24-أغسطس-2024
(الصورة: Getty)

(الصورة: GETTY)

أحدث تزايد الإصابات بجدري القردة في أفريقيا ومناطق أخرى من العالم حالة من الاستنفار في عديد الدول، وبالخصوص بعد التحذيرات التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية بشأن إمكانية انتقال العدوى إلى دول أخرى، فهل الجزائر من هذه الدول المعنية بهذا التحذير أم أنها تظل بعيدة عن هذه الاحتمالات؟.

بعد ما عاشه الجزائريون خلال جائحة كورونا، أصبح التحذير من كل وباء يستحضر في أذهانهم تلك الأيام العصيبة التي مروا بها

وبعد ما عاشه الجزائريون خلال جائحة كورونا، أصبح التحذير من كل وباء يستحضر في أذهانهم تلك الأيام العصيبة التي مروا بها، وهو ما جعل بعضهم يتساءلون عن الخطورة التي قد يشكلها جدري القردة على بلادهم وفرضيات وصوله إلى بلادهم.

اطمئنان مؤقت

أكد العضو السابق باللجنة العلمية الجزائرية المكلفة بمتابعة انتشار وباء كورونا الدكتور محمد بقاط بركاني  لـ"الترا جزائر" أنه بالرغم من التحذيرات التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية، إلا أن الجزائر تبقى بعيدة حاليا عن وباء جدري القرود، بالنظر لأنه لا توجد رحلات مباشرة من الجزائر نحو دول أفريقيا الاستوائية التي هي موطن هذا المرض، وبالتحديد الكونغو، مبينا أن جدري القرود ليس بالمرض الجديد، فهو معروف سابقا، ولم يكن يشكل وقتها خطرا كبيرا، كونه لم يكن يؤدي للوفاة.

وحسب منظمة الصحة العالمية، فقد اكتشف فيروس جدري القردة المعروف باسم "امبوكس"في الدانمارك سنة 1958 لدى قرود احتجزت لأغراض البحث، وتعود أول حالة إصابة بشرية أبلغ عنها لصبي يبلغ من العمر تسعة أشهر في جمهورية الكونغو الديمقراطية (1970).

ويشير الدكتور بقاط بركاني إلى أنه على الجزائريين العلم أن القردة التي تنقل هذا الجدري مختلفة عن القردة الموجودة بالجزائر كالمكاك البربري مثلا، لذلك فلا يستدعي الأمر الخوف منها، خاصة بالمناطق السياحية التي تعرف انتشار هذه الحيوانات كالشفة وبجاية وتيكجدة.

بقاط بركاني لـ "الترا جزائر": القردة التي تنقل هذا الجدري مختلفة عن القردة الموجودة بالجزائر كالمكاك البربري، لذلك فلا يستدعي الأمر الخوف منها، خاصة بالمناطق السياحية

وعقب القضاء على جدري القردة في عام 1980 ونهاية التطعيم ضد فيروسه في جميع أنحاء العالم، ظهر جدري القردة بشكل مطرد في وسط إفريقيا وشرقها وغربها. وحدثت طفرة عالمية في الفترة 2022-2023، حيث يبقى حسب منظمة الصحة العالمية المستودع الطبيعي للفيروس غير معروف، والعديد من الثدييات الصغيرة مثل السناجب والقرود عرضة للإصابة به.

وأضاف الدكتور بقاط بركاني أن جدري القردة كان مرضا غير خطير في السابق مقارنة بمرض الجدري المعروف الذي تم القضاء عليه نهائيا في الجزائر وفي معظم دول العالم.

وبدورها، أكدت وزارة الصحة الجزائرية في بيان لها هذا الأسبوع أنه بعد اعتبار منظمة الصحة العالمية جدري القردة باعتباره حالة طارئة (استعجالية) للصحة العمومية ذات نطاق دولي، اجتمعت اللجنة الفرعية الوطنية متعددة القطاعات لنقاط دخول اللوائح الصحية الدولية لتقييم المخاطر التي تهدد الجزائر، والتي خلصت "بعد استعراض الوضعية الوبائية العالمية و الإقليمية و طرق انتقال المرض، إلى أن الخطر لا يزال ضعيفا لدى عامة السكان في الجزائر".

