27-أغسطس-2024
1

نبيل جدواني

يَزخَر الفنّ الجزائريّ عموماً، والسّينما بشكل خاص بالعديد من النّفائس الخبيئة التي لم تتمكن العديد من أجيالنا المتعاقبة من الاطّلاع على معظمها نظرا للعديد من الظروف التي يصعب حصرها، إذ اقتصرت مشاهداتنا ومعلوماتنا السينمائية والفنية طويلاً على ما قدمه لنا التلفزيون والجهات الرّسمية من أعمال وموادقد تكون في بعض الأحيان "مبتورة" أو مقتضبة لسبب ما، في حين بقيت كنوز أرشيفية فنية مهمة للتاريخ ولتحسين الواجهةالثقافية لهذا البلد حبيسة النسيان وعرضة للإهمال.

لطالما بقيت عملية الأرشفة ومهمة الاحتفاظ بهذه الأعمال والمخطوطات والثّروات الفنية من أفلام وأعمال درامية وموسيقية، إضافة إلى الكتب والصور الفوتوغرافية حِكرا على مؤسسات عمومية أو على أفراد معينين يمتلكون صلات قرابة أو صداقة بأصحاب هذه الأعمال

لطالما بقيت عملية الأرشفة ومهمة الاحتفاظ بهذه الأعمال والمخطوطات والثّروات الفنية من أفلام وأعمال درامية وموسيقية، إضافة إلى الكتب والصور الفوتوغرافية حِكرا على مؤسسات عمومية أو على أفراد معينين يمتلكون صلات قرابة أو صداقة بأصحاب هذه الأعمال، أو على بعض الشغوفين المهتمين بهذا الشأن على قِلّتهم في الجزائر.

من هذا المنطلق، نتعرف على نبيل جدواني (1984)، مخرج وممثل وباحث شاب في المجال الفني والسينمائي، وهو جزائري من مواليد سانت إتيان في فرنسا. 

نبيل جدواني ابن والدين جزائريين، شُغِف بالسّينما الجزائرية منذ سنوات وقرر تكريس وقته وجهده للحفاظ على مكنوناتها النفيسة، من خلال امتهان الأرشفة والحفظ والترميم، وراح يوسع عمله ويكشف لنا عن العديد من الأعمال التي بقيت لعقود وسنوات حبيسة الظلام.

تخصص في دراسة السينما في جامعة لويس لوميير في ليون الفرنسية، ثم اتجه إلى العمل في هذا المجال، حيث بدأ مشواره العملي من خلال المشاركة في إخراج فيلم وثائقي للمخرج الجزائري حسان فرحاني، تحت عنوان  "آفريك هوتيل" خلال سنة 2010، والذي تم تصويره في الجزائر العاصمة.

اشتغل نبيل جدواني أيضا مع المخرج رابح عامر زعيمش كمخرج مساعد وممثل، حيث قدم أفلام: "قصة يهوذا" خلال عام 2015، و "تيرمينال جنوب" عام 2019.

خلال نفس السنة، أخرج أيضا وثائقيا بعنوان "الروك ضد الشرطة".

لطالما كان نبيل جدواني شغوفا بالسينما الجزائرية وتاريخها، وكل ما تحمله من خبايا نفيسة، وهذا ما دفعه إلى إنشاء الأرشيف الرقمي للسينما الجزائرية، كما أتاح للجميع الوصول إلى المحتوى الرقمي للأرشيف عبر مواقع التواصل من خلال يوتيوب، فيسبوك وانستاغرام، حيث يشارك المتابعين والمهتمين بتاريخ السينما في الجزائر، ويتيح لهم فرصة الاطلاع على ما يتم جمعه وأرشفته.

يحمل نبيل جدواني  شهادة التأهيل المهني كمرمّم محترف الصورة الرقمية من المعهد الوطني للسمعي البصري.

في حواره لالترا جزائر، يحدثنا جدواني عن عمله هذا، ظروفه وطرق تقديمه، مشاكله وصعوباته، وتطلعاته المستقبلية في عمله على حفظالأرشيف السينمائى الرقمي في الجزائر.

  • كيف انتقل المخرج والممثل والباحث الذي عرفناه نحو الاهتمام بأرشفة السينما والمواد الفنية الجزائرية بشكل عام ؟

في الحقيقة، لطالما سمحت لي مسيرتي المهنية التي انتهجتها في المجال السينمائي والتقنيات بالاحتكاك بعالم السّينما الجزائرية، سواء كان ذلك بصفتي مخرج أو مساعد مخرج أو ممثل.

لقد كانت الجزائر حاضرة دائما في قلب عملي، ومع مرور الوقت، أدركت أن العديد من الأعمال وقسمًا كاملاً من تراثنا السينمائي والفني عُرضة لخطر الغرق في النّسيان بسبب عدم وجود هياكل كافية توفّر مساحات الحفظ والنّشر الخاصة بذلك، وهذه هي النقطة التي انطلقتُ منها، حيث دفعني ذلك إلى الاستثمار في البحث والأرشفة، بغيةَ الحفاظ على هذا الثّراء الذي يميّزُ إنتاجنا الفنيّ والتعريف به، خاصة في مجال السّينما، كما أن عملي لا ينحصر على هذا السينما فحسب.

  • هل كان من السّهل عليك البحث والعثور على كل الكنوز التي شاركتها إيانا على مرّ السنوات ؟ كيف وأين يتم هذا البحث ؟ 

في الحقيقة، لم يكن الأمر أبدا بالسهولة التي قد تبدو الأمور عليها، لأن هذا العمل يتطلّب صبرًا والتزامًا وموارد مالية لا حصر لها.

