يصف عبد القادر بن قرينة، المرشّح المحتمل للرئاسيات المقبلة نفسه، بأنّه مرشّح التيّار الجزائري بكل مكوّناته الوطنية والإسلامية والديمقراطية، ولكنّه لا يُخفي انحيازه للمؤسّسة العسكرية، ويعتبر أن مرافقتها للانتخابات الرئاسية من بين أهمّ شروط نزاهتها.
يدعو عبد القادر بن قرينة إلى إطلاق سراح لخضر بورقعة ومحاكمة بقية المعتقلين السياسيين
يُبدي رئيس حركة البناء الوطني، ووزير السياحة السابق في حكومة اليامين زروال، ثقة كبيرة في فوزه بالانتخابات الرئاسية القادمة، ويعتقد أن هذه الثقة مصدرها أن الشعب لن يختار أحد الوجوه المحسوبة على نظام بوتفليقة.
اقرأ/ي أيضًا: حوار | علي بن فليس: حاصر الحراك الجزائري التصحر السياسي والمغامرة بمصير الدولة
لا يبدو بن قرينة في هذا الحوار، متّفقًا تمامًا مع فكرة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في الحراك الشعبي، بل يدعو إلى محاكمتهم محاكمة عادلة، ولا يبدو في ردّه على سؤال "الترا جزائر"، متحمسًا لفكرة إصدار عفوٍ رئاسي عنهم في حالة فوزه بالانتخابات الرئاسية، غير أنّه يستثني من ذلك المجاهد لخضر بورقعة، لاعتبارات تاريخية وإنسانية.
يقدّم الوزير السابق عدة تصوّرات سياسية واقتصادية لحلّ الأزمة التي تمرّ بها البلاد، ويعد بتقديم اقتصاد بديل عن التبعية لفرنسا، يهدف إلى استرجاع ثروات البلاد المنهوبة، كما يدعو إلى إعادة فتح الملفّ الاستعماري ومطالبة الدولة الفرنسية بجرائم الحرب التي ارتكبتها في الجزائر.
- بداية، هل عبد القادر بن قرينة مرشّح التيار الإسلامي؟
الساحة السياسية في الجزائر تجاوزت الاضطرابات الأيديولوجية؛ ونحن اليوم أمام استحقاقات جديدة أنتجها الحراك الشعبي الذي كان جزائريًا فقط مثل ثورة التحرير؛ ذابت فيه كل الأيديولوجيات ولم يرفع راية حزبية، أو فئوية، أو جهوية، أو حتى مطلبية اجتماعية؛ لأنّ اللحظة هي لحظة كرامة وسيادة الشعب واسترجاعه قراره فيمن يحكمه، مصّرًا على الشرعية لكلّ المؤسّسات، ولذلك أقول لك، إنني مرشّح التيّار الجزائري، مرشّح "المحقورين" لأزيل عنهم الحقرة، ومرشّح الفقراء لنتعاون ضدّ الفقر والتخلّف، وأنا مرشّح النخب المثقّفة التي همّشها النظام السابق، ولا بدّ أن تأخذ مكانها في المستقبل.
أنا مرشّح المرأة المكافحة من أجل أسرتها وأبنائها ولقمة العيش الحلال وخدمة وطنها، جنبًا إلى جنب مع أخيها الرجل، بعيدًا عن الصراعات المفتعلة. أنا مرشّح المناضلين الذين يكدحون لصناعة الوعي وحماية الديمقراطية وسأكون معهم في الخندق الذي يكونون فيه.
أنصّب نفسي مرشّح التيّار الجزائري بكل مكوّناته الوطنية والإسلامية والديمقراطية، لأنّها تكافح من أجل حماية الشخصية الوطنية وترسيخ الحريّات وتوسيع دائرة الحقوق. أضع نفسي مرشّح الشباب الذي يطمح لفرصة يُساهم بها في بناء مستقبله وسأعمل لأصنع له تلك الفرصة.
أنا مرشّح البطالين، لأبحث معهم عن فرص العمل في هذه الدولة الجزائرية القارّة، ولذلك فأنا اعتز بإسلامي وأرفض المساس به، وأعتز بوطنيتي وأكافح من أجلها، واعتز بديمقراطيتي التي تعبّر عنها التعدّدية والتنافس الشريف.
