تعوّد الجزائريّون على أنواع كثيرة من التّخريب، منها تخريب قبور وأضرحة ومنشئات خاصّة وعامّة؛ لكنّهم لم يتعوّدوا على تخريب مكتبة وضعت في الهواء الطّلق ليأخذ منها الناس كتبًا ويضعوا أخرى، فهي في حكم الشّمعة التّي تضيئ ليل الشّارع الجزائريّ المحكوم عليه بحكم جاهز هو أنّه لا يقرأ ولا يحبّ من يقرأ.
المكتبة تحمل اسم المفكّر مالك بن نبي الذّي يحظى باحترام وافر لدى مختلف الأجيال الجزائريّة
من هنا؛ كانت صدمة الجزائريّين كبيرة بإقدام طرف مجهول على تخريب مكتبة الهواء الطّلق في مدينة عين مليلة التّابعة لولاية أمّ البواقي؛ 400 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة.
اقرأ/ي أيضًا: الفيلم الجزائري "سينابس" يحصد جائزة بمهرجان الفيلم القصير بهولندا
وما ضاعف الصّدمة أنّ المكتبة تحمل اسم المفكّر مالك بن نبي الذّي يحظى باحترام وافر لدى مختلف الأجيال الجزائريّة. وأنّ فعل التّخريب حدث في ذكرى رحيله وفي ظلّ النّدوة الوطنيّة التّي أطلقتها وزارة الثّقافة باسمه؛ "لاسترجاعه من الآخرين"، في إشارة منها إلى أنّ فيلسوف الحضارة حظي بالاهتمام من الأجانب أكثر من اهتمام الجزائر به.
تناقلت مواقع التّواصل الاجتماعيّ مشاهد التّخريب التّي مسّت المكتبة التّي بادر بها شباب فاعلون ثقافيًّا في المدينة، مرفوقةً بعبارات الشّجب والاستنكار.
وورد في بيان لجمعيّة "فسيلة الإبداع الثّقافيّ" التّي أطلقت مؤخّرًا "الشّبكة الوطنيّة للمكتبات الشّعبيّة" أنّ الجزائر شهدت، في السّنوات الأخيرة مشروعًا شبابيًّا حضاريًّا رائعًا يوحي بروح حضاريّة رائعة، هو إطلاق مكتبات في مفاصل من المدن الصّغيرة والكبيرة، لزرع ثقافة القراءة وتبادل الكتب.
"وقد شرعت هذه المكتبات الموضوعة في الهواء الطّلق في إتيان ثمارها، متحالفةً مع مشاريع أخرى في السّياق نفسه. وما صدمنا وصدم غيرنا هو إقدام شخص أو أشخاص في جنح الظّلام بدافع من الرّوح الظّلامية على تخريب مكتبة الهواء الطّلق التّي تحمل اسم المفكّر مالك بن نبي في مدينة عين مليلة بولاية أم البواقي".
وإنّنا ننتظر من السّلطات الأمنيّة، يقول البيان، التّحقيق في ملابسات القضيّة وإحالة الفاعل على المحكمة. فما حدث سلوك متوحّش لا ينسجم مع محاولة الشّباب في عين مليلة وفي عشرات النّقاط عبر الجمهوريّة لزرع نقاط ضوء في الشّارع الجزائريّ".
واستحضر النّاشر والنّاشط في مجال الكتاب كمال قرور المثل الشّعبيّ القائل إنّ الرّاعي؛ حين لا يجد ما يفعل، يقوم بكسر العصا، أي ما يستعين به على مسعاه.
انطلاقًا من هذا المثل الشّعبيّ، يقول كمال قرور، نحاول فهم ذهنيّة من قام بالفعل التّخريبيّ المخلّ بالثّقافة. وهي ذهنيّة سائدة وليست شاذّة، إنّها امتداد لتخريب أعمدة الكهرباء والمصابيح والحدائق ومحطّات الحافلات.
ويخلص صاحب دار "الوطن اليوم" إلى القول: "هذا الكائن الذّي هو نحن لا تعجبه الأشياء الجميلة إلّا اذا كانت مخرّبة ومحطّمة". ثمّ يتساءل: "أيّ مجرم هذا؟ هل كان يتسلّى؟ هل كان يراهن أصدقاءه؟ هل كان في لاوعيه؟ هل فعل ذلك بدافع أيديولوجيّ؟ هل سرق الكتب؟ وإذا سرقها هل سيقرأها أم يحرقها أم يبيعها لغيره؟".
في السّياق نفسه؛ يقول أستاذ الفلسفة في جامعة الجزائر عمر بوساحة إنّها صورة رمزيّة لوعينا الثّقافيّ، وفكرة دالّة على ذهنيّة التّخريب والبربريّة التّي تسكننا. "سيعمّ الخراب المجتمع والدّولة اذا كنّا لا نطيق وجود الكتاب والمكتبات في أحيائنا وقرانا ومدننا. فالحضارة يصنعها الكتاب لا فكر الظّلام والظّلاميين".
وردًّا على هذا السّلوك؛ قال مدير الثّقافة في ولاية أمّ البواقي الشّاعر علي بوزوالغ إنّه تمّ سريعًا ترميم المكتبة وإعادة ما بقي من كتبها إلى رفوفها؛ على أن تُزوّد بكتب أخرى قريبًا.
علي بوزوالغ: تمّ سريعًا ترميم المكتبة وإعادة ما بقي من كتبها إلى رفوفها
يضيف: "ما حدث مرفوض، لكن لا ينبغي أن نقع في فخّ سحبِه على كلّ المدينة وكلّ الجزائر، فننفي عنها الرّوح الحضاريّة. فإذا حدث تخريب المكتبة على يد شخص واحد، فإنّ إنجازها وتزويدها والتّزوّد منها كان على أيدي العشرات".
اقرأ/ي أيضًا: