21-أغسطس-2022
(الصورة: Getty)

(الصورة: Getty)

رغم أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أعلن عن الشروع في تدريس الإنجليزية بالابتدائي خلال مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 30 كانون الثاني/جانفي 2022، أي قبل ثمانية أشهر من الآن، إلا أن كثيرين توقّعوا أن يتأجل تنفيذ القرار في المدرسة الجزائرية إلى المواسم الدراسية المقبلة، أو أن يبقى مجرد فكرة لن تر النور، مثلما تعودوا عليه من قرارات سابقة، خاصة حينما يتعلق الأمر بملفات مرتبطة بفرنسا ولغتها.

يتساءل متابعون إن كان التلاميذ سيستوعبون ثلاث لغات في المرحلة الابتدائية بعد صدور قرار تدريس الإنجليزية 

وعاد الرئيس مرة أخرى ليصرح في حوار مع الصحافة الوطنية نهاية شهر تموز/جويلية الماضي، بأن تدريس الإنجليزية سيكون في الموسم الدراسي المقبل أي مع دخول التلاميذ 2022/ 2023، ولن يتأجل للأعوام المقبلة، واصفًا الإنجليزية بـ"لغة العلم والعصر والتكنولوجيا".

وبعدها بساعات باشرت وزارة التربية والتعليم الوطنيين إجراءات إدراج هذه اللغة في برامج التلاميذ تحضيرًا للدخول المنتظر بتاريخ 18 أيلول/سبتمبر 2022، لتتحول الفكرة إلى مشروع حقيقي يسابق الزمن للتنفيذ بالسرعة القصوى.

ويأتي ذلك وسط تساؤلات مفادها: هل سيتم تدريس الإنجليزية إلى جانب الفرنسية؟وهل تلميذ الابتدائي قادر على استيعاب ثلاث لغات؟ وهل سيسكت أصحاب التيار الفرانكوفوني؟ الذين يقال إنهم كانوا وراء إجهاض مشروع الإنجليزية بالابتدائي في الجزائر سنوات التسعينيات، وهو المشروع الذي كان عرّابه وزير التربية الأسبق علي بن محمد، والذي أنهي مساره بفضيحة تسريب أسئلة البكالوريا وقتها، وانتهى معها حلم استبدال الفرنسية بالإنجليزية في الجزائر".

الأولياء قلقون

ويجزم رئيس منظمة أولياء التلاميذ علي بن زينة في إفادة لـ"الترا الجزائر"، أن قرار تدريس الإنجليزية في الابتدائي أثلج صدور أولياء التلاميذ، إلا أنه أقلقهم في نفس الوقت، فالمنظمة سبق لها وأن باركت قرار تدريس اللغة الانجليزية في الأطوار الابتدائية، إلا أنها حذّرت من خطورة عدم التحضير الجيد للمشروع قبل إطلاقه ليتم وأده في المهد مثلما حدث في التجربة الأولى مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وطالبت المنظمة أيضًا بإشراك خبراء ومختصّين في تحضير خطة عمل من أجل إنجاح تمرير هذه اللغة والتي تعد الأكثر استعمالًا في العالم، إلى برامج ومناهج المدرسة الجزائرية.

المتحدث حمل وزارة التربية جانبًا هامًا من المسؤولية في حال فشلت التجربة الثانية بعد 30 سنة من التجربة الأولى، فهي لم تُحسن، حسبه، التحضير للمشروع، رغم أن رئيس الجمهورية فتح هذا الملف شهر كانون الثاني/جانفي 2022، مضيفًا: "تماطل مسؤولي القطاع وتضارب المعلومات والمعطيات حول اختيار السنة التي ستدرس فيها هذه اللغة، استنزف الكثير من الوقت ووضع وزارة التربية في موقف صعب بداية هذا الموسم"، وأردف قائلًا: "في حال عجزت الوزارة عن التطبيق الناجح للمشروع سيكون الضحية هو التلميذ".

وتطالب منظمة أولياء التلاميذ بضرورة إشراك مختصّين في إعداد الملف، والإسراع في توظيف الأساتذة والإفراج عن الكتاب الخاص بهؤلاء، واستكمال البرامج، في حين رفضت استشارة النقابات التي رأت أن اهتماماتها تقتصر على الجانب المهني لموظفي القطاع، ولا يمكنها الفصل في القضايا البيداغوجية.

هذه شروط نجاح المشروع

ويأتي ذلك في وقت يشترط خبراء توفر جملة من العناصر لنجاح تجربة تعليم أبناء الجزائريين اللغة الإنجليزية في الابتدائي، منها  اكتساب الوعي والخبرة من التجارب السابقة والحذر من مكائد رواد التيار الفرانكوفوني.