- حركة مجتمع السلم اتخذت موقفًا بعدم المشاركة في الرئاسيات، لعدم توفّر الشروط السياسية وتخوّفها من التزوير، ما تعليقكم؟
حركة مجتمع السلم إخواننا، تقاسمنا الحلو والمرّ وما زلنا، نكنّ لها وشائش المحبّة والاحترام، وهي حزبٌ سياسيٌ مثل حزبنا، نحترم خياراتها وقراراتها ورؤيتها، ونتطلّع لأن نكون صفًا واحدًا، خاصّة في هذا المنعرج الخطير، ونتوقّع من إخواننا في حمس قيادة وقاعدة أن يكونوا سندًا لإخوانهم في هذه الانتخابات بقدر ما يستطيعون، فلا يُكلّف الله نفسًا إلا وسعها، ونحن نعتقد أن التغيير الحاصل في القانون الانتخابي وتشكيل السلطة المستقلّة للإشراف على الانتخابات كانت مطلبًا للطبقة السياسية، ومنها حركة حمس، وقد تحقّق هذا المطلب، والقاعدة الأصولية تقول "ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه"، ولذلك نعتبر أنفسنا حاملين لهموم بقيّة الأحزاب التي لم تشارك في الانتخابات مثل حمس، والناجي يأخذ بيد أخيه، وحركة البناء الوطني ستحتاج في المراحل القادمة إلى كلّ الكفاءات الوطنية، فالحُكم الراشد يكون عبر الكفاءات، ويتطلّب آلاف الإطارات، وهو يفرض أن تكون أبواب التعاون مفتوحة بين المخلصين والخيّرين لهذا الوطن، ونحن أبوابنا مفتوحة وسنعمل على توسيع دائرة التعامل والتضامن والأخوّة قدر ما نستطيع، ونعتقد أن توسيع دائرة الحكم بعد الرئاسيات، سيكون حقيقة يفرضها التحوّل الديمقراطي الذي صنعه الحراك الشعبي، وتوسيع عاطفة الحكم ليس كلامًا يُقال؛ وإنّما هو نظرات عقول متّزنة تكتشف الحقيقة بالفكر والإبداع الحرّ، ونسأل الله أن يفتح على الجزائر بهذه الانتخابات فتوحًا ديمقراطية.
- في اعتقادكم هل هناك إرادة سياسية من طرف السلطة، نحو الذهاب إلى انتخابات نزيهة وشفافة؟
نعتقد أن الانتخابات الرئاسيّة القادمة ستكون نزيهة وشفافة إذا توفّرت فيها الشروط التالية، وهي استمرار الحراك والمطالب والديمقراطية والمؤسّسات الشرعية. واستمرار الانتفاضة الشعبية التي تُغلق الباب على المزوّرين والمفسدين الذين ما زالوا يربطون مصالحهم بالتزوير، والمرافقة الإعلامية التي تكشف الحقيقة في وقتها وتُساهم في حماية خيار المواطن. مرافقة الجيش وحمايته للعملية الانتخابية وضمان نزاهتها، والتنافس الشريف بين المترشّحين والتعاون لحماية الشفافية والنزاهة.
نحن في نضال طويل منذ أكثر من ثلاثين سنة، للوصول إلى انتخابات شفافة ونزيهة، واعتقد أنّنا في الاتجاه الصحيح، فلا ندّعي أو نزعم أن الانتخابات ستكون شفافة مطلقًا، لكن نتوقّع أن الشعب الجزائري يعرف جيدًا متطلّبات المؤسّسات الشرعية ويعرف جيّدًا أنه مطالب باسترداد سيادته، وسلمية الحراك جعلت منه قوّة هادئة قادرة على التغيير الآمن.
- أبديتم ثقة كبيرة في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، هل يُمكن أن نعرف الأسباب؟
أنا مناضل أثق في النضال، أثق في الله عزّ وجل، واستمد منه القوّة في اتخاذ الأسباب والرضا في قدر الله سبحانه، ولست أطلب منصبًا لنفسي أو لمصالحي الشخصية؛ وإنّما أريد أن أضع برنامجي لخدمة بلدي وشعبي، وهذا الشعب لا يُمكنه أن يختار الجذوع المنخورة أو الأغصان اليابسة المقطوعة عن شجرته، وإنما سيختار من جيل الاستقلال، وسيختار الصراحة والتعاون والقيم وسيختار النوفمبرية الباديسية، وسيختار من يجمع ولا يفرق ومن يعبّر عن كل الجزائريين لا عن جزءٍ منهم.
أنا أثق في النجاح، لأنني رأيت الإقبال الكبير على خطابنا وبرنامجنا رغم العراقيل، ورغم أننا حزب جديد ناشئ، وما دام الشعب قد التفّ حول خطابنا وبرنامجنا فهذا يعني أنّنا في الطريق الصحيح. أثق في أنّني أقدّم اقتصادًا بديلًا عن اقتصاد التبعية لفرنسا، بل نُطالب فرنسا بالاعتذار عن جرائمها وردّ حقوق الشعب الجزائري وثرواته المنهوبة، وهذا هو حسّ الشعب الجزائري وهذه تطلعاته، وسأكون وسط شعبي مناضلًا، أطلب منه الثقة وأعده بالوفاء.
