بهذه السهولة في حالات "المعريفة"، فلماذا لا يكون كذلك بالنسبة للجميع؟!

محطات البيروقراطية

يقرّ الكثيرون بأنّ أبرز المشاكل في البلاد هي المحسوبية من جهة، والبيروقراطية العتيقة من جهة أخرى. وكما يقول وليد عمار، فإن هاتين المعضلتين "نخرتا في جسم الإدارات العمومية، حتى تحولت لمكان غير قادر على تقديم الخدمات المنوط بها للمواطنين".

مرّ وليد بن عمار، كغيره ملايين الجزائريين، بالمعضلة التقليدية في التعامل مع المؤسسات العمومية، وذلك عندما أراد استخراج الأوراق اللازمة لتجهيز ملفات لوضعها في مؤسسات عمومية بحثًا عن وظيفة، بعد حصوله على شهادة الماستر في قانون الأعمال.

الرشوة
في كثير من الأحيان تصبح الرشوة ضرورة للحصول على الخدمة من المؤسسة العمومية

قبل أن يتقدم حتى إلى الوظيفة، تحول الأمر لـ"حلم بعيد المنال"، بتعبيره، مشيرًا إلى الإجراءات الطويلة لاستخراج الأوراق اللازمة، والتي استمرت شهورًا. "المماطلة وتضييع الوقت والإرهاق، هي محطات تقليدية ستمر بها لاستخراج الأوراق التي تلزمك، وقد تمر في العديد من الأحيان بمحطة الرشوة".

الرشوة أو القهوة!

"ممارسات البعض سببت إحباطًا لدى الشباب، وخصوصًا أصحاب الشهادات العليا، الذين وجدوا الأبواب مسدودة في وجوههم من أجل الحصول على وظيفة"، تقول كريمة سلامي، التي قدمت 20 ملف توظيف في العديد من المؤسسات الحكومية.

لم تفدها ملفاتها ولا المسابقات التي شاركت فيها، في حين أن غيرها استطاعوا تجاوز محطات الإحباط بتقديم "القهوة"! والقهوة، أو كما باتت تعرف الرشوة في ممرات المؤسسات العمومية، تتجاوز في كثير من الأحيان كونها رفاهية لزيادة تسهيل الأمور، إلى أن تكون ضرورة للحصول على الخدمة.

يقول عبدالنور بن يحيى، أستاذ العلوم الاقتصادية، إن الرشوة "من أهم معطّلات عجلة التنمية في البلاد"، مشيرًا إلى أنها سبب لتعزيز انعدام العدالة في توزيع الحقوق والفرص، بأن تعطي امتيازات لمن يدفعها يُحرم منها آخرون لهم الحق فيها.

الرشوة من أهم معطّلات عجلة التنمية في البلاد وهي سبب لتعزيز انعدام العدالة في توزيع الحقوق والفرص

يمثل الجهاز الإداري للدولة غولًا بالنسبة للمواطن، تتجلى فيه مشاكله الرئيسية مع النظام، لذا قد يبدو بديهيًا أن يلفت كثيرون، في خضم زخم الحراك الشعبي وآمال التغيير، إلى ضرورة أن تبدأ بوادر التغيير من أكثر الأمور ارتباطًا بالمواطن بشكل مباشر، كبادرة حسن نية تعيد الثقة إلى الدولة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أن تكون صديقًا لوزير الثقافة في الجزائر!

الجزائريون يحجون إلى تونس بحثًا عن وصفة الشفاء!