26-مايو-2022
حرب التحرير

(الصورة: وكالة الأنباء الجزائرية)

قالت المؤرخة الفرنسية وأستاذة التاريخ المعاصر في جامعة باريس نانتير، رافائيل برانش، إنّ الاستعمار الفرنسي كان يهدّئ الأمور في الجزائر باستعمال النابلم.

المؤرّخة الفرنسية برانش: فرنسا لا يمكنها الاعتراف باستخدام هذه المادة الحارقة، لأنّ هذا السلاح محظور بموجب الاتفاقيات الدوليّة التي وقّعت عليها باريس

وكشفت المؤرخة الفرنسية في مقال لها على موقع "أوريان 21" ما أسمته بـ"افتراء الوزير الفرنسي المكلف بشؤون الجزائر، روبير لاكوست، عام 1957 بأن النابالم محظور بشكل صارم ولم يستخدم قطُّ في أيّ عملية عسكرية في الجزائر".

حربٌ مُلتهبة

ترى رافائيل برانش، أن فرنسا لا يمكنها الاعتراف باستخدام هذه المادة التي تدخل في صناعة القنابل الحارقة، لأنّ هذا السلاح محظور بموجب الاتفاقيات الدوليّة التي وقّعت عليها باريس.

كما أن استخدامه، وفقها، يتعارض مع ما تحاول فرنسا الترويج له من أن ما تقوم به إنما هو عمليات إنفاذ قانون بسيطة في الجزائر الفرنسية منذ تشرين الثاني/نوفمبر 1954.

وأضافت: "ما تحاول فرنسا التستر عليه أصبح واضحًا في الجبال الجزائرية، حيث يقاتل الجيش الفرنسي مقاتلي جيش التحرير الوطني، خاصة في الغابات التي يجعلون منها مخابئ لهم، فيُسقط عليهم من الجو قنابل النابالم التي تتسبب في حريق سريع الانتشار، لا سيما في المناطق ذات الأشجار الكثيفة".

وأكدت شهادات فرنسية، حسب المقال ذاته، ما ندد به الثوار في وقت كانت الجزائر تغوص فيه أكثر وأكثر في أتون الحرب، وذكّرت صحيفة بتصريحات لمدير صحيفة "لوموند" هوبار بوفي ميري عام 1959 أنه لم يعد لديه أدنى شك في أن باريس استخدمت هذه الأسلحة، وذلك إثر مقابلة له مع بول ديلوفريي، الذي خلف روبرت لاكوست في منصب وزير الجزائر بالحكومة الفرنسية.

وكان عريف في الجيش الفرنسي أرسل رسالة إلى الصحيفة قبل فترة وجيزة من تلك المقابلة وصف فيها كيف قضوا على مجموعة من المسلحين الجزائريين، قائلا إنهم تمكنوا من حرقهم أحياء هم و10 مدنيين كانوا معهم، بينهم امرأتان وفتاة في العاشرة من عمرها.

قصص رعب

وشددت المؤرخة على أن الطيارين يعرفون جيدًا ما يسقطونه، وكذلك الجنود على الأرض الذين يطلبون دعمهم، لافتة إلى أن الجيش الفرنسي كان يستخدم للحديث عن هذه الأسلحة العبارة المشفرة "علب خاصة".

وحمل مقال المؤرخة الفرنسية، شهادات بعض من تضرروا من هذه الأسلحة، إذ يقول محمد قايد وأحد الثوار الذين استهدفهم قصف بالنابالم: "ماذا نفعل بالجندي الذي يحترق أمامنا فإذا لمسناه نحترق مثله؟، فكنا نحثوا عليه من التراب أو نأخذ قطعة قماش ونغطيه رغم ما في ذلك من مجازفة لأن النيران يمكن أن تطول أي شخص يتدخل، وبسرعة فائقة".

ويواصل قايد سرد قصته "رأيت المصابين يحاولون الهرب، كانت رائحة كريهة تنتشر في المكان، كانوا يتدحرجون على الأرض، وكان بعض لحمهم يبقى ملتصقا بالحجارة، كانوا يصرخون، وما زلت أسمع من حين لآخر ذلك الصراخ".

من جانبها، تصف المجاهدة مريم مختاري "الطائرة التي تطلق هذه الأسلحة كانت تجعل الأرض تكتسي ما يشبه حمم البراكين ويبدأ الحريق الانتشار في الغابة، فترى الدجاج يفر مع فراخه وكذلك الكلاب والحيوانات والمدنيون من نساء وأطفال، الكل يركض هربًا من الحريق".

"أما من يطولهم الحريق فإنهم يشوون ولا يبقى منهم إلا رواسب متفحمة، في حين يحاول من يستطيع ذلك وقف تمدد الحريق بالماء وبكل الوسائل المتاحة"، تضيف المتحدثة.

تبرير فرنسي

ونقلت رافائيل برانش أيضًا شهادة لضابط فرنسي يحاول تبرير استخدام  قنابل النابلم بالقول إن "المقاتلين الجزائريين كانوا يختبؤون في مواقع رائعة، ولم يكن بالإمكان طردهم إلا إذا نفدت ذخيرتهم، وكان القضاء على مقاتل واحد منهم يعني خسارة الفرنسيين 10 جنود في المقابل".

ويضيف: "من الأفضل أن تقوم القوات الجوية بضرب المتمردين واستخدام النابالم في هذه المنطقة الصخرية حيث يمكن للمتمرد أن ينصب كمينًا خطيرًا وفعالًا".

وختمت المؤرخة بالقول "بعد عام 1962، ظلت الغابات المتفحمة والمتحجرة في سلاسل الجبال الجزائرية شاهدة على هذا العنف لسنوات، أما بالنسبة للجثث التي تحولت إلى كتل فحم بسبب هذه المواد الحارقة فما زالت صورها تطارد من رآها".