- ما هي أولوياتك في حال فوزك بالانتخابات؟
أولوياتي هي أولويات الشعب والحراك، أولوياتي هي أولويات المواطنين والمواطنات، ولذلك يمكنني أن ألخّصها في: ضرورة الذهاب إلى حوار واسع حول مستقبلنا المشترك. التعديل الدستوري الإصلاحي الذي ينزع صفة الإمبراطور للرئيس، والتي كرّسها الدستور العميق، وصولًا إلى دستور نابع من مقترحات الجماهير والنخب، يجمع بين الخبرة والاستشراف، إضافة إلى تنصيب أو تشكيل حكومة تعكس قناعة الشعب، وتعبّر عن إرادة التوافق بعيدًا عن الإقصاء والتهميش، ولأيّ قوى يمكنها أن تقدّم الإضافة للشعب الجزائري، نصفها طاقات شبانية، فمواقفنا لا تحكمها الأحقاد الماضية وإنّما يحكمها التسامح والمصالح المستقبلية. إعادة تشكيل المؤسّسات عبر انتخابات حرّة ونزيهة، وطبعًا هذه النقاط لها تفاصيل لا يسمح المقام بشرحها. وأخيرًا الشروع في بناء اقتصاد وطني أساسه الطاقات المتجدّدة ورفع الغبن عن المواطن وزيادة الأجور، وزراعة مكثّفة نحقّق بها الأمن الغذائي لكيلا يخاف من المستقبل، والدخول الاجتماعي، لأنّه لا يجد ما يشتري من مستلزمات لأولاده.
- في الفترة الأخيرة عاتبكم البعض على صمتكم طيلة فترة بوتفليقة، ما تعليقكم؟
الله قال لا تكتموا الشهادة، والشهادة لها وقتها ومقتضاها، ولو تابعت تصريحاتنا منذ سنوات ومنشوراتي على حسابي بموقع الفيسبوك، لوجدت أنّ كلامنا نفسه لم يتغيّر، ولكن أعتقد أن الآذان كانت مشوشة بالعهدة الخامسة، قبل أن يحرّرها الحراك. أنا أقدّم شهادتي اليوم لكي نحمي المستقبل ولا تتكرّر أخطاء الماضي.
- ما تعليقكم حول حملة الاعتقالات التي مسّت بعض النشطاء والوجوه السياسية؟
الوجوه السياسية تبقى موصوفة بصفة السياسي، سواءً كانت حرّة أو معتقلة؛ فلا يستطيع أحد أن ينزع صفة السياسي عن رئيس حزب أو مفكّر معارض أو غير ذلك، ولكن صفة السياسي لا تعطينا الحقّ في المساس بحقوق الآخرين، أو سبّ الأشخاص أو تجريح الهيئات والمؤسّسات فحقّ المعارضة مكفول، وأسلوب الشتم والقذف مرفوض من أيّ شخص كان، وهناك وجوه طالبنا بإطلاق سراحها باعتبارات تاريخية وإنسانية مثل المجاهد لخضر بورقعة، لأنّ رمزية سي لخضر رمزية خاصّة وما زلنا نطالب بإطلاق سراحه، بل نطالب بمحاكمة المعتقلين في ظلّ الشفافية وحقوق التقاضي والظروف المخفّفة، خاصّة الذين لم تصدر ضدّهم التهم، لأنّنا لا نعلّق على أحكام القضاء. وفي مثل هذه الحالات الصعبة لا بدّ من الحكمة وحسن التعامل مع الملفّات، كل ملفّ على حدة.
- وهل سيصدر بن قرينة عفوًا رئاسيًا على معتقلي الحراك في حالة فوزه؟
العفو الرئاسي له مقتضياته، وأكيدٌ أن كلّ رئيس سيصدر العفو وفق دراسة الجهات القضائية والعدالة، ولكن نحن لا نُصدر العفو على من سجنهم الحراك، ولا نُصدر عفوًا على من دمّروا هويّة البلاد وانسجامها المجتمعي، ولا عفوًا على من تلاعبوا بالديمقراطية وسيادة الشعب، ولا نًصدر عفوًا على من فقّر الشعب الجزائري، ولا نُصدر عفوًا على من احتقر الشعب الجزائري.
