13-أغسطس-2021

(بلال بن سالم/Getty)

قبل أسابيع معدودة من انطلاق الموسمين الدراسي والجامعي الجديدين، تعود إلى الواجهة قضية الإصلاح التعليمي في كل الأطوار، خاصة ما تعلق منه بتعزيز استعمال اللغة الإنجليزية في المنهج التربوي والجامعي، وهي العملية التي لا تزال تسير حتى اليوم بوتيرة لا تتماشى مع متطلبات العصر وحاجيات المدرسة والجامعة الجزائريتين.

من حق المهتمين بالشأن التربوي التساؤل إن كان تنفيذ تلك الوعود يسير في الطريق الصحيح أم أنه قد صار خطابًا من الماضي؟

بعد أكثر من عامين من الوعود التي أطلقت من قبل الجميع، خاصّة المسؤولين للتخلص من اعتماد النظرة الفرنسية في المناهج التعليمية، وعلى رأسها اللغة الفرنسية واستبدالها بالانجليزية باعتبارها لغة العلم اليوم بإجماع كثيرين، من حق المهتمين بالشأن التربوي التساؤل إن كان تنفيذ تلك الوعود يسير في الطريق الصحيح أم أنه قد صار خطابًا من الماضي؟.

اقرأ/ي أيضًا: وزارة التعليم تصدر التقرير النهائي لتعميم اللغة الإنكليزية في الجامعات

موجة عابرة؟

بعد اندلاع حراك 22 شباط/فيفري 2019 الذي كانت تحمل بعض شعاراته مطالبات بالتخلّص من كل ما هو فرنسي وفي مقدمتها لغة موليير، باعتبارها أحد أسباب التخلف الذي تعيشه البلاد على الأقل على المستوى التعليمي. تصاعدت وقتها المطالبات باعتماد الانجليزية لغة حية أولى في المنهاج التعليمي والجامعي، وإنهاء حالة التبعية للفرنسية، وهو ما جعل باريس تُعلن صراحة عبر سفيرها السابق بالجزائر عملها على تثبيت مكانة الفرنسية في المنهج التعليمي الجزائري.

وكانت وزارة التعليم العالي من السباقين لخوض التخلّص من التبعية للفرنسية، بعد أن طرحت استفتاء على الإنترنيت حول تعميم استعمال اللغة الإنجليزية في كل أطوار التعليم العالي بالجامعات الجزائرية والمعاهد التابعة له، والذي كانت نتائجه مبهرة بالنسبة لداعمي هذا الطرح، إذ أيد 93 بالمائة من المستفتين التوجه نحو تعميم التدريس بالإنجليزية.

وفي قطاع التربية، أعلنت وزارة التربية امتحان مادة اللغة الإنجليزية من الامتحانات المهنية للترقية في مجال التعليم، في خطوة أولى لم تتجرأ عليها الإدارات السابقة التي تولت واحدًا من أهم القطاعات في البلاد.

وفي آب/أوت 2019، لم يستبعد وزير التربية وقتها عبد الحكيم بلعابد الذي عاد لهذا المنصب مرّة ثانية في الحكومة الجديدة احتمال، إدراج تعليم الإنجليزية في المرحلة الإبتدائية، معتبرًا ذلك أمرًا واردًا. لكن بعد مرور أكثر من عامين لا يوجد ما يبشر بالذهاب نحو تجسيد هذه الخطوة، خاصّة في قطاع التربية الذي يؤكد المنتسبون له أنه لا يزال يسير وفق النظرة التغريبية الفرنسية، التي حرصت الوزيرة السابقة نورية بن غبريت على تطبيقها خلال حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

إصرار على المضي قدمًا

رغم مغادرته وزارة التعليم العالي، إلا أن الوزير السابق للتعليم العالي والبحث العلمي الطيب بوزيد لا يزال متمسكًا بمشروع تعميم اللغة الإنجليزية الذي أطلقه، ويصر اليوم على إكماله رغم كل الإكراهات.

وقال بوزيد على صفحته الرسمية في فايسبوك "لقد مرّت الآن ثلاث سنوات منذ أن نجحنا في مشروع "تعزيز استعمال الإنجليزية في الجامعات الجزائرية على مستوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي"، ومن دواعي الشرف والحظوة أننا كنا ممن بادر بتصميم وإطلاق هذا المشروع الضخم 'الذي يعتبر ثورة لغوية، وهذا كان بفضل الدعم الكامل الذين تلقيناهما من قِبل الطلبة والأساتذة، ولازلنا نتذكر كم كان التحدي شاقًا".

ويعترف الوزير بمواجهة مشروعه صعوبات جمة بالقول "واجهنا وتخطينا جميع القيود البيروقراطية عند إطلاقنا للحملة الإعلامية، كما أننا نتذكر كيف انتشرت الفكرة بسرعة فائقة في عام 2019. هذه الفترة -كما يتذكرها معظمكم- تميزت بالحراك السلمي والأصيل في الجزائر".