من جهته، يرى البرلماني ومفتش التربية السابق مسعود عمراوي في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن إجهاض مشروع تدريس اللغة الإنجليزية من طرف اللوبي الفرانكوفوني عدة مرات آخرها كان سنة 1992 في عهد وزير التربية الأسبق الدكتور علي بن محمد، جراء مؤامرة تسريب أسئلة شهادة البكالوريا، يجعل الجزائريين اليوم يتوجّسون من نجاح إدراج اللغة الإنجليزية في مقررات الابتدائي هذه المرة أيضا.

فمجلس الوزراء قرر مرة أخرى تدريس اللغة الإنجليزية في التعليم الابتدائي ابتداءً من السنة الدراسية المقبلة في خطوة جريئة وسيادية، حظيت بالمباركة، بحكم أن الظروف تغيرت والمدرسة الجزائرية ستخطو خطوات إلى الأمام، إلا أن الأمر يستوجب إسناد الملف لأهله، وفق عمراوي، والعمل الحثيث مع مختصّين لإعداد البرامج والكتب المدرسية التي يجب أن تكون جذابة، و مراعية للنمو العقلي لتلميذ هذه المرحلة، وإعدادها من قبل مؤلفين أكفاء وطنيين صادقين همهم الأساسي إنجاح التجربة، على حدّ قوله.

محدث "الترا جزائر" يطالب بالاستفادة من التجربة الرائدة في التسعينات قبل إجهاض المشروع الذي أقرّه مجلس الوزراء آنذاك، إذ أثبت التلاميذ كفاءتهم خلال تلك الفترة في تعلم اللغة الإنجليزية، كما أن وزارة التربية مدعوة اليوم إلى رفع التحدي لإنجاح العملية وتجسيدها ميدانيًا في الدخول المدرسي المقبل.

الإنجليزية على حساب الفرنسية 

وبشأن مصير تعليم اللغة الفرنسية، يرى عمراوي أن ذلك متوقف على مدى صمودها أمام اللغة الإنجليزية، رغم أن الواقع يؤكد تراجعها، وهذا ما أكّدته السيدة كريستينا روبالو كوردييو مديرة مكتب الوكالة الجامعية للفرانكوفونية بالمغرب العربي، حيث كشفت إثر زيارتها للجزائر سنة 2015 تراجع اللغة الفرنسية، وأكدت سعيها لدى وزارة التربية الوطنية في عهد الوزيرة بن غبريط، لاستعادة مكانتها، حيث لمست منها تفهمًا ووعيًا كبيرين بالأمر، وكذلك دعمًا لهذه المبادرة، لولا تحرك نقابات عمال التربية والتكوين وقتها بجدية عبر وسائل الإعلام، لمنع فرنسة ثانوية بوعمامة بالجزائر العاصمة، واتخاذها كنموذج في انتظار تعميم العملية عبر ولايات الوطن.

ويشدد عمراوي على أن التلميذ يمكنه تعلم أكثر من لغتين أجنبيتين في مرحلة الابتدائي، التي تعد أخصب مرحلة في حياة الطفل لتعلم اللغات، وهذا ما يؤكّده الخبراء، مضيفًا "كان أملنا أن يتم إدراج اللغة الإنجليزية ابتداءً من السنة الثانية ابتدائي، فالتجربة جد ناجحة في المدارس الخاصة وستكون أنجح في المدارس العمومية".

وعلى خلاف ذلك، يرى المكلف بالاعلام على مستوى المجلس الوطني للتعليم ثلاثي الأطوار "كنابست" مسعود بوديبة في إفادة لـ"الترا جزائر"، أنه من الصعب القول إن اللغة الفرنسية ستشهد تدحرجًا في الوقت الراهن، وأن هذا الحكم سابق لأوانه، لكن من المؤكد في حال نجح المشروع مستقبلًا ستكون مكانة الفرنسية مهددة في المدرسة الجزائرية.

وينفي بوديبة احتمال تسجيل أي تداخل في حال تعلم الطفل بالابتدائي لثلاث لغات في نفس الوقت، مؤكدًا أن التلميذ وفي حال تم تلقينه اللغات جيدًا سيكون قادرًا على إتقانها جميعًا.

يجد التلاميذ صعوبة بالغة في دراسة اللغة الفرنسية وهو ما يطرح أسئلة حول إمكانية إضافة لغة أخرى إلى برنامجهم الدراسي

وفي النهاية تبقى طريقة تدريس  اللغات في الجزائر تثير إشكالية يفترض أن تخضع للمعالجة قريبًا من قبل بيداغوجيين ومختصين، فالفرنسية تدرس للتلاميذ منذ الأطوار الأولى، ورغم ذلك يجد التلاميذ صعوبة في إتقانها إلى جانب الإنجليزية وحتى اللغة الأم العربية.