دعا باحثون في التاريخ إلى أهمية توثيق الشهادات التاريخية لمختلف الأسماء التي عايشت فترة الاستعمار الفرنسي، خصوصا أولئك الذين شهدوا تلك المجازر التي اقترفها ضد الجزائريين إلى غاية استقلال الوطن.
ضرورة كتابة قصص فردية عن مختلف أشكال الجرائم الاستعمارية ضد الجزائريين
وتحدّث مشاركون خلال تدخلاتهم في لقاء انتظم، أمس، وُسِم بعنوان: "المؤرخون وكشف الجرائم الاستعمارية"، على أنّ أحداث الماضي يمكن لها أن تعيش في الحاضر بفضل الذاكرة الجماعية.
وفي هذا الإطار قال الباحث في التاريخ من جامعة الجزائر، جمال سعداني في تصريح لـ" الترا جزائر" إنّ "الذّاكرة الجماعية هي ما تعطي للماضي حُضوراً وتستلهم من كتب التاريخ ووثائق الأرشيف المتاحة، التي تشكل بدورها خزانا كبيرا لمسار الحياة".
وأضاف سعداني أنّ "الماضي انقضى زمانه ولكن بالنسبة للرواية التاريخية أو السردية التاريخية التي توثق الجرائم فهو " حي، يمكنه العيش برؤية من عاشوه أو الشهود عليه، ومن خلال ما تفحصه أيدي المؤرخ من شهادات مسجلة أو مكتوبة أو ما يقوم هو بجمع بعض الشهادات وتمحيصها".
ولفت الباحث إلى أنّ المجهودات التي يقدمها الباحثون في هذا المجال، كبيرة ومازالت – حسب رأيه- "لم تفصح بعد عن أسرارها لأنّها جرح مفتوح".
وبخُصوص الماضي المرتبط بالفترة الاستعمارية؛ طرح البعض مسألة: " سؤال الماضي"، أو عملية استعادة الصور والمشاهد التي مرّ بها جيل شهد حقبة الاستعمار الفرنسي، وممن كانوا شهودا على ذلك، إذ شدد النقاش المفتوح على أنّ الكتابة التاريخية يظل مفعولها متواصلاً لأنّها مرتبطة بما تمّ الحفاظ عليه من شهادات موثقة سواء مكتوبة أو سمعية بصرية.
وتركيزا على أهمية جمع الشهادات حول تلك الفترة، طُرحت عدة قضايا خلال النّقاش، في علاقة بأننا "لا نملك معطيات رقمية بما فيه الكفاية حول تلك الجرائم".
وفي هذا الصدد، اقترح المؤرّخ، حسني قيطوني، في مداخلة له، القيام بـ"عملية كتابة قصص فردية عن الجرائم الاستعمارية ضد الجزائريين وخاصة منها ترحيل الأطفال".
وبخُصوص تلك الجرائم، عرج المؤرخ إلى أنواع العنف الوحشي المرتكب في فترة الاحتلال الفرنسي، فبالإضافة إلى " المجازر التي اقترفها الجيش الفرنسي ضد المدنيين والمناضلين من أجل تحرير الوطن، اقترف أيضا مختلف أشكال من الجرائم على غرار حرق القرى والمداشر والترحيل والتهجير والاغتصاب والتعدي على ممتلكات الجزائريين".
وحول الذاكرة الجماعية، أكد المشاركون على أنّها" ليست مجرد جمع للمعلومات والمعطيات من ذاكرات الأفراد (المجاهدين أو الشهود) على سبيل المثال، بل هي بالنسبة للمؤرخين والباحثين في المجال التاريخي عبارة عن " بناء ركيزته الوعي بالأحداث وتمحيصها والقدرة على استحضار المشاهد والصور من أصحابها أيضا".
من جهتها، أكدت المتخصصة في تاريخ الجزائر المؤرخة مليكة رحال، على أهمية جمع الشهادات الخاصة بالمجاهدين وأقاربهم والشهود على أعمال الجرائم والعنف المقترف ضد الشعب الجزائري.
وحول سؤال يتعلق بالذاكرة الجماعية وكتابة التاريخ، قالت رحال في ردها على سؤال في علاقة بالذاكرة الجريحة، إنّ " توثيق الحقبة الاستعمارية ومن عدة زوايا، في غاية الأهمية، خصوصا في فترة تُؤرّخ لما عاشه الجزائريون من عذاب وويلات المستعمر الفرنسي وممارساته الوحشية، كما أنّها مرحلة لا يمكن فصلها عن الذاكرة الجماعية للجزائريين ومن ماضيهم".
وتبقى الشهادات أو التصريحات أو التوثيق عموما لتلك الفترة، حسب الأستاذة رحّال "مادة دسمة لتاريخ الجزائر".
وفي السياق تحدّث أيضا عن أن ما تمّ تجميعه من روايات عن شهود وضحايا تلك الجرائم التي ارتكبت في فترة الاحتلال خاصة جريمة الاختفاء القسري والتعذيب خارج القانون وغيرها من الوسائل الممنهجة من قبل المستعمر، إذ هي في الآن نفسه "أدلة تاريخية" ضد فرنسا.
وجدير بالإشارة إلى أنّ هذه الندوة نظمت في الطبعة الـ 27 لصالون الجزائر الدولي للكتاب، وفي سياق الاحتفالات بالذكرى الـ 70 لاندلاع ثورة نوفمبر المجيدة.