بعد لقاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع عدد من الأحزاب السياسية في البلاد، شكّلت أربعة أحزاب محسوبة على الموالاة في الجزائر، تحالفًا سياسيًا استعدادًا للانتخابات الرئاسية المقبلة المنتظر تنظيمها في السابع من شهر تشرين الأول/ سبتمبر المقبل، وهو تكتّل يلوّح بخطوة استباقية، كما يتوقعه الفاعلون السياسيون في البلاد، بدعم فكرة " دعم الاستمرارية والعهدة الثانية" بترشّح الرئيس تبون ومساندته في استكمال مشروعه السياسي.
الأستاذ الجامعي عبد العالي بودهان لـ" الترا جزائر": في كل مرة كانت التحالفات السياسية تنتهي علاقتها الارتباطية بمجرد انتهاء "العرس الانتخابي"
هذا التحالف الذي ضمّ أكبر الأحزاب (من حيث القواعد الشعبية) التي تدعم توجّهات السلطة السياسية في البلاد، وهي: جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، وحركة البناء الوطني وجبهة المستقبل، وهي تمثل جناح الموالاة، تأتي قبل أيام فقط من موعد إعلان الرئيس تبون استدعاء الهيئة الناخبة في الثامن من حزيران/جوان المقبل.
تعود التحالفات السياسية في الجزائر، مع المناسبات الانتخابية، إذ تمهد اليوم لصيف ساخن تعلوه موجة التنافس بين مختلف الأحزاب المحسوبة على الموالاة أولًا، في سياق دعمها لمرشح السلطة، أو مواجهة تحالف سياسي آخر وُسم بـ"الاستقرار والإصلاح" ورشح رئيس حزب التحالف الجمهوري، بلقاسم ساحلي، للمنافسة الرئاسية، ويضم كل من الأحزاب "التحالف الوطني الجمهوري"، وحزب "التجديد والتنمية" و"الاتحاد من أجل التجمع الوطني" و"الحزب الأخضر للتنمية" و"حركة الوطنية للعمال الجزائريين"، وبين الأحزاب التي ستدخل المنافسة بمرشح منفرد.
رباعي الدعم الانتخابي
هل بدأ السباق الانتخابي فعليًا، حتى قبل أن يُعلن الرئيس ترشحه لهدة رئاسية ثانية؟ سؤال يطرح الآن، تأسيسًا على تصريحات أحزاب الموالاة، التي تقول إن هذا التحالف عبارة "حزام وطني سيدفع بمرشح إجماع تتوفر فيه الشروط اللازمة، وفي مقدّمتها القدرة على الحفاظ على المكاسب التي تحققت بعد 2019 ومواصلة الإصلاحات لبلوغ الأهداف المسطرة”.
وبالرغم من أنّ الرئيس تبون لم يعلن نيّته الترشح، إلا أن خياره بالاستمرار في الحكم، إلى غاية اللحظة، يبدو واضحاً من خلال تأكيده في خطابه في الفاتح من أيار/ مايو الحالي بمناسبة عيد العمال بأن برنامجه السياسي والانتخابي الذي وعد به في 2019، وباشره خلال العهدة الأولى سيُنتج الثمار في غضون سنة 2027، وذلك من خلال استكمال المخططات المسطرة في شتى مشاريع البنية التحتية ومجال الاقتصاد وتعزيز السلم الاجتماعي بسياسة اجتماعية قوامها دعم العمال.
على خلاف التحالفات التي عرفتها الساحة السياسية في الجزائر، من المرجّح أن يكون أي تحالف في الأفق، على الأقل خلال الفترة المقبلة، يأتي في سياق سياسي يدعم مشروع " بناء الجزائر الجديدة"
سياقات التكتلات
في العام 1999، ومع مجيء مرشّح الانتخابات الرئاسية، عبد العزيز بوتفليقة، في 1999، شهدت الجزائر تجربة التحالف الرئاسي بين ثلاثة أحزاب وهي: جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم، دعمت هذه الأطراف الثلاثة مشروع الرئيس في سياق أمني خطير عاشته الجزائر، والدعوة إلى ضرورة لم شمل الجزائريين واستتباب الأمن.
في الفترة ما بين 1999 إلى غاية 2012، دعم التحالف الرئاسي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خصوصا في مختلف مشاريعه السياسية الكبرى، منها: تنظيم استفتاء المصالحة الوطنية في 2005، وأعقبها تعديل الدستور في 2008، ثم إعلان ترشحه للمرّة الثالثة في 2009، بالإضافة إلى استمرار هذا التحالف في دعم خيارات السلطة خاصّة في الدفع نحو استقرار البلاد، عقب رياح التغيير التي وسمت آنذاك بـ"الربيع العربي" ونالت الجزائر شرارة منها فيما وسم إعلاميًا بـ" احتجاجات الزيت والسكر".
السياقات السياسية والتاريخية، دائمًا ما تصنع نوعية التحالف، وأهدافه وغاياته المنشودة، وفي هذا الإطار، سبق للقيادي في حركة مجتمع السلم، ناصر حمدادوش، أن صرح لـ"الترا جزائر"، بأن هذا التحالف فرضته ظروف مرحلة، وله إيجابيات وله سلبيات، خصوصًا وأن الحركة فكت الارتباط به قبل الانتخابات التشريعية في 2012.
