يبدو أن السلطات الجزائرية، عازمة على الذهاب بعيدًا في تحقيقاتها مع من تتّهمهم بالفساد وخيانة البلاد، بل وفي أسرع وقت ممكن، فقد تمّ نهاية الأسبوع الماضي الكشف عن تعديلات قانونية جديدة تخصّ عمل الشرطة القضائية بفرعيها العسكري والأمني، فما الذي ستضيفه هذه الإجراءات القانونية لعملية التحقيق؟ وما مدى احترامها لقرينة البراءة التي ترافق أيّ اتهام؟.
إجراءات التحقيق في قضايا الفساد ونهب المال العام، ظلّت لسنوات محطّ انتقادات من عدّة حقوقيين
لا يُنكر أيّ أحد أنّ إجراءات التحقيق في قضايا الفساد ونهب المال العام، ظلّت لسنوات محطّ انتقادات من عدّة حقوقيين بالنظر إلى بطئها، والعوائق القانونية التي كانت توضع في طريق ضبّاط الشرطة القضائية، إذ تصعّب مهامهم في إنجاز تحقيقاتهم في أقلّ وقت ممكن، ومن جميع الجوانب المتعلّقة بملف التحرّي.
اقرأ/ي أيضًا: عنفٌ أمني في مواجهة الحراك.. عودة لخطابات التخويف
مصلحة جديدة
تضمّن العدد الأخير من الجريدة الرسمية الجزائرية، مرسومًا وقّعه رئيس الدولة المؤقّت عبد القادر بن صالح، يتمّ بموجبه استحداث مصلحة مركزية للشرطة القضائية لأمن الجيش، يُديرها ضابط سام يُعيَّن طبقًا للأحكام التنظيمية المعمول بها في وزارة الدفاع.
ووفق ما جاء في المادّة الثالثة من هذا المرسوم، فإن هذه المصلحة مكلّفة "بالبحث والمعاينة في الجرائم التي هي من اختصاص القضاء العسكري، والجرائم التي تمسّ بأمن الدولة".
ولفت المرسوم ذاته، إلى أن نشاطات هذه المصلحة التي لها هياكل للشرطة القضائية على المستوى المركزي والجهوي والمحلّي، تُمارَس وفق الأحكام المنصوص عليها في قانون القضاء العسكري وقانون الإجراءات الجزائية، وتُحدّد مهامها وتُنظّم هياكلها، بموجب قرارات من وزير الدفاع.
من جهته، أشار العقيد المتقاعد عبد الحميد العربي شريفي في حديث إلى "الترا جزائر" إلى أن إحداث هذه المصلحة يُعدُّ أكثر من ضروري، بالنظر للتحدّيات التي تعرفها الجزائر بشأن أمنها القومي على حدّ قوله.
وأضاف المتحدّث، أن مهمّة هذه المصلحة ترتكز أساسًا على القضايا الخاصّة بحماية الأفراد، والوثائق والأسرار المتعلّقة بالمؤسّسة العسكرية، وتهتمّ بالتحقيقات المتعلّقة بأمن الجيش وتقديم القضايا الخاصّة بها أمام القضاء العسكري.
أمر ضروري
ولفت العربي شريف، إلى أن الضبطية القضائية للدرك الوطني منهمكة اليوم بالتحقيق في قضايا فساد متعلّقة بالجانب المدني، لذلك كان من الضروري أن تكون للمؤسّسة العسكرية ضبطية قضائية مهتمّة بالتحقيق في شبهة الفساد التي قد تمسّ بالجيش، كالتخابر مع جهات أجنبية أو الاستحواذ على وثائق ومعدّات ومعلومات عسكرية.
في 5 مايو/ أيّار الماضي، أصدر قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية بالبليدة أمرًا بإيداع رئيسيْ المخابرات السابقين الفريق عثمان طرطاق، والفريق محمد مدين المدعو الجنرال توفيق، والسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق الحبس المؤقت، بتهم "المساس بسلطة الجيش" و"التآمر ضدّ سلطة الدولة".
وقبل ذلك، وتحديدًا في أبريل/ نيسان الماضي، أصدر قاضي التحقيق لمجلس الاستئناف العسكري بالبليدة، أمرًا يقضي بإيداع اللواء باي سعيد قائد الناحية العسكرية الثانية سابقًا، الحبس المؤقّت، وتوقيف اللواء شنتوف حبيب القائد السابق للناحية العسكرية الأولى، بتهم تبديد أسلحة وذخيرة حربية ومخالفة التعليمات العسكرية العامّة
أصبح واضحًا من الحادثتين، أنه بات من الضروري اليوم، إحداث هيئة تتكفّل بالقضايا التي تمسّ بأمن الجيش والتخابر مع الأجانب.
