09-أكتوبر-2023
 (الصورة: Getty)

مسافرون جزائريون في نقطة مراقبة (الصورة: بلال بن سالم/Getty)

لم يمنع الطقس الرصاصي المُعتّم، وزخات المطر التي تساقطت على مدينة إسطنبول من تجمع العشرات من الشباب الجزائري وأمام فندق "كراسو" بضاحية بيازيت.

يَشتغل عصام في بيع الهواتف النقالة بالحي الشعبي بلفور، ويحمل شهادة ماستر في العلوم الاقتصادية، وينشط رفقة كافة أفراد عائلته في تجارة الهواتف النقالة التي يتم جلبها من دبي

كانت تبدو عليهم علامات الغضب والتوتّر، هؤلاء الشباب الذي يُطلق عليهم "البزنسية"، يَرصدون أخبارًا عن حركة المطار "كيفاش الأوضاع في المطار"، أي كيف أوضاع مراقبة السلع في المطار؟، البعض منهم يَسأل متوترًا "واش راهي مزيرة في المطار؟"، أي بمعنى هل توجد رقابة مشدّدة؟

حالة من التوتر

 تبدو مَلامح هؤلاء شباب أو تجار "الكابة" كما يُطلق عليهم، قلقة من الأخبار الواردة من الجزائر، وأنباء عن حجز الجمارك الجزائرية للسلع والبضائع حاول مسافران تمريرها، بينما تتباين الآراء وتختلق القصص وتتعدد الروايات عن "السيزي" أي حجز السلع التي طالت الرحلات القادمة من مدينة دبي أو من إسطنبول إلى مطار هواري بومدين، مما يضاعف مخاوف هؤلاء التجار.

في مقابل ذلك، يحاول بعض تجار الشنطة طمأنة زملائهم، ويردّدون أن حجز السلع يتعلق فقط بإدخال كميات كبيرة من الهواتف النقالة أو اللوحات الرقمية، فضلًا أن تشديد الرقابة الجمركية في المطار لن تطال إلا الرحلات القادمة من مدينة دبي الإماراتية. لماذا الإمارات تحديدًا؟

رحلة الرعب

تداولت في أوساط "البزنسية" أصداءٌ رصدتها "الترا جزائر" عن رحلة كانت قادمة من دبي نحو مطار هواري بومدين. الحادثة حصلت منذ أسبوعين تقريبًا، عانى فيها مسؤولو مكتب الخطوط الجوية الجزائرية بدبي من التعنيف اللفظي والسب والشتم، كان أصحابها مسافرون ينشطون في مجال تجارة الشنطة للهواتف النقالة والذكية.

أخبرنا أحدهم أن البداية بدأت باعتداء لفظي من طرف أحد "البزنسية" على مديرة مكتب الخطوط الجوية الجزائرية بدبي، تابع ذلك حالة من الهرج والمرج وعمت الفوضى في المطار.

وتابع المتحدث: بَعدها وعند نقطة التسجيل وشحن الحقائب، حصلت مُشادات بين أعوان مكتب الخطوط الجزائرية وتجار الشنطة حول الحمولة والميزان المسموح به.

هنا، أشار المتحدث إلى  أن القانون لا يسمح بحمل إلا حقيبة واحدة إلى الطائرة لا تتجاوز 10 كلغ، ما أثار غضب "البزنسية" خصوصًا حديثي الالتحاق بهذا النشاط.

ولفت إلى أن المناوشات وقعت، لأن أغلب تجار الشنطة اقتنوا هواتف جديدة ودسوها داخل حقائبهم اليدوية، ويرفضون تمريرها مع باقي الأمتعة، فضلًا على أنهم يحاولون تمرير أكثر من حقيبة يدوية، حيث يوزعون عدد الهواتف على الحقائب اليدوية.

ويُضيف أن شجارًا آخر اندلع داخل الطائرة، وحصل تدافع بين المسافرين وطاقم الطائرة بسبب عدم استيعاب المقصورات العلوية للعدد كبير من الحقائب اليدوية.