على إثر انسحاب حركة مجتمع السلم، استمرت البدائل في 2014، أو ما سمّي بـ" قطب سياسي" الذي دعم الرئيس بوتفليقة في قراراته وخياراته السياسية قبيل انتخابات 2014، يضم كل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية وأمل الجزائر، وهي أحزاب دعمته في عهدته الرابعة ثم الخامسة.
بين 2014 و2019، برزت التحالفات والدعم والمساندة للرئيس بوتفليقة رغم الغليان الشعبي آنذاك، بسبب مرض الرئيس، وتشكل ما عرف باسم " الحزام السياسي" في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ضم كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحزب تجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية، تحسبًا آنذاك لانتخابات الرئاسة في نيسان/أفريل 2019.
كما تشكّل ما سُمي وقتها بـ “بـ "الجبهة الوطنية الصّلبة"، التي احتوت أكثر من 15 حزبًا وعدد من الجمعيات التي استهدفت أيضًا دعم الرئيس ودعته للترشح في الثاني من شهر شباط/ فبراير / شباط 2019 رسميا للعهدة الخامسة.
ماذا بعد انتهاء المناسبة؟
تنظيم الفعل السياسي في غضون الانتخابات الرئاسية القادمة، هو التوجه الذي سيبني عليه التحالف الرئاسي مخططه السريع للأشهر القليلة المقبلة، إذ يعتبر الناشط في " الأفلان" نور الدين بوحالة بأن التنسيق الفعلي بدأ بين الرباعي الحزبي، في خطوة ترمي إلى تنفيذ أهداف مشتركة، وتحمل التوجه الوطني الداعم لتقوية الجبهة الداخلية.
ويضيف بوحالة لـ"الترا جزائر" بأن الانتخابات القادمة هي مكيال الفعل السياسي من ناحية التوجهات التي تخدم المصلحة الوطنية، واستمرار بعث المشاريع والبناء والتنمية الاقتصادية.
إمكانية تحوُّل تلك التحالفات إلى ممارسة يومية في حقل الفِعل السياسي في البلاد، حسب ما يقوله قادة الأحزاب السياسية، تكون "حزام وطني يدفع بتجنيب الجزائر من المخاطر الكبرى، تبدو غير واقعية، فبين ماهو مأمول وما هو فعليًا في الساحة مسافة كبرى.
ففي كل مرة كانت التحالفات تنتهي علاقتها الارتباطية بمجرد انتهاء "العرس الانتخابي" كما يقول الناشط السياسي والأستاذ الجامعي عبد العالي بودهان لـ" الترا جزائر"، بل وأكثر من ذلك فهي تحالفات لمسيرة استحقاقات مرحلية، وتنتهي أيضًا بمجرد تغيير قيادات الأحزاب مثلما حصل ذلك في 2012، بمجرد انتخاب عبد الرزاق مقري على رأس حركة مجتمع السلم خلفا لأبو جرة سلطاني، غيرت الحركة بوصلتها السياسية وأعلنت " طلاقها عن التحالف الرئاسي".
في سياق متصل، يتحدث الأستاذ بودهان عن السياقات السياسية والتاريخية التي جاءت فيها هذه التحالفات، بدء بـ" توفر حزام سياسي لإطفاء نار الأزمة الأمنية" منذ 1999، كان السياق الأمني هو الغالب بل هو الأمر الملح لالتفاف الأحزاب حول مسألة "حقن دماء الجزائريين، وعودة استتباب الأمن والاستقرار"، ثم تواصلت المهمة في تكريس مشروع الرئيس- السلطة في توقيع ولادة " ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، ثم استمرار البناء الاقتصادي وتمتين الجبهة الداخلية في 2010 و2011.
لكن في غضون الحراك الأول في العام 2014 ورفض طيف حزبي وسياسي العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، بدأت دفة التحالفات تعرف نمطًا مغايرًا للسابق، خصوصًا بعد بروز " الكارتل المالي" وتأثيره على رسم السياسات وتوجهات الرئيس، مضيفًا أن السياق السياسي الذي عاشته الجزائر وقتها جاء في خضم تضارب المصالح، ومرض الرئيس وسؤال من يحكم؟ لغاية الحراك الشعبي في 2019 الذي بدد كل تلك التكتلات، وأسقط مختلف المشاريع السياسية نحو التغيير.
واعتبر أن التحالفات في العشرية الأخيرة كانت مبنية على " الزبائنية" ولم تحمل مشروعًا سياسيًا يتسم بـ" الاستمرارية".
أما الآن، يبدو أن التحالفات تأتي في سياق تحديات ذات أبعاد تطفو على السياسة نحو البعد الاقتصادي لاستكمال المشاريع وتوفير الأغلفة المالية لتحسين المعيشة، في مقابل البعد الإقليمي الذي يكتسي بتوترات إقليمية تحتاج إلى تعزيز قوة الداخل.
الناشط نور الدين بوحالة لـ "الترا جزائر": إمكانية تحوُّل تلك التحالفات إلى ممارسة يومية حسب ما يقوله قادة الأحزاب السياسية، تكون "حزام وطني يدفع بتجنيب الجزائر من المخاطر الكبرى، تبدو غير واقعية
لكن السؤال المطروح حاليًا، هو ما جدوى التحالفات السياسية في الجزائر، إذا ما لم تحمل معها بذور النمو والاستمرار في الفعل السياسي وتنفيذ مشاريع اجتماعية واقتصادية والمشاركة في تقوية تصورات السياسة ونهج الحكومة؟