14-أبريل-2019

تنبه الحراك الشعبي في مسيراته لمن يحاولون ركوب موجته (ياسين بوعزيز)

منذ الأسبوع الأول للحراك الشعبي، بل في عصر جمعة 22 شباط/فبراير الماضي، انطلق نقاش حاد بين المتظاهرين من خلال الهتافات التي صدحوا بها والشعارات التي رفعوها، وبين التلفزيونات المحلية، على خلفية ما سماه الحرك يومها "تحريف مقصود" لأول مطالب الحراك، وهو "لا للعهدة الخامسة".

أنتجت التفاعلات السياسية بعد الحراك، تحولات سياسية في لمح البصر، فظهر من الساسة والإعلاميين ما باتوا يعرفون بـ"المتحولين"

وكانت التلفزيونات المحلية تورد في نشراتها الإخبارية المتعاقبة بعد عصر تلك الجمعة، أن الجماهير خرجت بشعارات تطالب بـ"إجراء إصلاحات شاملة".  تحسست الجماهير هذا التعبير المنتقى بدقة، فنشروا الحكم الشارع. وباتت التلفزيونات من وقتها متواطئة في التغطية على المطلب الرئيس للجماهير، لتشتعل قاعات التحرير مباشرة بعد ضغوطات الشارع، وتتحرر أصوات الصحفيين من الداخل مطالبة بضرورة توخي المهنية والاحترافية في نقل شعارات ومطالب الجماهير.

اقرأ/ي أيضًا: عمال التلفزيون الجزائري ينتفضون.. منحازون للشعب والشارع

أمام الضغط الكبير للشارع، ونقله إلى داخل قاعات التحرير عبر الصحفيين الراغبين في عهد إعلامي جديد يتميز بمتسع من الحرية في التعبير، استسلم مُلاّك التلفزيونات المحلية أمام المطلب المفبرك من قبل أوصياء أصحاب القنوات التلفزية ، وتحوّل من "الإصلاحات الشاملة والتغيير" في عناوين الأخبار، إلى جملة شهيرة عمّرت طويلًا إلى غاية سقوط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، هي: "لا للعهدة الخامسة".

أنيس رحماني
أنيس رحماني، المدير العام لمجموعة النهار الإعلامية

هذه التفاعلات السياسية التي سرت سريان النار في الهشيم، أنتجت تحولًا سياسيًا في لمح البصر لبعض قادة الرأي السياسيين والإعلاميين، ليظهر من باتوا يعرفون بـ"المتحولين"، بشكل كبير، تناولته الجماهير عبر وسائط التواصل الاجتماعي، على أنه نفاق تاريخي غير مسبوق.

أنواع من المتحولين في الحراك الجزائري

 كأن أول من لفت انتباه الجزائريين هو المدير العام لمجمع النهار الإعلامي المثير للجدل في الجزائر، محمد مقدم صاحب الاسم المستعار الشهير "أنيس رحماني"، إذ شاع قُبيل استدعاء الرئيس بوتفليقة للهيئة الناخبة، بأن الفصيلة السياسية الحاكمة في الجزائر، تخلت عن خدماته للدعاية للعهدة الخامسة بعد أن كانت تعتمد عليه بشكل كبير منذ إنشاء مجمعه الإعلامي الذي ضم في البداية قناتين: الأولى متخصصة في الأخبار، والثانية موجهة للمرأة الجزائرية، بالإضافة إلى صحيفتين: الأولى يومية إخبارية، والثانية رياضية.

إشاعة التخلي عنه، عزّزها هو شخصيًا بتصريح إعلامي تاريخي أثار سخط الجماهير وزملاء المهنة، يعلن فيه صراحة أنه لا يزال في دعم ومساندة ووفاء للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأنه لا يرى "رجلًا منقذًا للجزائر في هذه المرحلة غيره"، وهي العبارات التي قٌرأت على أنها "تجديد لعذرية" إعلامية، بعدما فضها النظام ثم تخلى عن صاحبها. 

ليلتصق لفظ "المتحولون" بألسن الحراكيين إلى اليوم مباشرة، بعدما انقلبت المؤسسات الإعلامية على عقبيها، وسارعت لنقل كل مجريات الحراك، فكان صاحب مجمع النهار الإعلامي أيضًا من أوائل المتحولين لمساندة الحراك.

واستبق صاحب أشهر مجمع إعلامي، والذي يرفع شعار "أول قناة إخبارية في الجزائر"، حدث الحراك، بإطلاق أغنية أداها له، في ظروف غامضة، مغني طابع الراي العروبي، وأحد أهم المغنين المتمردين على النظام السياسي في الجزائر، عابد بن عودة، المدعو الشاب عز الدين، يمجد فيها البطولات الإعلامية للمجمع وصاحبه محمد مقدم!

