هو مخرج من مدينة بسكرة جنوب شرق البلاد، من مواليد سنة 1985، واحدٌ من الشباب الذين يجتهدون في ميدان الإخراج والإنتاج، لبعث الروح في ميدان صناعة الأفلام الوثائقية بالجزائر.
خالد شنّة: بعت ممتلكاتي وحتّى هاتفي النقّال من أجل تصوير مشاهد تمثيلية للفيلم الوثائقي "ليلة النار"
بدأ مشواره كمراسل ومصوّر صحافي سنة 2013، وتلقّى تكوينًا عصاميًا، حيث عمل على تطوير مهاراته للتحكم في أدوات المونتاج والإخراج. نجح في صناعة أوّل فيلم وثائقي "صقر الصحراء" سنة 2017، حيث تُوج بـ "الخلال الفضّي" في المهرجان المغاربي للفيلم الوثائقي بمدنين في تونس، ويدخل عمله الثاني "ليلة النار" مضمار المنافسة ممثلًا عن الجزائر، في فعاليات المسابقة الرسمية بالمهرجان الدولي العربي الأفريقي بزاكورة، بالمملكة المغربية.
اقرأ/ي أيضًا: حوار | نصيرة محمدي: ولّد الحراك الشعبي سلوكًا تحرريًا
ينتصر المخرج خالد شنّة في أعماله الوثائقية للتاريخ، ويفضّل الخروج من العباءات الكلاسيكية في تصوير المشاهد، إلى توظيف البناء الدرامي والمشاهد التمثيلية ومقاطع ثلاثية الأبعاد، يعتمدها في أفلامه الوثائقية.
يروي شنة، في حديث إلى "الترا جزائر" عن رحلته في عالم التصوير، وعن تخلّيه عن خدمة الأرض وقيادة الجرّافات إلى ملاحقة الصورة والتقاط اللحظات الهاربة من الزمن. عن الصعوبات التي مرّ بها والعراقيل التي واجهته في مجال السمعي البصري، وصولًا إلى النجاحات التي حقّقها حتى الآن.
- كيف ولجت عالم الإخراج وإنتاج الأفلام الوثائقية؟
كانت البداية يوم قرّرت دون سابق إنذار التوقّف عن مزاولة مهنة الفلاحة وقيادة الجرّافات بمدينة طولقة في بسكرة، أردت فكّ ذلك الرابط الوثيق الذي جمعني بالأرض مجبرًا غير مخيّر؛ فأحلامي وطموحاتي كانت في اتجاه آخر، فلا شيء يضاهي حبّي وتعلقي بالأرض سوى التصوير وعدسة الكاميرا.
وقتها قرّرت خوض تجربة جديدة، والعمل على بيئة من شأنها أن تحدث نقلة نوعية تتناسب وحلمي وشغفي اتجاه فنّ الصورة، من جهة ومهنة الصحافة من جهة أخرى، هذا الشغف الذي بدأ يتملّكني يومًا بعد يوم، في خضم صراع داخلي كنت أعيشه، بين ترك العمل الذي أزاوله آنذاك وهو قيادة الجرافات، وبين التصوير الذي كان مجرّد هواية أمارسها في أوقات الفراغ، لأحتكم إلى قرار التنقّل إلى بسكرة المدينة وأستقلّ عن عائلتي، وأحاول بعدها جاهدًا بناء بيئة تتوازن وتطلعاتي بعيدًا عن كلّ صوت يُمكنه أن يحط من عزيمتي، أو يحدث خللًا فيما أسعى إلى تحقيقه كخطوة أولى.
- ما التحدّيات التي واجهتك في الصحافة والإخراج؟
أنشأت في بداية مشواري أستوديو للتصوير، وأنتجت عدّة ريبورتاجات لحظة استقراري بعاصمة الولاية، الأمر الذي دفعني أكثر إلى التكوين العصامي في مجال فنون السمعي البصري، بالاعتماد عن الوسائط الإلكترونية والإنترنت والكتب ذات الصلة، هذا الذي أوصلني إلى إتقان التغطيات وإنتاج العشرات من الريبورتاجات لصالح الإدارات العمومية والشركات الخاصّة. وقتها رفعت تحديًا لإنتاج أوّل عمل وثائقي، وضعت فيه ما تعلمته وما اكتسبته من ميدان العمل.
بعد أربع سنوات من الجهد واجهت فيها عقبات جمّة وفترات مؤلمة وقاسية من طرف جهات فردية وإدارية، استطعت تأسيس شركة ذات مسؤولية محدودة، نشاطها الرسمي نشر وتوزيع المنتجات السمعية البصرية، انفتحت من خلالها على آفاق أكبر في مجال الإنتاج السينمائي.
- كيف كانت تجربتك مع أوّل إنتاج وثائقي لك؟
احتجت لوقت طويل نسبيًا قارب السنتين لإنهاء تجربتي الأولى مع الفيلم الوثائقي "صقر الصحراء"، الذين كان ثمرة تلاحم وتعاون وجهود شباب أرادوا إحياء أحد أبطال ثورة التحرير، وواحدًا من أبناء الزيبان بولاية بسكرة.
تحقّق ما أردته، وتُوّج الوثائقي بالجائزة الثانية "الخلال الفضي" بالمهرجان المغاربي للفيلم العلمي والوثائقي بمدنين بالجمهورية التونسية.
