تظهر مؤشّرات في الجزائر اقتراب موعد إجراء تعديل وزاري، يرجّح أن يتم بعد الاحتفالات المخلّدة لعيد الاستقلال المصادف لـلخامس تموز/جويلية، ويُرتقب أن يُبعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون فيه عشرات الوزراء يتقدّمهم الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، بعد عام واحد فقط من إجراء آخر تعديل وزاري.
يُرتقب أن يُبعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في التعديل الحكومي القادم عشرات الوزراء يتقدّمهم الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان
وفي الأسابيع الأخيرة جرى على مستوى الدوائر الحزبية، تسويق فكرة أن يتوجه الرئيس تبون إلى تشكيل حكومة سياسية وطرح أسماء المرشحين لعضوية الحكومة وخلافة بن عبد الرحمن، على أمل تحقيق حركية في العمل الحكومي، منهم وزير مخضرم عمل في فترة الرؤساء السابقين الشاذلي بن جديد (1979-1992)، واليمين زروال (1994-1999) وعبد العزيز بوتفليقة (1999-2019)، ويتعلق الأمر بالشريف رحماني (77 سنة).
وورد قبل فترة أن رحماني الذي شغل مناصب حكومية عدّة؛ منها وزارتي التجهيز والبيئة تفاوض بعد عودته من مقر إقامته في أوروبا مع مسؤولين كبار في الدولة، لكن شكوكًا قائمة حول نجاح المفاوضات مع الرجل الذي يميل إلى وضع لمسته على فريقه الحكومي باستثناء المناصب السيادية وفي مقدمتها الخارجية، الداخلية والعدل، زيادة عن مخاوف المقربين من الرئيس تبون من تصدر رحماني المشهد، مستغلًا طلاقة لسانه وخبرته وعلاقاته في أوساط وسائل الإعلام.
وزراء السكن
وفي المفكرة أيضًا موالون للرئيس تبون الذي يعتقد أنه يخطط للترشح لعهدة رئاسية جديدة بعد نهاية ولايته الحالية التي تكتمل بعد عامين ونصف الآن، أهمّهم وزير داخليته كمال بلجود (65 سنة)، وهو من الوزراء النافذين في الحكومة الحالية.
عمل بلجود المتخصّص في الإحصاء والتخطيط مع الرئيس الحالي كأمين عام لوزارة الإسكان في العام الأخير للرئيس الحالي على رأس القطاع في 2016، الذي صنع شعبية تبون بفضل برامج السكن ومنها برنامج تمليك شقق عن طريق الإيجار تحت مسمى "عدل"، حيث مكن مئات الآلاف من متوسطي الدخل في الجزائر من حيازة سكن خاص بهم.
وفي 2019 رقي بلجود لمنصب وزير الإسكان لغاية تكليفه بوزارة الداخلية في حكومة عبد العزيز جراد (كانون الثاني/جانفي 2020- تموز/جويلية 2021) واحتفظ بمنصبه في حكومة أيمن بن عبد الرحمن ( تموز/جويلية 2021-...). ويستمد وزير الداخلية الحالي قوته من أهمية قطاعه والذي يشمل الإدارة والتنمية الاقليميين التي يشرف عليها ولاة وهم موظفون حكوميون كبار يلعبون أدوار بارزة في إدارة شؤون الدولة وتنفيذ سياساتها، ويحوزون على صلاحيات أمنية واقتصادية وفي مجال العقار.
ويملك وزير العمل الحالي يوسف شرفة (68 سنة) حظوة لدى الرئيس تبون، حيث استنجد به من جديد للعمل في فريقه في الحكومة بعد أن عمل معه أيام توليه الوزارة الأولى بين أيار/ماي وآب/أوت 2017 وزيرًا للإسكان.
وفي نيسان/أفريل الماضي كال له المديح علنًا في رده على سؤال عن احتمال إجراء تعديل حكومي، حيث نبه إلى أن وزارة العمل أبانت عن جاهزيتها لتنفيذ الإجراءات المتعلقة بمنحة البطالة (مخصصة للعاطلين عن العمل).
تحول قيمي
تضم الحكومة الجزائرية الحالية أربعة وزراء عملوا في قطاع الإسكان هم كمال بلجود (الداخلية) ويوسف شرفة (العمل) وكمال ناصري وزير الأشغال العمومية (61 سنة)، وعبد الغني منجي وزير النقل (58 سنة) والذي تولي مسؤوليات في الادارة المركزية لوزارة الاسكان منذ 2012 لغاية تعيينه امينا عام للداخلية في 2020 ثم تكليفه بحقيبة النقل في 24 مارس الماضي خلفا زيادة عن وزير السكن الحالي محمد طارق بلعريبي (50 سنة) الذي عمل لأعوام على راس وكالة "تحسين السكن وتطويره – عدل".
