شهدت شاشات القنوات التلفزيونية الجزائرية خلال رمضان الحالي عرضًا جديدًا لأعمال درامية مشتركة بين الجزائر وتونس في تجربة صارت تتكرر كل عام رغم قلة الإنتاج في كلا البلدين، وهي التجربة التي تلقى ترحيبًا من متابعين كثر إلا أنها لا تخلو من المؤاخذات أيضًا.
يحيى مزاحم: المسلسلات الجزائرية التونسية تقدم في الغالب صورة بعيدة عن الجزائر ولا تعكس الواقع الذي يعيشه سكانها
ومع إسدال معظم المسلسلات الرمضانية في الجزائر لهذا العام الستار على حلقاتها، خاصة تلك التي عرفت تعاونًا مع التونسيين سواء في الإخراج أو التمثيل، صار لا بدّ من تقييم هذه التجربة التي صارت تتجذر في المشهد الفني المغاربي عامًا بعد عام برأي بعض المختصين.
انتعاش الإنتاج
لا تعد مشاركة ممثلين جزائريين في أعمال تونسية أو العكس وليدة السنوات الأخيرة، بل إن التجربة قد بدأت على الأقل في الجزائر بشكلٍ لافت في بداية الألفية مع المخرج الجزائري جعفر قاسم الذي استعان بالممثلة التونسية كوثر الباردي في سلسلاته الفكاهية "ناس ملاح سيتي" و"عائلة جمعي"، لتتبعه بعدها الخطوات التي قامت به قناة نسمة التونسية لمالكها نبيل القروي عبر مسلسل "نسيبتي العزيزة" الذي استعان بممثلين جزائريين كبيونة ورزيقة فرحان.
واندرجت تلك الاستعانة ضمن خطط قناة نسمة التي كانت في بداية بثها تستهدف الجمهور المغاربي بدوله الخمس، وشكل الجمهور الجزائري وقتها أحد أساسياته بالنظر إلى القرب بين البلدين وغياب القنوات الجزائرية الخاصة حينها، إضافة إلى أن السوق الجزائرية كانت تمثل موردًا لنسمة بالنظر إلى عدد الإعلانات التي وصلتها حينها من مؤسسات اقتصادية جزائرية.
وعاد هذا التعاون ليبرز بشكل لافت مع ظهور القنوات الجزائرية الخاصة، بدءًا بمسلسل "عاشور العاشر" الذي صوره المخرج جعفر قاسم في جزئيه الأول والثاني بتونس وعرف مشاركة الممثلة كوثر الباردي ومحمد مراد، ليتوسع بعدها التعاون بشكل كبير في مسلسل مشاعر، ثم المليونير وهذا العام حب ملوك و"فوندو" ومسلسل يما.
ورافق هذه الأعمال المشتركة استنجاد الجزائريين بمخرجين تونسيين أبرزهم مديح بلعيد الذي أخرج مسلسلي "الخاوة" و"يما"، إضافة إلى نصر الدين السهيلي الذي عرفه الجمهور الجزائري في مسلسل "أولاد الحلال" ليكمل المسيرة في "بابور اللوح" ثم "حب ملوك".
إضافة ضرورية
لم يستطع الممثل الجزائري يوسف سحيري كاتب الدولة السابق المكلف بالصناعة السينماتوغرافية إخفاء إشادته بالتجربة التي خاضها هذا العام في مسلسل "فوندو" التونسي، وهو الذي خاض سابقًا تجارب في أعمال فنية سورية ومغربية، حتى وإن اعتبر أن مشاركته محدودة في هذا المسلسل الذي لقي متابعات واسعة في تونس وحتى عند بعض الجزائريين كانت محدودة، وفق ما ذكره لإذاعة مزاييك الخاصة.
وقال سحيري إنه سعيد بهذه التجربة التي ساهمت في تعرفه على تونس أكثر، مشيرًا إلى أن هدفه المستقبلي سينصب على تطوير الدراما في تونس والجزائر وفي المغرب العربي بشكل عام.
وبدورها اعتبرت الممثلة التونسية نجوى ميلاد أن التعاون الفني في المنطقة المغاربية وبالخصوص مع الجزائر تجربة تستحق التنويه، بل تراه أنه من الضروري أن تكون على الدوام إنتاجات مشتركة بين تونس والجزائر، بالنظر إلى خصوصياتهم التي تختلف عن منطقة الخليج والمشرق العربي، وتاريخهم النضالي المشترك ضد الاستعمار الفرنسي.
وترى ميلاد التي شاركت هذا العام في مسلسل "حب ملوك" في حديث إلى إذاعة "إي آف آم"، التونسية أنه من الضروري أن يتم إنتاج مسلسلات جزائرية تونسية لإثراء المشهد الدرامي في البلدين سواء خلقت هذه المسلسلات جدلا أو لا.
ورغم قلة هذا الإنتاج، لكن تواصله خلال المواسم الرمضانية الأخيرة، جعل الصحفية التونسية نجلاء قموع تقول إن "ملامح الدراما الجزائرية التونسية بدأت تتشكل وتجد مساحة خاصة بها في المشهد العربي الفني، فهي انعكاس للتبادل الفني بين بلدين يشتركان في التاريخ والعادات والثقافة واللهجات".