حجز كميات كبيرة من السلع.

على إثر ذلك التدافع والشجار والفوضى العارمة، وصلت الأصداء إلى السلطات العليا في العاصمة الجزائرية، هذه الأخيرة طالبت بفتح تحقيقٍ وإيفاد فرق جمركية وأعوان أمنية مشتركة لاستقبال الطائرة القادمة من دبي.

بحسب ما يتداوله بعض تجار الشنطة، فإن الطائرة حطت بمطار هواري بومدين بالعاصمة على الساحة الثانية صباحًا، ولم يتم إخلاء المسافرين وأمتعتهم أو ما تبقى من أمتعهم إلى غاية الثالثة مساء، وبحسب بعض الشهادات فإن عناصر من الأمن الداخلي رفقة الجمارك والمصالح الأمنية المشتركة كانت حاضرة بقوة خلال عمليات التفتيش والمراقبة، وبناءً على عملية تفتيش دقيقة تم حجز أكثر من 700 هاتف نقال، ومئات الألواح الرقمية و600 ساعة يد من مختلف الأصناف، والمئات من النظارات الشمسية، و500 علبة من العطور الفخمة، إضافة إلى بعض قطع غيار السيارات وبعض السلع.

الإشهار على التيك توك

يُعتبر بيع الهواتف النقالة بالجزائر نشاطًا تجاريًا مربحًا، وأمام المنافسة الحادة، لجأ بعض التجار إلى القيام بعمليات الإشهار والترويج لتجارة الشنطة انطلاقًا من مدينة دبي، إذ يَبث بعض البزناسية الشباب"ستوريات" على منصة تيك توك، ويُذيعون خبر اقتناء المئات من الهواتف النقالة وتحويلها إلى الجزائر عبر المطار بطرق غير شرعية متحديًا الجميع.

 هنا، تداول متابعون مقطعًا على منصة "تيك توك" تم حذفه من طرف صاحبه لاحقًا، يوثق فيه مباشرة من "سوق نايف" بدبي عملية شراء كمية كبيرة من الهواتف النقالة عالية الجودة، وموجهًا تَحديًا من إمكانية توقيفه أو على حجز السلعة.

من جانب آخر، ينشر محل لبيع الهواتف النقالة يقع في منطقة سيدي يحيى أحد الستوريهات عبر منصة انستغرام يعلن فيه عن حجز رحلات إلى مدينة دبي، داعيًا من يرغب في السفر مع إقامة ليلة واحدة بشكل مجاني، و يجلب ، مقابل تلك الليلة المجانية، رفقته كمية مع الهواتف قد لا تتعدى 5 أو 10 هواتف وتمريرها بشكل طبيعي وعادي.

فوضى في تجارة "الكابة" 

في هذا النحو، رصد "الترا جزائر" تذمرًا واستياءً بين تجار "الكابة" من بعض سلوكيات وممارسات بعض "البزنسية" ممن يطلق عليهم "صغار السن" و"الجدد"، هنا، يَقول فاروق الشاب الأربعيني، إنه يمارس تجارة الشنطة منذ فترة طويلة: "ندرك أننا نمارس نشاطًا تجاريًا بشكل غير نظامي، ولكن دائمًا نحاول ألا نُلفت الانتباه إلى نشاطاتنا ولا نتحدى مصالح المراقبة".

وأضاف محدثنا: نجلب بعض السلع والبضائع كالهواتف النقالة التي يكثر عليها الطلب، ولكن دائمًا نتوخى الحيطة والحذر ولا نجلب أعدادًا كبيرة في السفرية الواحدة.

وزاد أن "تجارة الكابة" هي ظاهرة عالمية وليس ممارسة تقتصر على الجزائريين فقط، مشيرًا إلى أنه "في سوق نايف بدبي يوجد تجار الكابة من مختلف الجنسيات حتى من بلدان أوروبية".

الاقتصاد الوطني؟

من جانبه، يتساءل ياسين وهو من "تجار الكابة" وينشط على محور دبي -إسطنبول- الجزائر أين الضرر الذي نلحقه بالاقتصاد الوطني كما يدعي البعض.