وجوه المعارضة أيضًا "ركبت الموجة"

توالت ظاهرة التحول السريع من كتائب الرئيس بوتفليقة، إلى تملق الحراك، فسماهم الحراكيون بـ"راكبي الموجة"، ومنهم الأحزاب السياسية المعارضة التي كانت تسبح في فلك بوتفليقة ونظامه دون أن تلعب ورقة الشارع من أجل استئصال شأفته.

وشهدت الجمعات المتعاقبة منذ 22 شباط/فبراير، أحداث طرد عديدة لوجوه أحزاب معارضة، كطرد زعيمة الحزب التروتسكي الاشتراكي لويزة حنون، ثم الزعيم السلفي لجبهة العدالة والتنمية الإسلامية، سعد عبدالله جاب الله. وهي الطردات التي خلدها الجزائريون بعدة فيديوهات منتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وشهدت الجمعة الأخيرة رشقًا بالقارورات لرشيد نكاز، المترشح المثير للجدل للرئاسيات الأخيرة الملغاة، حينما طلّ عليهم من أحد شرفات بناية وسط العاصمة في قلب المظاهرات من أجل تحية الجماهير، ليردوا عليه، بكل ما جاء أمامهم من مقذوفات.

وكان سبب ذلك "السيناريو الخارق" الذي أداه رشيد نكاز لدى إيداعه ملف الترشح عند المحكمة الدستورية، حيث قدّم ابن عمه بدله، والذي يحمل اسمه الكامل، ما أثار جدلًا حادًا تراجعت على إثر ذلك شعبيته بشكل كبير. وكان خلفيته في ذلك أنه كان يعلم مسبقًا بأن المحكمة الدستورية سترفض ترشحه ، وأنه حضر خطة لتمرير رسالة سياسية مفادها أن هناك من يحكم باسم الرئيس بوتفليقة المريض والمقعد "فأنا أيضًا سأحذو حذوه"!

قادة أحزاب الموالاة.. أرباب التحول في الجزائر

من كان يتخيّل يومًا بأن أحمد أويحي الوزير الأول الأسبق وزعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي والساعد الحكومي الأيمن الذي سيّر به بوتفليقة وبحزبه، النظام طيلة 20 سنة، أن يأتي يوم يُعلن فيه مساندته للحراك، ودعوته السلطة التي كان جزءًا فعالًا فيها، بأن تلبي مطالب الحراك؟!

واللافت كان انشقاق الناطق الرسمي باسم الحزب، ونائب رئيس الغرفة السفلى للبرلمان، شهاب صديق، الذي قال في تصريحات إعلامية، إن مساندة حزبه لبوتفليقة لعهدة خامسة، كان "عمى بصيرة". وقد كلفه هذا التصريح أن تبرأ الحزب من موقفه، وفصله عن منصبه.

زعيم الحزب السياسي الحاكم معاذ بوشارب، ورئيس الغرفة السفلى للبرلمان، هو الآخر كان من بين المتحولين الرئيسيين الذين أذهلوا الرأي العام في مواقفهم، خاصة وأنهم كانوا موضوع شعارات الرحيل أثناء المظاهرات الشعبية.

معاذ بوشارب
حتى زعيم الحزب الحاكم، معاذ بوشارب، كان من المتحولين!

وأمين عام جبهة التحرير الوطني بالتفويض، والتي حُلّت جميع هياكلها، هو الآخر ومباشرة بعد إعلان غريمه التجمع الوطني الديمقراطي مساندة الحراك؛ ساند في تصريح أمام تجمع جماهيري غرب الجزائر، الحراك الشعبي! لكن القاسم المشترك بين هؤلاء من قبل الشعب، كان الرفض التام لقبولهم كرموز جدد في الجمهورية الثانية التي يطمح الحراك للتحول إليها.

قايد صالح

ولا يخرج قائد أركان الجيش ونائب وزير الدفاع، أحمد قايد صالح، عن دائرة المتحولين في نظر جموع الحراكيين، غير أن دوره الإيجابي في الضغط على بوتفليقة وجماعته للتنحي، سجله الجزائريون وقوفًا إلى صفهم، بعد أن كان قد صرح سابقًا ضد الحراك ووصف المشاركين فيه بـ"المغرر بهم".

ظهر أول انقسام في الحراك على قايد صالح، بين من يراه من زمرة النظام، ومن يطرح التعاون معه من باب الواقعية السياسية

ثم بعد تنصيب عبدالقادر بن صالح رئيسًا مؤقتًا للبلاد، وهو الذي يأتي على رأس "الباءات الثلاثة" المرفوضين شعبيًا، والتصريح الذي خرج به قايد صالح مستنكرًا ما أسماها "المطالب التعجيزية التي تعيق الحلول الدستورية"، بدأ قطاع واسع من المشاركين في الحراك يتشككون في نواياه، ووقع شبه انقسام هو الأول في الحراك، ما بين فريق يرفضه على أنه جزء من النظام السابقة، وآخر يطرح التعاون معه من باب الواقعية السياسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحولات الحراك الشعبي.. تصالح مع السياسة والفضاء العام

عنفٌ أمني في مواجهة الحراك.. عودة لخطابات التخويف