مآخذ كثيرة
يؤكد المخرج الجزائر يحيي مزاحم هو الآخر أهمية الأعمال الدرامية المشتركة، ويقول إنه مما لا شك فيه أنها تستحق التشجيع، غير أنه لم يخف في حديثه مع "الترا جزائر" عدم رضاه على الواقع الحالي بشأن التعاون الجزائري التونسي في المجال الفني التلفزيوني.
ويرفض مزاحم أن يسمي ما ينتج حاليًا بالانتاجات المشتركة، بالنظر إلى أن ذلك يشترط على الأقل اشتراكًا في التمويل واعتماد رؤية إنتاجية مدروسة، وهو ما لا يوجد في الوقت الحالي إذ أن أغلب الأعمال تكون بتمويل جزائري، على حدّ تعبيره.
ويعيب المخرج على المسلسلات الجزائرية التونسية أنها تقدم في الغالب صورة بعيدة عن الجزائر التي يعرفها، ولا تعكس الواقع الذي يعيشه سكانها.
ويعتقد المتحدث أن هذا التعاون خدم لحد الآن الجانب التونسي أكثر من الطرف الجزائري، بالنظر إلى أن مخرجيها وتقنييها صاروا يحظون دائما بالعمل في المسلسلات ذات الميزانيات الكبرى في الجزائر، وهو ما يسمح لهم بتقديم عمل لافت مقارنة بالتقنيين الجزائريين الذين تعطى لهم ميزانيات صغيرة، مشيرا إلى تجربته مع إحدى القنوات الخاصة الذي منحت له لإنتاج العمل المتفق عليه ميزانية 6 ملايين دينار فقط، في حين أن المخرجين التونسيين تمنح لهم ميزانيات أكبر بكثير لتنفيذ العمل الدرامي المتفق عليه.
وتساءل مزاحم "ماذا قدمت هذه الأعمال للتقنيين الجزائريين، فهم اليوم في بطالة لأن المخرج التونسي لما يأتي للجزائر يكون مرفقًا بطاقمه التقني، وهو ما يحرم تقنيينا من الخبرة والتجربة".
واتهم مزاحم يحي إحدى وكالات الاتصال الخاصة بالوقوف وراء هذا التهميش، والتي تعمل على المجيء في كل المشاريع الدرامية الموكلة لها بمخرجين تونسيين، وتهميش الجزائريين رغم خبرتهم المشهود لها محليًا وعالميًا، على حدّ تعبيره.
ويرى مزاحم أن هذا الوضع إذا استمر سيسير في اتجاه تهميش المخرج والتقني الجزائري، بالنظر إلى أن المجال توسع هذا العام إلى الاستعانة بمخرج مصري في أحد الأعمال المعروضة على قناة خاصة.
وإن كان مزاحم يحيى وآخرون يؤكدون على أنه ليس لديهم أي مشكل مع المخرج أو التقني التونسي الذي من حقه العمل أينما أتيحت له الفرصة، إلا أنهم يشددون على أنه على القنوات التلفزيونية ووكالات الاتصال ألا يكون هذا التعاون والشراكة على حساب صناع الفن الجزائريين.
وما قد يوجه للجزائر للانتجات التونسية المشتركة أنها أحيانًا قد لا تراعي أحيانا توجهات الجمهور الجزائري الذي لا يزال برأي البعض متدينًا أو محافظًا، ولا يقبل مساحة "الجرأة والابتذال" الموجودة في المسلسلات التونسية أو المصرية، وهو ما حدث في مسلسل "حب ملوك" الذي عوقب من قبل سلطة ضبط السمعي البصري الجزائرية بوقف البث لمدة أسبوع.
وهذا الموقف يشاركه مختصون تونسيون أيضًا، فقد أكد لـ"الترا جزائر" المخرج التونسي المنجي الفرحاني أنه " من الداعمين للتعاون الدرامي التونسي، لذلك احترمت لذلك احترمت قرار سلطة ضبط السمعي البصري الجزائرية بمعاقبة مسلسل حب ملوك".
وحسب المنجي الفرحاني، فإنه يجب الاعتراف أن في تونس هناك "انحدار أخلاقي رهيب في أغلب الأعمال الدرامية كي لا أعمم..."
وما يجب الإشارة إليه إلى أن كثيرين ربطوا هذا المسلسل بالمسلسل التركي "العشق الفاخر"، والذي لا يعد الاقتباس الأول من نوعه فمسلسل مشاعر هو الآخر لكاتب سيناريو تركي ونفذه مخرج تركي، ما جعل البعض يقول إن بعض لقطاته شبيهة بالمسلسل التركي الشهير "الحفرة"، لذلك قد ترجع الهفوات في تقدير ميول الجمهور إلى النقص المسجل بالبلدين في مجال السناريو.
المسلسلات الجزائرية التونسية المشتركة تحظى بمشاهدات واسعة في كلا البلدين
ومهما اختلفت وجهات النظر بالنسبة للتعاون الجزائري التونسي في المجال الدرامي، فإن المؤكد يبقى أنها تحظى بمشاهدات واسعة في كلا البلدين، وهو ما قد يشكل بابا لتعاون مغاربي آخر بعيد عن الخلاف الذي قد تحدثه من فترة لأخرى السياسة والرياضة.