ويضم سلك الولاة (حكام الولايات) عددًا هامًا من كوادر قطاع السكن، في تحول في تركيبة جهاز الإدارة الجزائرية التي لازال يهمين عليها خريجو المدرسة الوطنية للإدارة، التي تخرج منها الرئيس عبد المجيد تبون قبل 53 سنة (الدفعة الثانية).
وفي الإدارة المركزية لقطاع الداخلية، تزايد استخدام الكوادر القادمين من قطاع الاسكان، بشكل قد يعيد النظر في تركيبة القطاع الذي ظلّ لوقت قريب حكرًا على خريجي المدرسة الوطنية للإدارة والمؤسسة الأمنية.
رجال ثقة الرئيس
وبحسب مصادر سياسية جزائرية فان عدد من الولاة الحاليين الموثوق فيهم والذين سبق لهم العمل في قطاع الاسكان مرشحون لعضوية الحكومة الجديدة منهم والي وهران الحالي سعيد سعيود، الذي تأجل التحاقه بالحكومة الحالية لانشغاله بتحضير وإدارة الالعاب المتوسطية.
ولاحظ النائب السابق المهندس يوسف خبابة في رده على سؤال "الترا جزائر"، حول تنامي نفوذ كوادر قطاع السكن في منظومة الحكم " نظرًا لكون الرئيس تبون، لا يملك قاعدة حكم ولا حزبًا أو مجتمعًا مدنيًا يستند اليهما والإدارة الوحيدة التي يعرف فيها مخلصين له ومهم الدائرة الوزارية للإسكان.
في السياق ذاته أوضح الدكتور رابح لونيسي المتخصّص في تاريخ الجزائر السياسي في حديث إلى "الترا جزائر"، أنه من الضروري أن يتوفر كل سياسي وخصوصًا من تبوأ منصب رئيس على شبكة من العلاقات التي تسمح له باختيار رجاله، وهذا ما يفتقده تبون بحكم مساره المهني، فهو رجل إدارة وتولي منصب وال لعقود، ما أعاق قدرته على التدقيق في شبكة معاونيه، ولأنه دائم التنقل بين المناطق، والمنصب الوحيد تقريبًا الذي استمر فيه فترة طويلة كان وزارة الإسكان، تمكن من إنشاء شبكة من الإطارات مم جعله يختار أقرب رجالاته من كوادر هذا القطاع.
تغييرات في الطريق
في هذا السياق، يلاحظ المؤرخ رابح لونيسي أن زيادة حصة قطاع الإسكان في الحكومة (5 حاليًا) ويرجح أن يرتفع قليلًا في التعديل الحكومي المقبل، بأنه مؤشر بأن الرجل بدأ يفرض خياراته وسياساته في البلاد بعد عامين ونصف من توليه الحكم.
وقال في السابق خضع اختيار المساعدين والوزراء في الجزائر لمنطقة الانتماء إلى منطقة جغرافية معينة وعشنا ذلك مع الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (13 وزيرًا من ناحية تلمسان).
واستدرك المتحدّث أن هذا لا يعني هذا أنه كان ذو نزعة جهوية بل كان يبحث عن أناس يثق فيهم، أما الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى المسجون حاليًا فنزع إلى انتقاء أعضاء الحكومة من خريجي المدرسة الوطنية للإدارة.
وينحسب هذا على الرئيس الأسبق هواري بومدين (1963-1978) الذي دفع بمن كانوا معه في المغرب الأقصى (مجموعة وجدة وجيش الحدود) والذين هيمنوا على القرار لغاية وفاته.
من غير المستبعد أن يطرح الجزائريون تساؤلات عن السبب في الذهاب إلى حكومة ثالثة في ظرف ثلاث سنوات
وبقدر ما يبدو زيادة لحضور كوادر قطاع الاسكان في منظومة القرار بأنه بيان على إمساك تبون بالقرار، فمن غير المستبعد أن يطرح الجزائريون تساؤلات عن السبب في الذهاب إلى حكومة ثالثة في ظرف ثلاث سنوات، وتغيير عدة وزراء في الأشهر الماضية، آخرهم وزير المالية عبد الرحمن راوية.