وقال إن هناك المئات من الشباب والعائلات تسترزق من هذه التجارة. وأضاف "مادام المستهلك الجزائري يطلب نوعا من السلع وهي غير متوفرة بالسوق، آليا نحن نقدم العرض".

في هذا السياق، افترض المتحدث أنه لا توجد تجار "الكابة"، فأين يقتني الجزائريون هواتف مثل أيفون وسامسونغ أو اللوحات الرقمية وبعض اللوازم الكومبيوتر وغيرها من السلع الاستهلاكية؟.

وتابع لا يمكن القول إن تجارة الشنطة تلحق ضرار بالاقتصاد الوطني، وبحسب أقوال المتحدث فإن حجم التكلفة المالية بالعملة الصعبة للنشاط تجارة الكابة ضئيل جدً، ولا يُعتمد فيه على العملة الصعبة للدولة.

رُب ضارة نافعة

في سياق متصل، يَشتغل عصام وهو بائع للهواتف النقالة بالحي الشعبي بلفور، ويحمل شهادة ماستر في العلوم الاقتصادية، وينشط رفقة كافة أفراد عائلته في تجارة الهواتف النقالة التي يتم جلبها من دبي.

يقول عصام في حديث لـ "الترا جزائر" : "لا بد من أن ننظر إلى تجارة الشنطة من زوايا متعددة وليس شيطنتها".

 وتابع: لا يمكن أن نحجز لمسافر قادم من دبي أو باريس أو إسطنبول حقيبة أو حقيبتين تحملان بعض الشكولاتة أو مواد التجميل أصلًا غير متوفرة في الجزائر.

وقدم عصام مثالًا عن سوق بلفور، حيث تزدهر تجارة الهواتف النقالة واللوحات الرقمية والحواسيب، قائلا : هناك المئات من الشباب من يسترزق من هذا السوق.

مضيفًا: "فرضًا لو يتم تشديد على تجارة الشنطة وجلب الهواتف الذكية، أين يذهب وما هو مصير هؤلاء الشباب المنحدر من الأحياء الفقيرة والشعبية، في حال تم قطع مصدر رزقهم، أو عدم توفير بدائل اقتصادية؟".

التهريب هو الأخطر

وقال محدثنا إن الخطر لا يَكمن في تجارة "الكابة"، بل في عمليات التهريب التي تقام على الحدود. وزاد أنه التهريب يمس حقًا بالاقتصاد الوطني، نتيجة المقايضة بين السلع المدعمة والحبوب المهلوسة، أو تكوين شبكات التهريب الخطيرة.

ودعا عصام إلى التخفيف من إجراءات المراقبة أو على الأقل تقنين التجارة الخارجية التي تسمح لهؤلاء الشباب باستيراد السلع والبضائع بأموالهم الخاصة مع دفع ضريبة رمزية بدل تشجيع الاحتكار وبارونات الاستيراد.

يعرف سوق الهواتف النقالة بالجزائر نشاطًا تجاريًا مربحًا، وأمام المنافسة الحادة، لجأ بعض التجار إلى القيام بعمليات الإشهار والترويج للتجارة الشنطة انطلاقًا من مدينة دبي

نزلت الطائرة بمطار هواري بومدين على الساعة السادسة، كانت إجراءات المرور عبر شرطة المطار سَلسلة، وتم تسليم الحقائب والأمتعة بشكلٍ أسرع عكس من ذي قبل، وفي بهو قاعة تسليم الحقائب يصطف أعوان الجمارك بالزي المدني والرسمي بشكل منتظم، يراقبون عن بعد الحقائب والأمتعة، ويرصدون الحقائب المشطوب عليها S بالطبشور، وفي الممر الأخير ودعنا الشاب إسلام، وقد كان يبدو سعيدًا أنه استطاع تمرير ستة هواتف ذكية وبعض الإكسسوارات والحلويات دون أدنى متاعب، معلقًا "قلت لك الدولة حنينة".