06-يونيو-2023
الأرصاد الجوية تواصل إصدار النشرات التحذيرية (أ.ف.ب)

سيارة غمرتها مياه السيول في العاصمة (أ.ف.ب)

رغم قانون إلزامية التأمين والتعويض ضد الكوارث الطبيعية في الجزائر منذ 20 سنة، في أعقاب زلزال بومرداس بتاريخ 21 ماي/ أيار 2003، والذي تسبب في خسائر جمة وقتها، إلا أن الجزائريين لا يزالون يعزفون عن التأمين، ويكتفون بالإجباري منه فقط، ضاربين عرض الحائط حملات التوعية والتحسيس وباقة المنتجات التي تقترحها 25 شركة ناشطة في السوق الوطنية بين عمومية وخاصة وأجنبية.

مدير شركة تأمين:  التقاعس هو أحد أهم أسباب عزوف الفلاحين عن التأمين رغم الخسائر الكبرى التي يتكبدونها سنويًا جراء الحرائق والفيضانات والأوبئة والأمراض التي تؤدي إلى نفوق الحيوانات

تسجل قطاعات كثيرة في الجزائر عزوفًا عن التأمين، أو الالتزام بالحد الأدني من التأمينات في حدود ما تفرضه الوثائق الإدارية، وخير مثال يستدلّ به في هذا السياق، التأمينات الرخيصة التي يلجأ إليها مالكو السيارات، حيث يدفع هؤلاء أدنى حدّ من التأمينات على مركباتهم، تفاديًا للغرامات التي تُفرض عليهم في الحواجز الأمنية من طرف الشرطة أو الدرك الوطني.

عادت الكوارث التي شهدتها الجزائر في الأسابيع الماضية بدءًا من الجفاف الذي تحمل نتائجه فلاحو شعبة الحبوب بالدرجة الأولى، والذين يترقبون موسم حصاد دون المستوى مقارنة مع الأعوام الماضية، إلى الفيضانات التي ضربت ولايتي تيبازة وبومرداس نهاية ماي/ أيار الماضي، لتطرح ملف التأمين في الجزائر وسبب العزوف عنه، خاصة في ظل الكوارث المسجلة في السنوات الأخيرة، وضرورة وجود ضمانات للتعويض في حال أي خسائر.

ويعد الفلاحون الفئة الأكثر عزوفًا عن التأمين في الجزائر، ويرفض هؤلاء الاشتراك أو التصريح برقم أعمالهم ويفضلون النشاط في الظل، رغم أنهم الأكثر تضررًا من الكوارث المسجلة في الفترة الأخيرة، والتي ترتبط معظمها بالجفاف والفيضانات والبرد والتصحر وغيرها من الظواهر  التي تكبد المزارعين خسائر قاسية.

وتعودت هذه الفئة في الجزائر على تعويضات مالية وإعانات من الدولة في حال الكوارث حتى أولئك غير المؤمنين، وهو ما يتسبب في استمرار العزوف عن التأمين حسب ناشطين في القطاع، في حين لم ترخص وزارة المالية لحد الساعة بمنتوج التأمين ضد الجفاف، لأسباب يعتبرها مهنيون واهية.

وتدعو شركات التأمين إلى المسارعة لفرض أقساط التأمين الإجبارية على الجميع أو منع التعويضات والإعانات في حال الكوارث والحرائق، فهل ستنجح هذه الاستراتيجية في إلزام المواطنين والفلاحين بالدرجة الأولى بالتأمين في المستقبل القريب؟

أرقام عن سوق التأمينات

إلى هنا، يكشف رئيس الاتحادية الوطنية لشركات التأمين وإعادة التأمين يوسف بن ميسية في تصريح لـ"الترا الجزائر" أن رقم أعمال قطاع التأمين في الجزائر تجاوز 16 ألف و200 مليار سنتيم سنة 2022 ، أو162 مليار دينار، وهو رقم ارتفع بنسبة ستة بالمائة مقارنة مع سنة 2021 نتيجة بداية اختفاء وباء كورونا، وتحسن مؤشرات النمو الاقتصادي وعودة النشاط الصناعي والتجاري إلى سابق عهده.

ويشدد المتحدث على أن هذا الرقم تقريبي وسيتم الكشف عن الأرقام الدقيقة والرسمية شهر جوان / حزيران الجاري، إلا أنه توقع تحسن أرقام ومعطيات التأمين خلال سنة 2023 بفعل عودة الاستثمار والإفراج عن قانون جديد لتأطير العملية، وأيضًا إعادة بعث القروض البنكية بشكل غير مسبوق واستئناف استيراد السيارات بداية من جانفي / كانون الثاني 2023، والتي كانت مجمدة قبل سنوات، بفعل قرارات حكومية تحفظية تسببت بطريقة غير مباشرة في تكبيد شركات التأمين خسائر طائلة.

وبالمقابل تكشف وثيقة صادرة عن المجلس الوطني للتأمينات خاصة بسنة 2022 استلمت "الترا جزائر" نسخة منها أن التأمين عن المخاطر احتل صدارة قطاع التأمين في الجزائر بنسبة 85.9 بالمائة من رقم أعمال القطاع متبوعا بالتامين عن الأشخاص بنسبة 9.9 بالمائة، وحقق رقم أعمال منتجات تكافل، أي تأمين مطابق للشريعة 4.85 مليار سنتيم، أو 48.5 مليون دينار وهو صنف جديد من التأمينات اعتمد لأول مرة في الجزائر سنة 2022.