ويصرّ الوزير على أن مشروعه يلقى الإجماع من أغلب الأسرة الجامعية  بالتأكيد على أن " غالبية طلاب الجامعات وعموم الشعب الجزائري تبنوا المشروع بنسبة 94%، وكانت تذاع على جميع القنوات التلفزيونية والإذاعات الوطنية والجرائد وكذلك على وسائل الإعلام الدولية".

وحسب الطيب بوزيد ، فإنّ المشروع لايزال مستمرًا، مضيفًا في هذا الشأن بالقول "أما اليوم، فيمكننا القول إننا جد سعداء لرؤية زملائنا من الجزائريين يستلمون المشعل، ويساهمون في الأمر برمته، والذي أصبح مشروعًا هادفا، غايته تعزيز تدريس اللغة الإنجليزية في ميدان التعليم العالي بالجزائر".

وتابع الوزير السابق قائلًا "تطور المشروع وتهيكل بشكل جيد للغاية، وذلك بفضل الدعم القيم الذي تلقيناه من طرف نظرائنا الأمريكيين من جامعة كولومبيا. وما كان لهذا أن يتحقق لولا تمويلات وزارة الخارجية الأمريكية منحة بما يقارب نصف مليون دولار".

وقبل أيام أطلق، دعا الوزير أساتذة اللغة الانجليزية للمشاركة في استبيان جديد على الانترنيت يدخل في إطار إتمام مشروع تعممي اللغة الأكثر استعمالًا في العالم بالمؤسّسات الجزائرية.

عقبات أخرى

يعترف الأستاذ رشيد ولد بوسيافة، أحد الداعمين لمشروع تعميم اللغة الانجليزية في الجامعات أن هذا يسير بوتيرة "بطيئة"، لكن رغم ذلك يؤكد أن القائمين عليه بقيادة الوزير السابق الطيب بوزيد مستمرون في ذلك.

 وبتطابق هذا الحكم مع نظرة وزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي عبد الباقي بن زيان، الذي كان يرأس لجنة ما بين القطاعات في المشروع التمهيدي لتعليم الانجليزية.

ويتّضح ذلك من تصريح له في كانون الأول/ديسمبر الماضي، حينما قال إن "تعميم اللغة الانجليزية في الجامعة الجزائرية يكون تدريجيًا و يتماشى مع إمكانيات مصالحنا من الكفاءات القادرة على تكوين وتأطير الطلبة بمستوى عال".

وأضاف أن " المشروع يحتاج إلى دراسة متأنية وعميقة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الوطني والمعطيات العالمية، وسوق العمل العالمية التي تعطي الأهمية والأولوية عند التوظيف لمسألة التحكم في اللغات".

وتضمن تصريح الوزير عبارات كلها تشجع على التخلّي عن تعميم اللغة الإنجليزية في الجامعات تمثلت في "التأني والتدريج"، في حين أن الواقع الجزائري والعالمي يستدعي أن يكون تنفيذ هذا المشروع ذا طابع استعجالي، للخروج من البحث العلمي والجامعة الجزائرية إلى برّ الأمان".

ورغم أن المشروع يشترك فيه قطاع التربية الوطنية والتعليم والتكوين المهنيين، والتعليم العالي والبحث العلمي، إلا أن المهتمين بالشأن التربوي يقولون إنهم لمسوا في البداية تحمسَا لذلك، إلا أن التيار الفرانكفوني المسيطر على مناهج التعليم والتربية استطاع الرجوع وكبح  تنفيذ هذه الخطوة.

ويقول أستاذ الثانوية في اللغة الإنجليزية محمد ملياني لـ "الترا جزائر"، إن الرفع من مستوى إجادة اللغة الإنجليزية في الأطوار التربوية يكون مرهونا بالرجوع لمشروع وزير التربية السابق في التسعينات علي بن محمد الذي طالب بتدريسها في المرحلة الابتدائية.

لكن ملياني يستدرك قائلًا "تعليم الإنجليزية في الابتدائي هي أول خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن الفرانكفونيين لن يسمحوا بذلك، فبعد حراك 22 شباط/فيفري، كنا على وشك تنفيذ هذه الخطوة، غير أن هذا التيار استطاع العودة وثبط أي مشروع للرفع من مستوى تعليم الإنجليزية".

محمد ملياني: تعليم الإنجليزية في الابتدائي هي أول خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن الفرانكفونيين لن يسمحوا بذلك

يُذكر أن الدستور الجزائري الجديد، نصّ على إبعاد المدرسة عن كل الإيديولوجيات، في خطوة تهدف للرقي بمستوى التعليم في البلاد، غير أن ذلك يبقى غائبًا بعد مرور قرابة العام على استفتاء الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وهو ما يجعل تنفيذ مشروع تعميم استعمال اللغة الانجليزية في قطاع التربية أو الجامعة محفوفا بكثير من العوائق والحواجز.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإنكليزية بدل الفرنسية... باريس تشنّ هجومًا معاكسًا

الإنكليزية بدل الفرنسية.. هل هي غنيمة حراكٍ شعبي؟