28-سبتمبر-2023
 (الصورة: Getty) طفل يحتفل بالمفرقعات على سطح البيت

(الصورة: Getty) طفل يحتفل بالمفرقعات على سطح البيت

ارتبط الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم في السنوات الأخيرة في الجزائر بإشعال الشماريخ وإطلاق الألعاب النارية، وبالخصوص في المدن الكبرى، في ظاهرة دخيلة على المجتمع تتسبب سنويًا في إصابات خطيرة، الأمر الذي دفع السلطات لتكثيف المراقبة لمنع إدخالها إلى البلاد، فهل استطاعت هذه الإجراءات الحد من دخول المفرقعات؟ وهل ما يزال الاحتفال بواسطتها مستمرًا أم  هناك تراجع في هذه الظاهرة الدخيلة؟.

رغم أن استيراد المفرقعات ومختلف الألعاب النارية والمتاجرة بها غير مرخص به في الجزائر إلا أن أسواقها تعرف سنويًا إغراقًا بهذه السلع

ورغم أن استيراد المفرقعات ومختلف الألعاب النارية والمتاجرة بها غير مرخص به في الجزائر، إلا أن أسواقها تعرف سنويًا إغراقًا بهذه السلع، وبالخصوص في عيد الفطر والمولد النبوي الشريف، وحتى على طول العام باعتبارها مطلوبة في احتفالات الأعراس ومدرجات الملاعب. لكن هذه الظاهرة تناقصت بشكل كبير في السنوات الأخيرة وخفتت تمظهرات الاحتفال بالألعاب النارية في الجزائرية.

في سنوات سابقة، وصل الاحتفال بالمفرقات والشماريخ إلى مستوى مبالغ فيه، وكان الإنفاق على شراء الألعاب النارية يبلغ مستويات قياسية، ففي وقت كان فيه باب الاستيراد مفتوحًا على مصراعيه، كانت مثل هذه السلع تهّرب على مستوى الموانئ بكميات كبيرة، وكانت السوق تغرق في مثل هذه المناسبة  في مثل هذا الوقت من السنة، أما الأحياء الشعبية، فكانت تشهد ليالٍ بيضاء بسبب المفرقعات والألعاب النارية، حيث يتحول الاحتفال في كثير من الأحياء إلى حرب بين الأحياء رغم الحملات التحسيسية والخطابات الدينية.

كميات مليونية

إلى هنا، أعلنت قيادة الدرك الوطني في الجزائر اتخاذ جملة من الإجراءات الميدانية لمحاربة الاتجار غير الشرعي بالمفرقعات والألعاب النارية حفاظًا على الصحة العمومية، حيث تمت معالجة 97 قضية تم على إثرها توقيف 102 شخص وحجز ما يقارب 1.7 مليون وحدة من المفرقعات النارية.

 وأشارت  مصالح الشرطة هي الأخرى إلى حجزها أزيد من 2.6 مليون ألف وحدة من الألعاب النارية من مختلف الأصناف والأحجام خلال الثلاثي الثالث من العام الجاري فقط، فيما تم توقيف 133 شخصا متورطا في هذا الشأن.

وكانت الجمارك قد أشارت إلى حجز 91349 وحدة من المفرقعات والألعاب النارية خلال الثلاثي الأول من 2023، وهو ما يعني أن هذا العدد قد ارتفع خلال الثلاثي الثاني والثالث، بالنظر إلى الحواجز المتواصلة التي تنظمها الجمارك عشية احتفالات المولد النبوي الشريف، حيث باشرت حملة وطنية للتحسيس بخطورة الاحتفال بهذا النوع من الألعاب.

وأطلقت الجمارك حملة وطنية تحسيسية تحت شعار "من أجل مولد نبوي بدون مفرقعات" انخرطت فيها كافة المصالح الجمركية على المستوى الوطني، حيث تم " تكثيف النشاط الميداني للفرق الجمركية العملياتية المرابطة عبر كافة الحدود الوطنية البحرية، والجوية والمعابر الحدودية البرية،وكذا التغطية الميدانية للإقليم الوطني عن طريق تنفيذ برامج الرقابة الميدانية من حواجز،و دوريات وكمائن، وذلك بالتنسيق المحكم مع مختلف الأجهزة الأمنية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية".

تحوّل

في عقود سابقة، ارتبطت احتفالات المولد النبوي الشريف في الجزائر سابقًا بالمدائح الدينية، وطهو أنواع معينة من الأطباق التقليدية، وإشعال الشموع وغيرها من العادات التي وإن كانت من  الناحية الدينية تشكل اختلافًا حول  جوازها من عدمه، فإنها مجتمعًيا ظلت لسنوات عادة متشاركة بين الجزائريين، الأمر الذي جعل الاحتفال بالمفرقعات ظاهرة دخيلة على  التقاليد المجتمعية في هذا الشأن.