وأضافت وزارة الصحة أنها " تؤكد عدم تسجيل أي حالة لجدري القردة على التراب الوطني، سواء كانت محلية أو مستوردة".

وقال المدير العام للمعهد العالي للصحة العمومية البروفيسور عبد الرزاق بوعمرة  للقناة الإذاعية الأولى، "لا وجود لأشخاص يشتبه إصابتهم بالداء في الجزائر"، داعيا إلى ضرورة إدراك خصائص الفيروس في إطار الاحترازات الوقائية.

وأضاف "للجزائر تجربة كافية للتصدي لحالات جدري القردة، ولابد من تفعيل خطة استجابة قوية لمجابهة الوباء الذي مس عدة بلدان إفريقية وأوروبية."

وبين بوعمرة أن طريقة انتقال المرض محدودة ولا تشكل خطرا قويا على الصحة العمومية،على اعتبار انه هناك  علاجا خاصا يتم التكفل من خلاله بالمرضى المصابين.

مكمن الخطر

يظهر من بيان وزارة الصحة أنها رغم تأكيدها على عدم الخوف من جدري القردة، إلا أنها أقرت في بيانها بوجود" خطر" حتى ولو وصفته بـ" الضعيف"، لذلك دعت إلى "ضرورة اليقظة"، بالنظر إلى أن "معظم الحالات المؤكدة على مستوى العالم وافدة من المناطق الموبوءة في أفريقيا".

وأوضحت وزارة الصحة الجزائرية أنه "بهدف منع ظهور الحالات، تم وضع نظام للمراقبة و الإنذار على المستوى الوطني، سيما من خلال تعزيز مراقبة الحالات من خلال تفعيل نظام المراقبة على مستوى نقاط الدخول والكشف السريع للحالات من قبل الطواقم الطبية وإعلام و توعية المواطنين.

و تؤكد وزارة الصحة توفر كل الوسائل اللازمة للتصدي لهذا المرض في احتمال دخوله إلى بلادنا، مع تأكيدها عدم تسجيل أي حالة لجدري القردة على التراب الوطني، سواء كانت محلية أو مستوردة.

وأشار الدكتور بقاط بركاني في حديثه مع "الترا جزائر" أن المرض أصبح خطيرا بعد تسجيل متحور جديد للفيروس المسبب له، وهو الخطر الذي يجب أن تأخذه الجزائر بعين الاعتبار، بأن تكون مراقبة طبية على مستوى المطارات وفي رحلات الخطوط الجوية الجزائرية، لتفادي أي إصابات وافدة.

وكانت الجزائر قد سجلت أول حالات الإصابة بفيروس كورنا لرعية إيطالي قادم من بلاده، متوجها للعمل في الجنوب الجزائري، ما يعني أنه على السلطات الحرص الصحي في التعامل مع المسافرين القادمين للبلاد.

وحسب منظمة الصحة العالمية، تجاوز عدد حالات الاصابة بجردي القردة المبلغ عنها حتى الآن للعام الجاري مجموع حالات العام الماضي، حيث سُجّلت أكثر من 15600 حالة عدوى و537 وفاة.

ودعا بقاط بركاني أيضا إلى أخذ الاحتياطات بالنسبة للنوادي الجزائرية المشاركة في منافسات رياضية بالقارة الأفريقية، وبالخصوص في كرة القدم التي قد تجمعها مباريات مع نوادٍ من الدول الإفريقية التي سجلت عدة إصابات بجدري القرود، بالنظر إلى أن فيروس هذا الداء ينتقل بالاحتكاك، وينقل العدوى عن قرب، مضيفا أن هذه الإجراءات يجب أن تطبق أيضا على رجال الأعمال والاقتصاديين الذين ينتقلون إلى الدول التي تسجل بها عدة إصابات بالمرض.

وحسب منظمة الصحة العالمية، يمكن أن يحدث انتقال جدري القردة من شخص لآخر من خلال الملامسة المباشرة للجلد المعدي أو عبر الفم أو الأعضاء التناسلية.