تعديلات لمكافحة الجريمة
لم تتوقّف الإجراءات الجديدة الخاصّة بالشرطة القضائية على المؤسّسة العسكرية، بل مسّت أيضًا المديرية العامة للأمن الوطني، فقد درست الحكومة أيضًا مشروعًا تمهيديًا لقانون يعدّل ويتمّم قانون الإجراءات الجزائية، والذي يندرج في إطار تعزيز المنظومة التشريعية لمكافحة مختلف أشكال الجريمة، حسب بيان للوزارة الأولى.
و يهدف مشروع القانون الجديد، إلى رفع القيود على عمل الشرطة القضائية وإلغاء الأحكام التي كان لها أثرًا سلبيًا على تحريك الدعوى العمومية، خاصّة من خلال إلغاء شرط الدعوى المسبقة من الهيئات الاجتماعية للمؤسّسة العمومية الاقتصادية لتحريك الدعوى العمومية.
ولا يتردّد المحامي والناشط السياسي عمار خبابة في إعلان دعمه لهذا الإلغاء، مثلما أوضح لـ"الترا الجزائر"، مبيّنًا أن شرط الدعوى المسبقة من الهيئات الاجتماعية لتحريك التحقيق في قضايا فساد، كان يربط أيّة عملية تحرٍّ بطلب وموافقة مجلس إدارة الهيئة محل التحقيق، ما سمح بحماية مديري الشركات الفاسدين المتورّطين في قضايا نهب المال العام وسوء استغلال الوظيفة، كما عرقل عمليات التحقيق بشكلٍ واضحٍ، على حدّ قوله.
من جهتها، تؤكّد الحكومة الجزائرية أن هذا التعديل، سيُمكّن ضباط الشرطة القضائية من ممارسة مهامهم دون شرط التأهيل المسبق من طرف النائب العام، وسيوسّع من صلاحيات البحث والتحرّي لضبّاط الشرطة القضائية في كل القضايا التي ينصّ عليها التشريع الجزائي الوطني.
ويعتقد عمار خبابة، أن التخلّي عن شرط التأهيل المسبق من طرف النائي العام، سيسمح لضباط الشرطة القضائية بتسريع عمليات التحقيق، ويقلّل من البيروقراطية التي كانت تشوب التحرّيات في بعض الأحيان.
وتأمل الحكومة، أن يُمكّن مشروع هذا القانون، من رفع كل القيود على عمل الشرطة القضائية في مجالات محاربة الفساد وحماية المال العام.
تخوفات من التعسّف
لكن رغم الجوانب الإيجابية التي حملها مشروع القانونين، إلا أن التخوّف لا زال قائمًا من إمكانية التعسّف في استعمال الصلاحيات الممنوحة للشرطة القضائية، فذكر إسم المصلحة المركزية للشرطة القضائية للأمن، ما زال مرتبطًا بممارسات سابقة حدثت في عهد رئيسي المخابرات السابقين محمد مدين وبشير طرطاق.
العقيد المتقاعد عبد الحميد العربي شريف، يجزم في حديث إلى"الترا جزائر" أن ممارسات البوليس السياسي التي طبعت فترتي الجنرال توفيق وبشير طرطاق أصبحت من الماضي، لأن المصلحة المركزية للشرطة القضائية لأمن الجيش "هدفها الأساسي إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وتكييفها مع الوضع الذي تعيشه البلاد".
وأضاف المتحدّث، أن "هذه النظرة الحديثة لا علاقة لها مع البوليس السياسي، إنما هي نقلة معينة ضمن إستراتيجية تتعلّق بحماية الأفراد لا التضييق عليهم"
في مقابل ذلك، يتخوّف متابعون، من التعديلات التي مسّت قانون الإجراءات الجزائية، المتعلّقة بالشرطة القضائية التابعة لمديرية الأمن العمومي، وتتلخّص تخوّفاتهم في تعسف ضباط الشرطة في استعمال هذا الحقّ، مع إلغاء شرط التأهيل المسبق وتجاوزات في حقّ المتهمين
هنا، يوضّح المحامي عمار خبابة، أنه يكفي فقط أن النائب العام ووكيل الجمهورية وغرفة الاتهام يراقبون عملية التحقيق ولا حاجة لشرط التأهيل المسبق، لأنهم يملكون سلطة التدخّل عند ملاحظة أيّ تجاوزات تحدث من قبل ضباط الشرطة على حدّ تعبيره.
المشكلة في الجزائر ليست في مضامين القوانين ولكن في تنفيذها على أرض الواقع
ما يأمله مراقبون، هو أن تشكّل الإجراءات الجديدة دفعًا جديدًا لعمليات التحقيق التي تعرفها البلاد هذه الأيّام، للتلاؤم مع مطالب الحراك الشعبي، لكن الحكم بنجاحها أو فشلها يبقى سابقًا لأوانه، لأن التجربة علّمتنا في الجزائر أن المشكلة ليست في مضامين القوانين، وإنّما في تطبيقها حتى ولو حملت عدّة نقائص.
اقرأ/ي أيضًا:
بعد الجمعة الـ13.. هل يضم الحراك الشعبي قايد صالح لـ"العصابة"؟