- كيف يرى بن قرينة دور المؤسّسة العسكرية خلال هذه المرحلة؟
الجيوش الأخرى في محيطنا الإقليمي، قتلت شعوبها ودمّرت البنية التحتيّة من ليبيا إلى اليمن من أجل السلطة، والجيش الجزائري سليل جيش التحرير رافق الحراك وانحاز للشعب، عبّرت عن ذلك شعارات الحراك "جيش شعب خاوة خاوة"، وأنا اعتقد أنّ هذا الشعار، يعكس الدور الوطني الذي قام به الجيش، ودعمه للحوار كان من أهمّ تجليات التزامه الدستوري، ودعمه للانتخابات الرئاسية يشكّل حقيقة حماية الدولة المدنية والحرص على تثبيت الشرعية الشعبية.
لذلك فأنا أحيي وأثمّن مواقف الجيش في هذه المرحلة، واعتبر أن الجندي المرابط في حدود برج باجي مختار، أو السواقي، أو القاعدة الجوية بقالمة، أو الحدود بالدبداب أو المرسى الكبير، ذلك الجندي رمزٌ من رموز قوّة واستمرار الدولة الجزائرية، رغم التحديات والمخاطر التي تكتنف كل حدودنا البرّية والبحرية.
- كيف ستتعاملون مع التيّار العلماني مستقبلًا؟
الجزائر تسع الجميع، والشعب الجزائري يعرف من يختار، وأنا سأكون رئيس كلّ الجزائريين في الملاعب والمصانع والجالية في الخارج مثلما كان الشيخ محفوظ يقول، "من التاء إلى التاء"، والجزائر لها موروث فكري كبير، ولها مسار سياسي رسمته كلّ القوى في الحركة الوطنية، كانت فسيفساء أيديولوجية، والحزب الواحد كان يملك حساسيات أيدلوجية، والمستقبل سيكون فيه كثير من الحساسيات الأيديولوجية، وأنا كفيل بحماية الحرّيات الفردية والعامّة، وهنا أقول بأن بناء مشروع مجتمعٍ منسجمٍ رغم الاختلاف بين مكوّناته، إنّما ينشأ من المدرسة والتربية والتعليم، ولذلك يكون المعلم في مشروعي القادم بمثابة الوزير، لأنّه وحده من يستطيع أن يُخرّج لنا الوزير والرئيس.
- هل استفادت الحركة الإسلامية في الجزائر من التجربة التركية والمغاربية؟ أم هناك خصوصية محلية؟
نحن حركة نؤمن بالاستفادة من الجميع؛ ولكن دعني أصحّح لك هذا المفهوم، وهو أن الحركات الإسلامية في العالم استفادت من التجربة الجزائرية، تلك التجربة التي رسمها الشيخ نحناح بالسلمية والوسطية والمشاركة، ولا تزال تجربة الإسلاميين السياسية تتطوّر وتستفيد من الدروس، وكما كانت ثورة التحرير المباركة مؤثّرة في التحرّر العالمي، سنعمل على أن يكون الحراك السلمي والجزائر الجديدة مؤثّرين أيضًا بالشكل الإيجابي في المحيط الدولي والإقليمي، لأنّ تجربتنا التي أسّسها حراك 22 شبّاط/ فيفري، قادرة على تقديم نموذج ومقاربة فكرية لظاهرة التغيير الآن، وسنسعفها بإنجاز واقعي يقوم على قيم التحوّل الديمقراطي الآمن والجماعي والمستوعب لكلّ مكونات الساحة الجزائرية، وهذا لا يمنعنا من التعاون بصورة ندّية مع كل التجارب الناجحة، سواءً في العالم الإسلامي أو في الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأفريقي، أو في دول أميركا، لأنّ الحكمة ضالة المؤمن العاقل، ونحن لا نتكبّر على الآخرين. للجزاائر خصوصيات محليّة واضحة، ولكن في ظلّ العولمة وثورة المعلومات أصبح العالم قرية مفتوحة.
عبد القادر بن قرينة: "الجزائريون ليس لهم خلاف مذهبي أو طائفي، ولكن على الحكماء أن يحذروا"
- المعروف أن بن قرينة كان أحد النشطاء والفاعلين في إخماد نار الفتنة في غرداية، هل لنا أن نعرف خلفيات الصراع؟
نحن كنا في حركة البناء الوطني حاضرين دائمًا في مواطن الإصلاح، وحريصين على إخماد نار الفتنة، لأنّ الجزائريين جمعتهم يد الله فلا تفرقهم يد الشيطان كما قال بن باديس، والجزائريون ليس لهم خلاف مذهبي أو طائفي، فقط على الحكماء أن يحذروا ويساهموا في التسوية بين المواطنين، بإحياء الوازع الديني والتوازن التنموي ومحاربة الفقر ومحاصرة الأحقاد، وتوسيع دائرة التسامح.
اقرأ/ي أيضًا:
حوار | علي بن فليس: حاصر الحراك الجزائري التصحر السياسي والمغامرة بمصير الدولة