وتكون هذه الملامسة  بـ"ملامسة الوجه للوجه (أثناء الحديث أو التنفس)، والتلامس الجلدي (مثل اللمس أو الجنس المهبلي/الشرجي)؛ وبالتقبيل، وملامسة الفم للجلد، والقطيرات التنفسية أو الأهباء الجوية قصيرة المدى الناجمة عن المخالطة اللصيقة لفترات طويلة"

ويدخل الفيروس عندئذ الجسم عن طريق الجلد المشقّق والأسطح المخاطيّة (مثل الفم أو البلعوم أو العين أو الأعضاء التناسلية أو الشرج والمستقيم)، أو عبر الجهاز التنفسي. ويمكن أن ينتشر جدري القردة إلى أفراد الأسرة الآخرين وإلى الشركاء الجنسيين، لذلك فإن الأشخاص الذين لديهم شركاء جنسيون متعددون معرضون لخطر أكبر.

ويحدث سريان جدري القردة من الحيوان إلى الإنسان عبر الحيوانات المصابة التي تنقله إلى البشر عن طريق العضّات أو الخدوش، أو أثناء ممارسة أنشطة مثل الصيد أو السلخ أو نصب الفخاخ أو الطهي أو العبث بالجيف أو أكل الحيوانات. ولا يزال مدى سريان الفيروس في مجموعات الحيوانات غير معروف تماماً، وتُجرى حالياً المزيد من الدراسات في هذا الشأن، حسب منظمة الصحة العالمية.

وفي الحقيقة، تأتي مخاوف وصول جدري القردة للجزائر بالأساس من جانبين أولها عبر المسافرين الوافدين أو العائدين للوطن الذين يكونون في رحلات بها إصابات سواء في أفريقيا أو فرنسا التي سجلت العام الماضي عدة إصابات.

ويتمثل الجانب الثاني في العابرين للحدود الجزائرية بطريقة غير قانونية، وبالخصوص من الحدود الجنوبية، خاصة وأن الأرقام التي أعلنت عنها الجهات المختصة هذا العام مرعبة، فقد أعلنت وزارة الدفاع الوطني، أنها أوقفت أكثر من 13573 مهاجرًا سريًا، عبر التراب الوطني خلال السداسي الأول من 2024 فقط.

وتكمن هذه الخطورة إلى أن هذه الفئات لا تخضع للمراقبة الصحية التي تقوم بها السلطات على مستوى الحدود، وبالولايات الحدودية كتمنراست مثلا.

لكن الدكتور بقاط بركاني يرى أنه لا داعي للخوف من هذا الجانب، لأن أغلب المهاجرين الشرعيين القادمين إلى الجزائر ينحدرون من النيجر ومالي المجاورتين، وهما بلدان لم تسجلا إصابات بجدري القرود، وليستا بؤرة لظهور الفيروس أو تطوره.

إغلاق جديد؟

أصبح الحديث عن وباء جديد يرتبط مباشرة بالفترة التي عاشتها الجزائر والعالم خلال جائحة كوفيد-19، وبالخصوص إجراءات الإغلاق التي طبقت وقتها.

ويستبعد الدكتوبر بقاط بركاني اتجاه العالم لفرض إجراءات وقاية مشابهة، بالنظر إلى أن جدري القردة لا يشكل تلك الخطورة حتى مع ظهور متحور جديد من الفيروس، الأمر الذي لا يستدعي الإغلاق الجوي وووقف الرحلات إلى الخارج.

وأضاف بقاط بركاني أن العالم في حد ذاته ليس مستعدا اليوم لتطبيق قرار الإغلاق من جديد مهما كانت الظروف، بالنظر للخسائر التي تكبدتها مختلف الاقتصاديات العالمية التي ما تزال تبعاتها مستمرة حتى اليوم.

من المؤكد أن كل المؤشرات الحالية، تشير إلى أن خطر وصول جدري القردة إلى الجزائر يبقى ضعيفا، بالنظر لعدة عوامل، إلا أن المؤكد أيضا أن هذا الخطر غير مستبعدا في الوقت ذاته، وهو ما يتوجب التحلي باليقظة واتخاذ الاحتياطات اللازمة من الجميع سواء كانت حكومة أو مواطنين.