أما فيما يخص الاتفاقيات الدولية فقد مثلت 4.2 بالمائة من رقم أعمال القطاع بما يوازي 6.8 مليار دينار، ويشمل التأمين عن المخاطر السيارات والتأمين الفلاحي والتأمين ضد الحرائق والانفجارات والتأمين عن النقل والتأمين عن القروض.

وعادل رقم أعمال التأمين الفلاحي 7.212 مليار دينار، بقيمة مضافة تعادل أزيد من 250 مليون دينار، ونسبة نمو تصل 11.6 بالمائة، ومرد ذلك إلى إلى العقود الجديدة المسجلة نتيجة استيراد المواشي، خاصة الأبقار خلال سنة 2022 وأيضا حملات التوعية التي باشرتها السلطات العليا لتحسيس المزارعين بأهمية التأمين.

ويبقى رقم التأمين رغم ذلك أقل مما يفترض أن يصل إليه في الجزائر وأدنى من الطموحات المسجلة من طرف السلطات الرسمية.

لماذا لا يؤمن الجزائريون؟

في هذا السياق، يرى الرئيس المدير العام لشركة "أليانس" للتأمينات حسان خليفاتي في تصريح لـ"الترا جزائر" أن عزوف الجزائريين عن التأمين خاصة فئة الفلاحين مرده إلى تعود هؤلاء في كل مرة على الاستفادة من تعويضات وإعانات مباشرة للدولة الجزائرية دون تأمين في حال الكوارث على غرار الفيضانات والجفاف.

ويؤكد خليفاتي أن التقاعس هو أحد أهم أسباب عزوف الفلاحين عن التأمين رغم الخسائر الكبرى التي يتكبدونها سنويًا جراء الحرائق والفيضانات والأوبئة والأمراض التي تؤدي إلى نفوق الحيوانات.

ويثمن الأخير قرار تعديل قانون التأمينات في الجزائر ويدعو إلى أن تتضمن النسخة الجديدة إجراءات من شأنها تحفيز المواطنين على التأمين سواء كانوا فلاحين أو غيرهم من الفئات الأخرى.

ويرتقب عرض قانون التأمينات الجديد الذي بات شبه جاهز حسب تصريح وزير المالية لعزيز فايد بتاريخ 28 ماي/ أيار ، بمناسبة افتتاح مؤتمر التأمين الإفريقي بالجزائر، قبل نهاية السنة الجارية بغرفتي البرلمان وهو المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة للمصادقة عليه من قبل النواب والسيناتورات.

وتولي السلطات الجزائرية اهتمامًا متزايدًا بقطاع التأمين مؤخرًا، وتحث المواطنين والمهنيين بالدرجة الأولى على أهمية التأمين والإقبال عليه عبر مباشرة حملات توعوية وأبواب مفتوحة وبرامج تحسيسية.

حلول على طاولة الحكومة

وتزامنًا مع انعقاد المؤتمر الأفريقي للتأمينات بالجزائر بالموازاة مع الجمعية العامة للمنظمة الأفريقية للتأمينات بين 28 و31 ماي / أيار المنصرم، تم طرح جملة من الحلول لتحفيز الجزائريين على التأمين وإقناعهم بذلك، من خلال التذكير بالمزايا التي سيستفيدون منها في أعقاب كل عقد تأمين يوقعونه، لاسيما فئة الفلاحين.

من جهته، يؤكد الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للتعاضد الفلاحي شريف بن حبيلس في تصريح لـ"الترا جزائر" أن أهم المقترحات التي تم تناولها في المؤتمر والتي تمت مباشرة تطبيقها على الفور من طرف شركات التأمين الجزائرية، هي اقتراح اشتراكات تأمين مصغرة على شاكلة القروض المصغرة المعتمدة بالبنوك، لإقناع الفلاحين بتسديد أقساط مصغرة مقابل جني تعويضات هامة في حال الكوارث، أي أن الفلاح في كل الحالات سيجني أكثر مما ينفقه، ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بالفلاحين متوسطي الدخل أو صغار المزارعين.

ومن ضمن الحلول المقترحة أيضًا تكريس شراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال التأمينات للإفراج عن منتجات جديدة، وجعل تسديد أقساط التأمين إلزامية للفلاحين، وتحسيس المزارعين بمخاطر عدم التأمين والكوارث الطبيعية المنتظرة خلال السنوات المقبلة في ظل التغيرات المناخية الكبيرة، ناهيك عن أهمية استحداث قاعدة معطيات للمخاطر المناخية والكوارث لتوقع هذه الأخيرة قبل حدوثها واستشراف الحلول اللازمة لمجابهة الأزمة.

مدير صندوق التعاضد الفلاحي: الفلاح في كل الحالات سيجني أكثر مما ينفقه، ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بالفلاحين متوسطي الدخل أو صغار المزارعين.

وفي النهاية، يبقى التأمين سلوكًا حضاريًا وإجراءًا وقائيًا يفترض على المواطن سواءً كان فلاحًا أو ممتهمنًا لوظائف أخرى، الالتزام به في ظل الأخطار الكبيرة التي باتت تهدد الجزائريين بداية من حرائق الصيف إلى فيضانات الشتاء والجفاف والحوادث البشرية الأخرى، خاصة وأن السلطات اليوم تقترح إلى جانب التأمين الكلاسيكي، منتجات تكافلية مطابقة للشريعة، لأولئك المتخوفين من العائق الديني، لحثهم على الإقبال على التأمين.