25-أغسطس-2024
فاروق معزوزي

المخرج والإعلامي فاروق معزوزي (الصورة: الترا جزائر)

تعدّ ثورة الزعاطشة من بين الثورات المهمة التي ميزت تاريخ المقاومة الشعبية منذ بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر، كما أنها حلقة مهمة وجب تسليط الضوء عليها اليوم وفي كلّ زمن ضمن حلقات عديدة  ميّزت الثوراتالتحررية التي وجدت منذ أول يوم استعمار إلى غاية الاستقلال.

في هذا السياق، يُقدّم لنا المخرج القادم من الحقل الإعلامي فاروق معزوزي، فيلمه الوثائقي "ملحمة الزعاطشة" في عرض أولي على شاشة التلفزيون العمومي الجزائري الذي تكفّل بإنتاجه.

 يتطرق هذا العمل إلى تفاصيل هذه الملحمة التاريخية، ويأخذ صفة مادة تاريخية وفنية توثيقيّة لجرائم المستعمر الفرنسي ضد المقاومة التي ضحى أفرادها بالكثير من أجل الدفاع عن التراب الجزائري.

1

باشر سكان منطقة الزعاطشة (ولاية بسكرة حاليا) مقاومتهم بعد 19 سنة من بداية الاحتلال، وقد استبسلوا في الدفاع عن أراضيهم خاصة خلال عام 1849، وهذا ما ميّز هذه الثورة عن غيرها وجعلها راسخة في الذاكرة الشعبية للمنطقة، والجزائر عموما، حيث كانت تحت قيادة الشيخ بوزيان الذي لا زال اسمه ذا صيتٍ واسع إلى غاية اليوم في تاريخ المنطقة، حيث تحتفظ الذاكرة الشعبية لسكان المنطقة حتى مع تعاقب الأجيال بكل ما تعرضت له المقاومة من قمع وتنكيل شمل الجميع.

في هذا الحوار الذي خص به مخرج العمل  "الترا جزائر" نتعرّف أكثر على خلفيات هذا العمل التاريخي، فكرته الأولى، تفاصيله وأحداثه، وكيف خرج في حلّته النهائية ليقدم لجمهور ما يزال متعطشا لمعرفة المزيد عن ماضي الجزائر الثّوري لما قبل الثورة التحريرية..

  • ليس من السّهل الخوضُ في إخراج قصّة تاريخية، والتّعامل معها بالنصّ الوثائقي بشكلٍ متأنّ كيف بَلَغتَ فكرة هذا الفيلم الوثائقي؟

لطالما سَكَنَتْ فكرة هذا الوثائقيّ جعبة مشاريعي المهنية المُؤَجّلة، وبصفتي أحد أبناء مدينة "الزيبان"، كنت أتحاشى تناول شخصيات عديدة أمثال شخصية عبد اللطيف سلطاني، أحد أبرز العلماء الذين عارضوا بقوة النّظام الاشتراكيّ الذي انتهجه كلٌّ من الرّئيسين أحمد بن بلة وهواري بومدين، أو قضية اغتيال المناضل الشّرس محمد خيضر أو قصة العقيدين سي الحواس ومحمد شعباني، هذا الأخير الذي أنجزت عنه فيلما وثائقيا بعنوان "العقيد المغدور"  ، وهو من ثلاثة أجزاء وثقت مساره من نشاطه في الجبل إلى الإعدام.

4

لقد كان سبب هذا التّحاشي مِهنيا صَرِفاً، كوني أتشارك جغرافيا مع هذه الشّخصيات، ما أَعتبرُه امتحانا مِهنيا عسيراً علقت فيه بين الذّاتية والموضوعية، وقد خرجت من هذا التمحيص المهني أخيراً بموضوعية لتكريس الممارسة الاحترافية التي أصبو إليها دائما.

  • ماذا تُعالج رؤيتك لملحمة الزعاطشة في هذا العمل بشكل محدد؟ 

 من خلال هذا الفيلم الوثائقي، أحكي قصة قرية الزعاطشة الموؤودة التي تعرّضت لإبادة فظيعة لا يمكن أن تُحصر في قصة واحدة، حيث تم القضاء على السكان والعمران والإنسان وحتى البهائم والأنعام، وقد مُسِحَت عن بكرة أبيها في جريمة وحشيّة جدا غابت عنها الإنسانية.

يعالج العمل في محتواه قصة فلاّح اسمه الشيخ بوزيان، انتقل من كونه رجل مغمور إلى قائد ثورة دامت ستة أشهر، أذل فيها شرف ضباط المحتل الفرنسي، وهم العقيد جان لوك كاربوشية والعقيد كانروبار والجنرال إميل هربيون.

4

من جهة أخرى، يتناول هذا العمل حرب الإبادة التي تحكي قصة خمس مئة مقاتل مرّغوا شرف عشرة آلاف عسكري، في ملحمة بطولية لقنوهم من خلالها أبجدية دفاع الثوار عن أوطانهم، وإصرارهم على النّصر أو الشّهادة.

  • لماذا يميل الأستاذ معزوزي للمادة التوثيقية؟ هل هذا مرتبط بتخصصك أم بشغف إعلامي؟

 في الواقع، أنا أتّجه نحو الإعلام الاستقصائي القائم على التحقيق والتوثيق في قضايا المقاومة الشعبية والحركة الوطنية والثورة التّحريرية والدّولة الوطنية، وهذا من منطلق البعد الرسالي، من خلال أعمال وثائقية تلتقي عند حدود التّماس والتّناص، في خلطة مهنية أجمع فيها ما بين ما هو صحفي وتاريخي وأكاديمي..

كلّ هذا، يأتي بغية تناول التاريخ خارج التّلقين المدرسيّ والرّواية الرّسمية، بهدف إشباع رغبات المشاهدين من كلّ المناهل والمشارب، عبر أعمالٍ تتّسمُ بالجدّية والجودة والزخم التاريخي، لتعزيز الذّاكرة الوطنية، ناهيك عن توفير حق أجيال الغد في التّعرف على أمجاد وبطولات رموزها وقادتها من الأجيال السابقة

  • كم استغرق إنتاج هذا العمل؟

في الحقيقة، لقد انطلق تصوير الفيلم خلال شهرأيلول/ سبتمبر سنة 2022، وسلمته في بداية شهر آب/أوت لهذه السنة، وقد شهد تصوير هذا العمل انقطاعات عديدة يطول شرح أسبابها.

عمليا، استغرق مني العمل سنة ونيف بين كتابة السيناريو مرورا إلى التصوير وختاما بالمونتاج والإخراج.

  • حدّثنا عن أعمالك التّوثيقية

قدمت للتلفزيون عدة أعمال منها: الرجل اللغز "رشيد كازا" وهو من أربعة أجزاء، "البعد الإفريقي" ،" مدارس أشبال الثورة" ، "العقيد المغدور محمد شعباني" من ثلاثة أجزاء، "الحكيم والسيستام "/عبد الحميد مهري" من خمسة أجزاء، وعملي هذا "ثورة الزعاطشة حرب الإبادة ".

4

لقد عرضت على التلفزيون العمومي ثلاثة مقترحات، فكان خيارهم على ثورة الزعاطشة، كما أنه من المعروف أن كلا من وزارة المجاهدين ووزارة الثقافة والمؤسسة الوطنية للتلفزيون وجهة مهنية لكل المنتجين والمخرجين، وقد تعاقدت معهم بصفتي سيناريست ومخرج فيما تكفل التلفزيون  بالإنتاج.