لم أتوقّف هنا، وتوجّهت إلى إنتاج وثائقي آخر بعنوان "ليلة النار"، يعرض أهمّ المحطات التي مرّت بها منطقة الأوراس والزيبان، منذ دخول قوّات المستعمر الفرنسي سنة 1844 إلى غاية التحضير للعمليات التي آذنت باندلاع ثورة الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر 1954، ذلك بالتركيز على الهجمات التي قامت بها مجموعة من المنطقة، والتي طالت عددًا من الأهداف الحيوية الفرنسية، ثم تبيان ردود فعل الإدارة الفرنسية التي أعقبت هذه الهجمات.
- هل كان فيلم "ليلة النار" تجربة مثمرة بالنسبة إليك؟
"ليلة النار" هو إضافة جديدة، أردت من خلاله تعزيز إنتاج الفيلم الوثائقي في السينما الجزائرية التي تعاني من شحّ الإنتاج، بعد فيلمي الأوّل الذي أعتبره تجربة تعلمت منها كثيرًا، تُضاف إلى رصيد ما يقدّمه باقي الزملاء في هذا المجال. المميّز في الفيلم هو أنّني حاولت الخروج عن الأسلوب التقليدي المألوف وتوظيف البناء الدرامي للفيلم، أو الديكودراما، عبر توظيف مشاهد تمثيلية في كل مراحل الفيلم، كما استعنت بمقاطع فيديو ثلاثية الأبعاد لمحاكات الأحداث التي وقعت خلال تلك الفترة.
- ما هي الأفكار التي أردت تجسيدها وثائقيًا؟
بصفتي مخرجًا وصانع أفلام وثائقية، تتملّكه رغبة جامحة في تجسيد فكرة جيّدة ومناسبة، وانطلاقًا من نظرتي الشخصية التي تريد أن تخدم وتثمن الجانب التاريخي للبلد، حسب الإمكانيات المتاحة لي طبعًا، لجأت إلى إنتاج الفيلمين بهدف المشاركة في الحفاظ على الذاكرة الحيّة للثورة الجزائرية في منطقة الصحراء، إذ يبدو هذا الجانب مهملًا ومهملًا تمامًا في مجال التّأريخ المصوّر.
- هل كان إنتاج الأفلام الوثائقية التاريخية حلمًا، أم أن الظروف فرضت عليك هذا النوع من التوجّه؟
في الحقيقة، لقد كان توجّهي إلى صناعة الأفلام الوثائقية محض صدفة، إلا أنّ روح هذا النوع من الوثائقيات وشغف البحث عن ماهية الصورة المخفية فيها تملكتني، فوجدت نفسي باحثًا عنها وباعثًا لرسالتها كما هي.
- ما العراقيل التي واجهت تسويقك لأفلامك الوثائقية؟
قبل الحديث عن الصعوبات والعراقيل، يجدر بي الإشارة إلى أنني بعت ممتلكاتي وحتى هاتفي الخلوي لأجل تصوير المشاهد التمثيلية لفيلم "ليلة النار"، وهذه إشارة إلى أن معظم السينمائيين الشباب ينتجون أفلامهم من نفقتهم الخاّصة، لذلك فإن الصعوبات التي تواجهني وتواجه الكثيرين هي غياب التمويل والدعم لإنتاج هذا النوع من الأفلام، كما نواجه مشكلة أكبر بكثير وهي مشكلة تسويق العمل.
- ما أثر الحراك الشعبي الحاصل في الجزائر على أعمالك الوثائقية؟
في ظلّ الحراك الشعبي الذي يوازيه حراك ثقافي قد ينتصر للفنّ، بالخصوص الفنون البصرية، لطالما دعونا مختلف السلطات الوصية إلى استيعاب حجم التغيير الحاصل، وفتح الأبواب أمام دعم المشاريع السينمائية الناشئة، دون تمييز وبعيدًا عن المحاباة التي لطالما رافقت التمويل والتسويق في السوق الجزائرية.
- هل اقترحت عرض الفيلمين الوثائقيين على التلفزيون العمومي والقنوات الخاصّة تزامنًا مع المناسبات الوطنية؟
كنت قد قدمت اقتراح تسويق العمل، إلى مدير المؤسّسة العمومية للتلفزيون الجزائري، على أمل أن يجد فيلمي "ليلة النار" سبيلًا للبث، ليتسنّى للجمهور الجزائري مشاهدته، أتمنى أن تُفتح لنا أبواب الإعلام الجزائري لنتمكّن من التعريف بتاريخ البلد، وأن نساهم ولو قليلًا في إثراء المكتبة الوثائقية والتاريخية للجزائر.
فيلم "ليلة النار" مرشّح في المسابقة الرسمية للفيلم الوثائقي بالمهرجان الدولي بمدينة زاكورة بالمملكة المغربية
- هل من مشاركات لك في مسابقات سينمائية عربية أو دولية؟
رُشّح الفيلم الوثائقي "ليلة النار" ممثلًا عن الجزائر ضمن فعاليات المسابقة الرسمية بالمهرجان الدولي العربي الأفريقي بمدينة زاكورة بالمملكة المغربية، الذي سينعقد من 28 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري إلى غاية 02 كانون الأوّل/ديسمبر المقبل، هذا في انتظار تتويجه في محافل سينمائية أخرى قريبًا.
اقرأ/ي أيضًا: