هل سمعتم من قبل بلعبة "ثاكُورث" و"ثيرققشت "و"ثاغريث ن ييض" و"سيق"؟ ربما لم يسمع كثيرون من الجيل الجديد بهذه التسميات حتّى على منصات التواصل الاجتماعي، ولكنها كانت وسائل للتسلية لدى الأجداد والآباء، وكانت محلّ متعة بالنسبة لهم في الماضي، كما هي ألعاب شبيهة بلعبة الهوكي وأخرى لم يكن هدفها التسلية فحسب، ولكنها تعتمد على تنمية المهارات الذهنية وإكساب الأطفال ثقة في النّفس.
الألعاب التقليدية البسيطة تساهم في تقوية الذاكرة كما تنمي روح المجموعة بين الأفراد
"ماذا تعرف عن الألعاب التراثية الشعبية في الجزائر؟"، في هذه الدراسة الميدانية التي تضمّنها كتاب قدّمته الصحفية والمختصة في الشأن الثقافي والتراثي حميدة شوشان في الطبعة الـ 27 من معرض الجزائر الدولي للكتاب، تسلط الضوء على جملة من هذه الألعاب الشعبية القديمة في مختلف ولايات الوطن خاصة منها منطقة الأوراس.
"الترا جزائر" حاورت شوشان صاحبة الكتاب الذي جاء باللهجة الشاوية (من بين لهجات اللغة الأمازيغية خاصة بمنطقة الأوراس التي تضمّ عدد من الولايات)، وتتحدّث عن الألعاب الشعبية في الجزائر من خلال منطقة الأوراس، هل مازالت قائمة؟
تقول حميدة شوشان عن كتابها الذي أصدرته المحافظة السامية للأمازيغية إنّ "فكرته ولدت أثناء تغطية الطبعة الثالثة لجائزة رئيس الجمهورية للأدب الأمازيغي والتي أقيمت بولاية غرداية، حيث تمّ إيفادها لتغطية الحدث، وخلالها تساءلت لماذا لا تتقدم بمنجز وتكون ضمن أسماء المشاركين في مناسبة أخرى؟
من المستشفى على الميدان
وتضيف شوشان: "قلت، لم لا، سأكون في الطبعة المقبلة واحدة من المتوجات بجائزة الرئيس! وبحكم أني درست اللغة والثقافة الأمازيغية فكرت في كتابة نص عن التراث، وبعد غربلة بعض الأفكار والمقترحات التي كانت تشغلني، اخترت موضوع الألعاب الشعبية لتوفر المادة الخام."
وتتابع قولها:" في البداية، فكرت في التطرق للعبة "ثاكورث" التي تُلعب في فصل الربيع ومعروفة في الجزائر بشكل واسع، وعلى وجه الخصوص سكان منطقة منعة الذين بقوا محافظين عليها، لكن بوجود ألعاب أخرى، قررت تناول جميع الألعاب الشعبية في كتاب واحد، فبدأت في جميع المعلومات والمادة."
وفي الصدد توضّح أنّ "العمل الجدّي بدأ من المستشفى، حيث كانت تلازم والدتها المريضة، بدأت تبحث عن المراجع، وبعد خروج والدتها من المستشفى، شرعت في عملية البحث الميداني والكتابة."
دراسة ميدانية.. ماذا كشفت؟
انطلاقًا من دراستها الميدانية التي استغرقت سنة كاملة، تُنبه المتحدثة من خطر زوال هذه الألعاب التراثية في ظل عديد التحدّيات التي تواجهها، وتكشف أنّ بعض الألعاب لازالت تحافظ على تفاصيلها وطقوسها، لكن أصبحت مناسباتية أكثر منها يومية، أمّا بالنسبة للألعاب التي اندثرت فواجهتها صعوبة بخصوصها تتمثّل في شح المعلومات عنها.