في هذا السياق، قال الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي في حديثه مع "الترا جزائر"، إن "هذا التحول ليس منفردًا و منعزلًا عن باقي التحولات التي طرئت على أغلب مظاهر احتفالات الجزائريين في مختلف الافراح و المناسبات، حيث نلاحظ التغير الكبير في طريقة الاحتفال بين الماضي والحاضر، قديمًا كان أجدادنا و آباؤنا يحتفلون بالمولد النبوي الشريف بطريقة بسيطة، لكنها كانت أكثر قيمة وفعالية ويغلب عليها الجانب الديني والروحي في الاحتفال حيث تقام المواعظ وجلسات ذكر لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقراءة القرآن".

ويعتقد عبيدي أن احتفالات الوقت الحالي فقدت القيمة الروحية، كونها "طغت عليها الشكليات والفولكلور، خاصّة مع ظهور المفرقعات والألعاب النارية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من احتفالات الأطفال والشباب كتعبير عن فرحتهم بهذه المناسبة، هذا التحوّل السلبي في طريقة الاحتفال للأسف أفقد المناسبة خصوصيتها الدينية خاصة لدى فئة المراهقين".

وبيّن الباحث في علم الاجتماع  أن "طريقة وأسلوب الاحتفال عمومًا تغير بشكلٍ جذري في الجزائر، فقد أصبحت الألعاب النارية والمفرقعات موضة لكل فرح ولكل مناسبة دينية أو اجتماعية ولا تنحصر في مناسبة بعينها، أو على فئة دون غيرها، فطريقة التعبير عن السعادة والفرح عند الأطفال والشباب اليوم أصبحت مرتبطة بهذه المظاهر الاحتفالية الصاخبة، كثقافة جديدة دخيلة على ما كان متعارف عليه".

صعب

وانطلاقًا من هذه النظرة، فإن الاستثناء والخاصية التي كانت تتمتع بها احتفالات المولد النبوي الشريف فقد فقدت، بسبب تشابهها مع مناسبات أخرى، إضافة إلى الطابع المادي الذي أصبح يطبع هذه الاحتفالات، الأمر الذي يتطلب جهدًا مجتمعيًا مشتركًا لإخراج هذه الظاهرة الدخيلة على طقوس احتفالاتنا.

ويرى الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي أنه "يمكن الحدّ من انتشار هذه الظاهرة إذا تعلق الأمر بالاحتفالات التي تشرف عليها جهات رسمية أو تنظمها مؤسّسات أو جمعيات.. إلخ، هنا تكون طريقة الاحتفال مضبوطة مسبقًا ويمكن التحكم فيها، لكن بالنسبة للمجتمع الأمر يختلف فلا يمكن إخراج هذه الاحتفالات من عادات الجزائريين بعدما أصبحت عادة وتقليد متوارثًا، فرغم الحملات التحسيسية ورغم التحذيرات والإجراءات الردعية للتقليل منها، ألا أن هذه الظاهرة ما تزال منتشرة وتسجل حضورها بقوة مع حلول كل مناسبة، لذا يمكن العمل على التقليل من انتشارها بتكاثف جهود الجميع من الأسرة إلى وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية والمصالح الأمنية".

ولا يوافق المتحدث من يقول إن ظاهرة الاحتفال بالمفرقعات في مناسبة المولد النبوي قد تراجعت في المدة الأخيرة، مشيرا إلى أنه "إذا نظرنا إلى الإحصائيات التي تقدمها الجهات الرسمية حول الإصابات في كل مناسبة، فمئات الأطفال والشباب يصابون بحروق وحتى إصابات خطيرة بسبب الاستعمال السيء للمفرقعات والألعاب النارية، والسبب الرئيسي في ذلك أراه بالدرجة الأولى من الأسر التي لا تلعب دورها بالشكل اللازم في توعية وتحسيس الأبناء بخطورة هذه الألعاب وتوجيههم وردعهم للابتعاد عنها".

ويلفت عبيدي إلى أن المسؤولية لا تقع على الأطفال والمراهقين فـ" للأسف الكثير من الآباء يساهمون في ذلك بالاستجابة لطلبات الأبناء في شراء المفرقعات في المولد النبوي رغم خطورتها على صحتهم وسلامتهم وسلامة غيرهم". 

الباحث توفيق عبدي لـ "الترا جزائر": احتفالات الوقت الحالي فقدت قيمتها الروحية حيث طغت عليها الشكليات والفولكلور

وينبه عبيدي في الأخير إلى ضرورة التركيز على دور الإعلام والمؤسسات التربوية في العمل على التقليص من هذه الظاهرة، وذلك بتحسيس المجتمع بخطورة هذه المفرقعات في المولد النبوي، إضافة إلى دور الجهات الأمنية التي يجب أن تضاعف المجهودات لمحاربة التجار والباعة الذين يبقون حلقة الوصل الأساسية في وصول هذه السلع الخطيرة إلى الزبائن.