شخصيًّا، أُجري هذا البحث من خلال قنوات مختلفة: المضيّ في استكشاف الأرشيف العام، الاطلاع على مواقع مزادات مختلفة، والبحث في أسواق السلع المستعملة، زيارة المكتبات، وحتى الاتصال بعائلات صانعي الأفلام أو الموسيقيين.

منذ بضعة أشهر أقوم بحملات جمع الأرشيف في الجزائر، ومن خلال هذه الحملات، تتم رقمنة كل اكتشاف بعناية وتخزينه وتكرار حفظه على وسائط رقمية متعددة وآمنة.

 مع ذلك، لا يزال هنالك الكثير من العمل الذي يتعين عليّ القيام به فيما يتعلق بتحديد الهوية والفهرسة لكل ما أقوم بجمعه.

  • ما طريقتك  في أرشفة ما تحصّلت عليه؟ وأين يتم الحفاظ بكلّ ذلك ؟

أحتفظ بنسخ الأفلام التي أملكها في المنزل، لكن من الواجب أن تحفظ في ظروف مناسبة لتجنب تدهورها.

تعد الرقمنة والتّرميم ضروريين لتسهيل وصول عامة الناس إلى هذه الأعمال ولكن لا يمكن فصلها عن أعمال الحفظ.

  • ما هي أكبر الصعوبات في هذه العملية الطويلة ؟

تبقى التحديات كثيرة، وتكمن الصّعوبة الرئيسية في طريقة الوصول إلى مواد الأرشيف، والتي غالبًا ما تكون مهملة في المؤسسات غير المفتوحة للتعاون. 

1

يشكل الافتقار إلى الدعم المؤسساتي، التمويل والقيود التقنية عقبات رئيسية، كما أن هنالك ذلك التحدي المتمثل في مهمة زيادة الوعي: أي جعل الناس يفهمون أن أهمية الحفاظ على تراثنا السينمائي مهمّة طويلة النَّفَس.

مع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، ما زلنا ننجح في المساهمة في المهمة التي أوكلناها لأنفسنا منذ أكثر من عشر سنوات: المساهمة في معرفة أفضل بالسّينما الجزائرية.

  • هل تلقيت دعمًا محليًا لمواصلة عملك من طرف المؤسسات الرسمية أو الشركات الخاصة أو الأفراد الذين يشاركونك هذا الشغف ؟

في البداية، كان الدعم محدودًا إلى حد ما.

 مع ذلك، تمكنت مع مرور الوقت من تعبئة عدد قليل من المتحمسين الذين قدموا مساعدتهم، سواء من خلال المساهمات على صفحة فيسبوك الخاصة بهذا المشروع، أو من خلال مشاركة الموارد. 

1

إضافة إلى ذلك، أبدت بعض الشركات الخاصة اهتمامًا بالمشروع من خلال دفع ثمن عمليات المسح (التي غالبا ما تكون باهظة الثمن) بشكل مجّاني. 

من خلال مشاريع الترميم لدينا، كنا محظوظين لمرافقة جمعية جوسلين صعب لنا في هذه المهمة.

من جهة أخرى، لا يزال الدعم المؤسساتي معدوما. ولطالما كانت السلطات على علم بمبادرتنا لكنها لم تقدم لها أي دعم خاص.

في المقابل، نشارك منذ بضعة أشهر في برنامج شركة ناشئة ثقافية من تنظيم وزارة الثقافة تحت اسم (مُبادر آرت)، حيث تعد مشاركتنا في هذا البرنامج جزء من رغبتنا في ترسيخ هذا المشروع في الجزائر.

لكن بأي شكل ؟ ما زلت لا أعلم تحديدا ! 

  • هل اتصلت بسينماتيك الجزائر للحصول على تعاون أو تمويل، مع العلم أنها ما تزال تحمل صفة "متحف السينما" ؟

لقد حاولت التواصل مع سينيماتيك الجزائر على وجه التحديد لاستشارة مكتبتهم كجزء من بحثي، لكن تم رفض الوصول لأسباب لا زلت لا أعرفها.

 تبدو فكرة التعاون طبيعية بالنسبة لي، بالنظر إلى أن مهامنا متكاملة، بيد أن هذا النهج لم ينجح، ربما بسبب القيود المؤسساتية أو غيرها من الأولويات.

 آمل أن يتغير هذا في المستقبل، لأن التآزر بين كيانينا يمكن أن يثري بشكل كبير أهدافنا في  الحفاظ على السّينما الجزائرية وتعزيز ثرواتها.

  • ما تطلعاتك المستقبلية ؟  هل تنوي مواصلة بحثك الذي سمح لنا باكتشاف نفائس جمة تثري واجهة الثقافة الجزائرية ؟

تطلعاتي المستقبلية هي الاستمرار في استكشاف تراثنا السينمائي والحفاظ عليه ونشره.

 أحلم أيضا بإنشاء منصة متكاملة أكثرعبر الإنترنت، حيث يمكن للجميع الوصول بسهولة إلى هذه الأعمال وإلى جميع الملفات التي تم جمعها على مر السنين.

 أخيرًا، أود أن أكون قادرًا على تدريب الأجيال الجديدة على أهمية أرشفة ثقافتنا والحفاظ عليها وحسن استعادتها.