وفي الصدد تقول: "في ظلّ قلّة المعلومات حول الألعاب التي طواها النسيان، استعنت بكبار السن، وشرحوا لي تفاصيل لعبها، حتى أنّ بعضهم جسّدها أمامي مثل لعبة (سيق) الخاصة بمنطقة خنشلة، والتي تُلعب في فصل الصيف".
ألعاب تقليدية.. هل تعرفها؟
تواصل السرد: "إلى جانب الأحاجي التي تقوم على الأسئلة والألغاز، بالنسبة للعبة "ثاكورث" الشبيهة برياضة الهوكي اسمها بالدارجة "الكرة" وتُلعب بالعصي، لا تزال موجودة، بينما "ثيرققشت"،"إيغدال" وهي عبارة عن حفر في سطرين متوازيين، على صخرة ويتم جمع الحجارة الصغيرة وتمريرها داخل تلك الحفر، إضافة إلى لعبة "ثاغريث ن ييض" للأسف طالها النسيان واندثرت، وهنا كانت الصعوبة.
تستطرد قائلة بأنه "بمساعدة من لعبوها في الماضي، تمكنت من معرفة طريقة لعبها وتدوينها وظيفتها وأبعادها وبالرغم من اختفاء بعضها، لكن عادت عند أطفال اليوم بشكل مستحدث وجديد وفقًا لما تبين في الدراسة التي أنجزتها، وبالإمكان أن تجد لعبة تباع في السوق تحمل الخصائص نفسها والسمات التي نحملها الألعاب الشعبية القديمة."
واعتبرت في سياق حديثها أنّ أغلب هذه الألعاب عبر مختلف مناطق الجزائر وتلك التي تحدثت عنها في منطقة الأوراس مستمدة من الطبيعة، حتى الأدوات التي تقوم عليها بسيطة مثل الخشب، الحجارة، الرمل، إلخ.
وتعمل شوشان على ترجمة كتابها من اللهجة الشاوية إلى اللغة العربية، حيث تؤكد أنّها تلمك مسودة حاليا باللغة العربية، وبلغت نسبة العمل عليها 70 %، حيث فكرت في الترجمة باعتبار أن العديد من الناس لا يفهمون اللهجة الشاوية، ولكن لديهم فضول لاكتشاف محتوى الكتاب والتعرّف على الألعاب الشعبية التي تناولها، وبالتالي ستكون الطبعة المقبلة باللغة العربية واللهجة الشاوية معا.
ثقافة أجيال
ترى الكاتبة أنّ الألعاب الشعبية قد ساهمت في نقل الثقافة بين الأجيال، وتوضح بأنّ "وظيفتها لا تقتصر على التسلية والترفيه فقط، بل تتمتع بدور مهم من خلال تنمية المهارات الذهنية ورفع المعنويات وزيادة الثقة في النفس عند الأطفال".
ووفق المتحدثة: "الطفل الذي ينجح في لعبة معينة، يشعر بالثقة وبالفخر وبالسعادة، كما أنّ هذه الألعاب التقليدية البسيطة رياضية تساهم في تقوية الذاكرة والحساب الذهني، تنمية روح الجماعة والتكافل الاجتماعي بين الأفراد."
وفي الختام؛ تستذكر شوشان لحظة حصولها على جائزة رئيس الجمهورية، إذ تعبّر عن ذلك بقولها: "لحظة لا توصف، وفرحة كبيرة بالتتويج، لأنّني منحت كل وقتي لهذا الكتاب حتى يخرج في أبهى حلّة مضمونًا وشكلًا، خاصة وأنّه صدر بالأمازيغية."
كما أكدت على أنّ ذلك يُسهم في "رفع مستوى المقروئية بالأمازيغية في ظلّ تنوع الإصدارات والكتب بهذه اللغة في مختلف المجالات والتخصصات وبمختلف المتغيرات والمفردات التي تحتويها اللغة الأمازيغية."
وتشير إلى أنّ "هذا العمل فتح لها الشهية لمواصلة الأبحاث وحفزّها على التطرق إلى مواضيع أخرى ما تزال بحاجة إلى دراسة."