24-أغسطس-2022
سيارة محترقة من مخلفات الحرائق بالطارف (الصورة: أ.ف.ب)

سيارة محترقة من مخلفات الحرائق بالطارف (الصورة: أ.ف.ب)

لماذا هذا الصّمت السياسي حيال الحرائق التي اندلعت في عديد المناطق الجزائرية؟ولماذا لم يجتمع مجلس الوزراء برئاسة القاضي الأول للبلاد الرئيس عبد المجيد تبون؟ لماذا لم يجتمع مجلس الحكومة برئاسة الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان؟ ولماذا لم يقطع نواب الشّعب وممثّليه في غرفتي البرلمان (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) عطلتهم النيابية وعقد اجتماع مستعجل للنّزول للميدان وتفقّد عائلات الضّحايا الـ 40،وجرحاهم وغيرهم من المتضرِّرين؟

يرى متابعون أن لغة الاعتراف بالتقصير والاستقالة غير واردة في قاموس منظومة الحكم

في حالة حرائق الطارف وسوق أهراس وسطيف وبجاية هذه المرة، لا جواب من الهيئات الدستورية العليا التي اكتفت بالتضامن وإحصاء الخسائر وإقرار التعويضات، فيما كان الأهم من كل ما سبق، حضور رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في الميدان ونزوله للمناطق المتضررة واقترابه من المواطن ومشاركته أحزانه، برفقة طاقمه الوزاري، بينما اكتفى بالوزير الأول الذي أبلغ تعازي الرئيس لعائلات الضحايا.

هذه الأطروحات مشروعة، بل تنسجم مع أي حقوق المواطنين على المسؤولين محليا وفي المركز، خاصة وأن الجزائر عاشت طيلة ثلاث سنوات الأخيرة فورة الشارع وخطط الانتخابات الرئاسية والدستور ثم البرلمانية فالمحلية، إذ منذ أسبوع لم تتشكل لجنة خاصة بجبر الضّرر البشري والنّفسي والمادي مقابل تحقيقات تمسّ الجانب الإداري للمؤسّسات الحكومية التي تدير المناطق التي شهدت الحرائق.

وفي هذا السياق، اكتفى المسؤول الأول على رأس ولاية الطارف بتعهّدات الحكومة تتعلق بتعويضات مادية للمعنيين، والتكفل بمعالجة الجرحى، في وقت وُصفت الحرائق بـ "الكارثة" لأنها أتت على محمية غابية ومساحات من الأراضي الزراعية والحيوانات والأملاك والسكنات وألهبت قلوب العشرات من العائلات.

تداولت أصوات من رواد التواصل الاجتماعي تدوينات طالب بعضها باستقالة الحكومة، غير أن في مقابل ذلك يرى مهتمون بالشّأن السياسي في الجزائر أن "لغة الاعتراف بالأخطاء والاستقالة غير واردة في قاموس منظومة الحكم في البلاد،وأن الأزمات لم تدفع يومًا بأحد الوزراء برمي المنشفة أو الاعتراف بالتقصير".

هذه الحقيقة لا بدّ من الوقوف عندها، إذ لفت الباحث في الحقوق والعلوم السياسية عبد الكريم نجاري من جامعة وهران غرب الجزائر إلى أن "الحكومة لن تستقيل بسبب الحرائق" خاصّة وأن كلّ المؤشّرات تفيد بأن الرئيس تبون سيجري تغييرات عميقة في الحقائب الوزارية، وسبق أن أعلن عن ذلك في تصريحاته السابقة غير أنّ الواقع لم يغير من الأمر في انتظار التغييرات في الجهاز الحكومي.

وأكّد نجاري لـ"الترا جزائر" أنّه مع تقديم المسؤولين المحليين لبعض أسباب الحرائق وتوجيه أصابع الاتّهام إلى فاعلين معيّنين، أغلقت السّلطات توجيه "مسائلة" لكلّ المسؤولين، وهو الأمر الغائب في صيرورة الأزمة وغيرها من الأزمات السابقة. 

شماعة

في مثل هذه المنعطفات الخطيرة كالحرائق وغيرها من الأزمات المرتبطة بالطبيعة سواء في الصيف أو الشتاء أو في الفصول الأربعة جميعا، تكون " الشعبوية" كأداة ممارسة الوظيفة السياسية هي الشمّاعة التي تعلّق عليها المسؤوليات جميعًا، إذ لم تعرف الجزائر في السنوات السابقة " مسؤولًا خرج للعلن، ليتكلّم عن تحمله لمسؤولية وقوع ضحايا في الفيضانات أو في الزلزال أو في الحرائق".

من هذا المنظور تتحدّث أستاذة العلاقات العامة فاطمة الزهراء دلهوم من جامعة قسنطينة شرق الجزائر، حول أن إدارة الأزمات غالبًا ما ترجّح العقل على العاطفة، وتحديد المسؤوليات، والدفع بالتوجه الإتصالي إلى المواطن عبر "إيجاز صحفي" على طول الأيام السابقة، تستهدف التواصل الميداني مع المتضررين وترمي في آن واحد إلى إطلاع المواطن على مستجدات الوضع، غير أن السّقوط في فخّ الشعبوية "يعني استمرار الاستثمار في العواطف واللّحظة الانفعالية فقط".

من خلال هذا الطّرح تعتقد الأستاذة دلهوم أن التّجارب السابقة، لم تكن سوى "تعامل مع أزمة طارئة ومداواتها بأخف الوسائل، مشدّدة على أن "الحصانة التي يتمتّع بها بعض المسؤولين تمنحهم "عصا الإفلات من العقاب".

موقف الشخصيات المسؤولة عقب الحرائق، تكشف عن عدة حقائق تخص تسيير الدولة، إذ سبق لعدد من الولاة في السابق التمسك بالصمت مرة وانتظار خُفُوت غضب المتضررين سواءً في الحرائق أو الزلزال أو الفيضانات، دون تحديد المسؤوليات.

تقييم الأداء : الانتصار للمواطن

لا يمكن أن تستمرّ طريقة التعامل مع الأزمات بهذا الشكل، إذ تضع السلطة الحالية في "حرج التّبريرات، دون الكشف عن المسؤول الحقيقي في عديد القطاعات"، فرغم القضايا التي تعرض اليوم في المحاكم بسبب الفساد إلا أنها لا تكفي أن تحارب البيروقراطية ومختلف أمراض الحكم، في مقابل التهرّب من المساءلة الشّعبية والسياسية والأخلاقية بالتوقّف عند تقديم الوعود وتبرير قرارات المنظومة السياسية.

ينظر حقوقيون  إلى المساءلة بعين المحاسبة والرقابة وتشخيص مواطن ضعف الجهاز التنفيذي

بمختلف أبعادها، ينظُر حقوقيون لشرعية المساءلة بأنها ليست تحقيق في قضية ما، أو إجراء محاكمة بمختلف جوانبها، بل هي المحاسبة والرقابة التنفيذية والتشريعية والقضائية والاجتماعية أيضًا عن طريق مجموعة من الأساليب التي تتخذها السلطات العليا كمحاولة لتشخيص مواطن ترهّل الآداء من الجهاز التنفيذي على المستوى المحلي والوطني ومناقشتها لضمان الالتزام بالقانون من قِبل هذه الأجهزة وتحديد المسؤوليات والانتصار للمواطن.